اليمين المتطرف يعيد تشكيل السياسة الأوروبية.. انتخابات البرلمان الأوروبي تثير قلق القادة

السبت، 22 يونيو 2024 09:00 م
اليمين المتطرف يعيد تشكيل السياسة الأوروبية.. انتخابات البرلمان الأوروبي تثير قلق القادة
دينا الحسيني

في تغيير ملحوظ، أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة تحولاً نحو اليمين، وأعرب بعض المراقبين عن مخاوفهم بشأن النتائج وتأثيرها على السياسات الأوروبية، ومع ذلك، فإن واقع الوضع يشير إلى أن التأثير الذي قد يخلفه هذا التحول على سياسات الاتحاد الأوروبي قد يكون أقل أهمية من تأثيره على السياسات الداخلية للدول الأعضاء في الاتحاد فرادى.
 
ومنذ حقق القوميون المتطرفون نتائج ساحقة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، يواجه زعماء أوروبا التقليديين أزمة سياسية ذات عواقب لا يمكن تصورها، ولم يكن مفاجئا في نظر مراقبي السياسة الأوروبية أن يتحول الناخب الأوروبي إلى اليمين، حيث صوت الأوروبيون لصالح المزيد من السياسيين اليمينيين في ألمانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا، من بين دول أخرى، بدافع من الوسطيين أولئك الذين أصبحوا قلقين بشكل خاص بشأن الهجرة التي أصبحت عاملاً مؤثراً في السياسات الاقتصادية وتغييرات الهوية الرخيصة في الدول الأوروبية، وباتت تشكل مصدر قلق كبير بين الناخبين.
 
ولطالما اهتم الناخب الأوروبي في المقام الأول بالقضايا الرئيسية التي تؤثر بشكل مباشر على حياته اليومية، مثل الوضع الاقتصادي، والسياسات الدفاعية، والقوانين البيئية والمناخية، وتأثير ذلك على توفر الوقود المناسب، ومعناة الدول الأوروبية من تدفق ملايين المهاجرين القادمين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لذلك تمكن اليمين من حشد الأصوات الانتخابية لصالحه في الانتخابات الأخيرة.
 
ومن المؤكد أن أزمات احتواء المهاجرين الجدد في دول أوروبا تشكل تحدياً كبيراً للعديد من دول الاتحاد الأوروبي، لكن في المقابل هناك عدة أزمات كبرى هزت الاتحاد خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، وكانت الصورة مختلفة من بلد إلى آخر. وإذا نظرنا إلى دول مثل بولندا أو إستونيا، فإن المحرك الأكبر للسياسات في هذين البلدين هو حرب أوكرانيا. إذا نظرت إلى ألمانيا، فإن المحرك الرئيسي سيكون موضوع الهجرة والأزمات التي تنتج عنها. لكن في فرنسا والدنمرك، كانت أزمة المناخ هي التي حظيت بالتفاعل الأكبر بين الناخبين. وفي العديد من دول جنوب أوروبا، لا تزال الأزمة الاقتصادية التي حدثت في عامي 2008 و2009 هي المحرك الرئيسي للسياسات الحكومية.
 
وكانت الأسباب كثيرة وراء ظهور اليمين المتطرف في أوروبا بقوة، منها افتقار الناخب الأوروبي إلى الشخصية القيادية، بعد أن تحول زعماء أوروبا إلى مجرد إداريين، تنقصهم الحكمة، وأصبحت سياساتهم تعتمد على استطلاع الرأي، و ترتب على ذلك الارتباك في قراراتهم السياسية، وعدم نضجها السياسي ووضوحها، وعدم ثقة الناخب فيهم.
 
إضافة إلى ذلك، وقعت القرارات السياسية في أوروبا تحت تأثير الرأسماليين والشركات الاقتصادية، وتعطل المسار الاقتصادي الليبرالي في أوروبا، بينما اعتمد عليه القادة الحاليون كحل أحادي، دون ابتكار حلول اقتصادية بديلة لتغلغل الشركات في الاقتصاد، وكانت نتائج توغل الاقتصاد الليبرالي في الدول الأوروبية التي كان حكمها محدودا في مواجهة هذا الاقتصاد هو اعتماد المرشحين في حملاتهم الانتخابية على كيانات اقتصادية، وكان هذا بداية غضب الناخبين وإحجامهم عن انتخاب هؤلاء السياسيين.
 
ولعل من أخطر الأسباب التي أدت إلى انتصار اليمين المتطرف هي الهوية الثقافية، إذ أصبح المواطنون ولعل من أخطر الأسباب التي أدت إلى انتصار اليمين المتطرف هي الهوية الثقافية، إذ أصبح المواطنون الأوروبيون يدركون التهديد الذي تتعرض له الهوية الثقافية من خلال فتح بلدان الهجرة من جهة، وانتهاج سياسات من شأنها تدمير مجتمعات كـ (حرية المثلية الجنسية) من جهة أخرى، وهو ما أيقظ الوعي الأوروبي بمخاطر الهوية وإمكانية فقدانها، فوجد الناخب الأوروبي ما ينشده في اليمين المتطرف، بعد أن رفع شعار الهوية ضد الهوية مخاطر الأجانب.
 
وأحدثت نتيجة الانتخابات الاوربية ما يشبه الزلزال القوى الذى ضرب مراكز الحكم في القوى الاوربية التقليدية، خاصة فرنسا، التي كان الأسرع من بين حكام أوربا على التجاوب مع النتيجة لكن لصالحه، فقد أعلن حل الجمعية الوطنية، ودعا إلى إجراء الانتخابات التشريعية للدورة الأولى في 30 يونيو الجارى والدورة الثانية في 7 يوليو المقبل، مؤكداً أن نتيجة الانتخابات الأوروبية "ليست نتيجة جيدة للأحزاب التي تدافع عن أوروبا"، مضيفا أن "صعود القوميين والديماغوجيين يشكل خطرا على أمتنا".
 
وجاء قرار ماكرون بعد إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية التي فاز فيها حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة جوردان بارديلا (28 عاما) بحصوله على 31.5% من الأصوات، بالمقابل، سجل حزب "النهضة" الرئاسي انتكاسة انتخابية كونه لم يحصل سوى على نحو 15% من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي.
 
الخطوة التي اتخذها ماكرون كعلته في مرمى نيران المنافسين الذين قالوا إنه يخاطر بمستقبل فرنسا، فيما قال ماكرون إن ذلك كان بمثابة دليل على الثقة في الشعب الفرنسي بعد أن خسر تحالفه بشدة أمام اليمين المتطرف، لكن رئيسة بلدية باريس الاشتراكية آن هيدالجو قالت إن إجراء تصويت آخر في وقت قريب جدا من موعد الألعاب الأولمبية أمر مقلق.
 
وينظر البعض على خطوة ماكرون على أنه مناورة سياسية منه لكشف اليمين الفرنسي، قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2027 التي لن يخوضها ماكرون، لكنه يعمل على ابعاد اليمنيين عنها، خاصة بعدما أكدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان "نحن على استعداد لممارسة السلطة إذا منحنا الفرنسيون ثقتهم"، وسبق أن خسرت لوبان في مواجهتها مع ماكرون مرتين في الانتخابات الرئاسية لعامي 2017 و2022، وتهدف إلى الوصول للرئاسة عام 2027.
 
وأيا كانت النتائج المتوقعة في فرنسا، فإن نتائج انتخابات الاتحاد الأوروبي لا تعني أن اليمين قد اكتسب فجأة سيطرة مطلقة على البرلمان الأوروبي، أو أن سياسات الاتحاد ستتغير بشكل كامل وفجأة. ولكن من المرجح أن تحدث تغييرات سياسية بمرور الوقت، وخاصة في ما يتعلق بسياسات الاتحاد الأوروبي في ما يتصل بالمناخ، والهجرة، وإلى حد ما، الدفاع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق