الحوار الوطني وانفراجة الحبس الاحتياطي

الثلاثاء، 23 يوليو 2024 05:58 م
الحوار الوطني وانفراجة الحبس الاحتياطي
محمد الشرقاوي يكتب:

في خطوة تؤكد حرص الدولة المصرية على المضي قدماً نحو تعزيز ملف حقوق الإنسان، وفتح الحوار أمام كافة القضايا الشائكة، انعقدت اليوم أول جلسات الحوار الوطني لمناقشة قضية الحبس الاحتياطي والقواعد المنظمة لها، باعتبارها جزءًا أصيلاً من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
 
وهذه الخطوة تأتي كإشارة واضحة على التزام الدولة بتعزيز مبادئ حقوق الإنسان، وإيجاد الإطار التشريعي الحاكم لها، بما يضمن تحقيقها، وهو ما ظهر خلال جلسة اليوم، والتي من الممكن وصفها بالشاملة والعميقة، حيث تناولت موضوعات حيوية، مثل: مدة الحبس الاحتياطي وبدائله، والتعويض عن الحبس الاحتياطي الخاطئ، والنظر في تدابير منع السفر المرتبطة بالقضايا، بما يعكس وعياً حقيقياً بالحاجة إلى إصلاح جذري في التعامل مع قضايا الحبس الاحتياطي، وهي خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح.
 
الحقيقة أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية وإيجاد بدائل فعالة للحبس الاحتياطي يعد من الأمور الملحة التي يجب معالجتها، تماشياً مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي أُسست على رؤية تهدف إلى النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر، من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمنة إليها مصر، تحقيقاً للمساواة وتكافؤ الفرص دون أي تمييز.
 
وبالتالي فإنه بداية من إدراج هذا الملف في أجندة الحوار الوطني حتى الوصول إلى مخرجات تضمن توافق كافة الأطراف السياسية الفاعلة، يعكس رؤية متقدمة تتفهم ضرورة مواكبة التشريعات للقيم والمبادئ الحديثة لحقوق الإنسان، فمن خلال هذا الحوار، يتم فتح الساحة لكافة الأطياف لإبداء آرائهم وتقديم مشوراتهم، مما يعزز من روح الشفافية والمشاركة المجتمعية في صنع القرار.
 
المجلس القومي لحقوق الإنسان له دور تاريخي في إثارة أهمية معالجة موضوع الحبس الاحتياطي، ومنذ عام 2005، كان المجلس يدعو إلى ضرورة معالجة هذا الأمر، واستمر في تقديم تقاريره وتحذيراته من توسيع نطاق الاشتباك وزيادة أعداد المحتجزين. إن استمرار المجلس في هذا الدور يبرز التزامه الدائم بحقوق الإنسان والعمل على تحسين أوضاع المحتجزين.
 
من جهة أخرى، طرح رؤى واضحة لإصلاح ومعالجة الإشكاليات ذات الصلة بالحبس الاحتياطي بكل وضوح. هذه الرؤى تعبر عن آمال في أن يتمكن الحوار الوطني من الخروج بتصور توافقي يتسق مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان لمعالجة مسألة الحبس الاحتياطي. هناك اعتقاد راسخ بوجود إرادة سياسية حقيقية للمضي قدمًا في مسار الإصلاح السياسي الشامل الذي يتضمن تدابير لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة.
 
النقاش حول ضرورة وضع قانون جديد للإجراءات الجنائية وتطبيق بدائل الحبس الاحتياطي الحالية يعكس إيماناً بأهمية تدارك الآثار السلبية الناتجة عن الحبس الاحتياطي لفترات طويلة. هذا الأمر يتطلب تعويض المحتجزين مادياً ومعنوياً بنصوص تشريعية جديدة، مما يعزز من عدالة النظام القانوني ويضمن حقوق الأفراد.
 
إن مناقشة هذا الملف وإعادة معالجته بما يقيد الحبس الاحتياطي في حالات محدودة ينص عليها القانون، والتوسع في إيجاد بدائل للحبس الاحتياطي، سيكون له تأثير بالغ الأهمية في الحد من استخدام الحبس الاحتياطي ودعم خطوات تعزيز حقوق الإنسان. يجب أن تكون هناك وجهة نظر واضحة حول ماهية الأمور التي يطبق فيها الحبس الاحتياطي والبدائل المتاحة، بعيداً عن القضايا شديدة الخطورة أو تلك التي لها علاقة بالإرهاب.
 
وما يؤكد أن هناك حراك قوي في هذا الملف، تصريحات النائب إيهاب الطماوي، رئيس اللجنة الفرعية لصياغة قانون الإجراءات الجنائية ووكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، والتي نقلتها صحيفة اليوم السابع، والتي جاء فيها أن اللجنة انتهت من إعداد مسودة مشروع قانون متكامل للإجراءات الجنائية يتسق مع أحكام الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان و المواثيق الدولية ذات الصلة.
 
وبحسب الطماوي، فإنه تم تخفيض مدد الحبس الإحتياطي لتكون في الجنح 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام، وتحديد حد أقصى للحبس الاحتياطي من محكمة جنايات الدرجة الثانية أو محكمة النقض في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد ليصبح سنتين بحد أقصى بدلاً من عدم التقيد بمدد، لأنه كان هناك بعض التعديلات بسبب القضايا الإرهابية هو اعتبار مدة الحبس في الجرائم التي عقوبتها تصل للإعدام أو أمن الدولة الى مدد مطلقة وقد قيدها القانون بسنتين.
 
المؤكد أن هناك نية حقيقة للتعديل، فاللجنة الفرعية لدراسة وإعداد مشروع قانون الإجراءات الجنائية المتكامل أعدت بديلاً جامعاً عن القانون القائم الصادر عام 1950 وتعديلاته، وباشرت أعمالها على مدار أربعة عشر شهرًا، واضعة نصب أعينها أحكام الدستور، وتعهدات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومبدأ الشرعية الإجرائية، والذي هو مبدأ أصيل وأساسي وحاكم للإجراءات الجنائية، لا يجوز الخروج عنه، يقوم بالأساس على إقامة توازن عادل بين حماية الحرية وحماية المجتمع، من خلال رسم نطاق قانوني لحرية الفرد، والتي يجب الحفاظ عليها وعدم التضحية بها مهما كانت الأسباب، بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع بل يسهم في تحقيقها.
 
وبحسب الطماوي، فإن ملامح القانون الجديد تخفيض مدد الحبس الاحتياطي، ووضع حد أقصى لها، وتنظيم حالات التعويض عنه، تحقيقاً للغاية من كونه تدبيراً احترازياً وليس عقوبة، فضلاً عن إقرار بدائل الحبس الاحتياطي، وهو الأمر الذي سيحدث انفراجة حقيقية في هذا الملف الشائك.
 
هذه الخطوة الرائدة في الحوار الوطني تعكس التزاماً حقيقياً بإصلاح النظام القانوني وتقديم بدائل فعالة للحبس الاحتياطي، مما يسهم في تعزيز حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة في مصر، وبالتالي فإن استمرار هذا النهج سيؤدي بلا شك إلى تحسين البيئة القانونية والحقوقية في البلاد، ويعزز من ثقة المواطنين في نظامهم القانوني.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق