دولة الأفعال.. مصر لا تتجمل

منذ 6 سنوات تقريبا أتذكر حوارا بحذافيره دار بيني ومجموعة من الأصدقاء الإعلاميين من دول عربية مختلفة، اعتدنا كل فترة على النقاش عبر جروبات في قضايا تخص المنطقة نتبادل فيها الخبرات والأحاديث حول المستقبل وتوقعات خريطة المنطقة.

كل ما كان يشغلنا جميعا وقتها هو كيفية الخروج من مأزق الجماعات الإرهابية، هو منع السرطان الذي ينخر في جسد الخريطة العربية، آلام الملايين من الشعوب المشردين بسبب الحروب والدمار، قوى الشر وما يحاك من مخططات وأجندات كبرى لإسقاط كل دولة عربية على حده، ومن ثم نهب ثروات البلاد.

كان حديثي عن مصر وقتها في خطط الدولة نحو البناء الكامل، والتنمية الشاملة الفعلية في كل شبر على أرض مصر من الاسكندرية إلى أسوان، وحجم التحديات التي تواجه البلاد بعد قطع دابر الإرهاب وحصار جماعات التطرف وتطهير مصر من شرهم، والانتقال من مرحلة التخطيط إلى النتائج الملموسة على أرض الواقع بداية من تغيير جذري في مشروعات البنية التحتية، حتى الوصول إلى حياة كريمة للفئات الأكثر فقرا.

وكان رد أحد الأصدقاء المقربين في المجموعة عليَّ وقتها بشيء من التشكيك، وأنه على مدار سنوات، يقصد قبل 2014، تعاقبت الحكومات المختلفة على البلاد بخطط ووعود ومشاريع كبرى كانت قادرة على تغيير وجه الحياه في ربوع مصر، لكن تظل هذه المشاريع حبيسة الأدراج، وإذا قدر ورأينا منها ولو تنفيذ جزء بسيط، سرعان ما يتحول إلى أطلال بعدما تصل إليه يد الإهمال ويصيبه عقم فساد التنفيذ والمتابعة.

كنت واحدا من جيل في مصر وصل إلى "ليفل الوحش" كما يقولون؛ ثورتين متعاقبتين، وأنظمة مختلفة، وحكومات، وأجندات، وأحزاب، واقتصاد منهار ينزف كل يوم، وأحوال معيشية لا تسر، وإرهاب وتفجيرات تطال كل مكان، وهذا ما كان واقعا حتميا، لم أكن أملك ما يكفي من الرد على الشكوك في قدرة الدولة على الوقوف صلبة والعودة إلى مسار التنمية من جديد، قبل أن أتخلص من شكوك بداخلي كانت أكبر من تلك المناقشات بكثير، شكوك متعلقة صراحة بواقع أحوال مواطن أراها يوميا وأعيشها، هموم وأحزان وخوف من مستقبل ضبابي.

الحق يقال، لم أمتلك أداة للدفاع واليقين إلا الثقة في الدولة المصرية، والإخلاص في التحركات الجذرية الشاهدة منذ اليوم الأول لنظام ما بعد الخلاص من حكم جماعة الإخوان، في التعامل مع سرطان كل أزمة على حدة بالاستئصال من الجذور، وخلايا النحل التي تتحرك في كل مكان تضع الأسس لكل مشروع، فهناك حرب شاملة على الإرهاب، وهنا آلات تضع أساس طريق جديدة، مشاهد تبشر بحياة جديدة، وأمل مؤكد يلوح في الأفق، ورهان كسبان على وعي المواطن الذي يشهد له التاريخ في كل أزمة.

تذكرت هذه الأحاديث بتفاصيلها كلها، وأنا أتابع تفاصيل جولات الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ يومين في صعيد مصر، يفتتح خلالها المشروعات الصناعية الكبرى، ويتفقد المناطق الصناعية والاستثمارية الجديدة، ويوجه بتكملة مشروعات الطرق والبنية  التحتية، ويتابع بنفسه وصول المبادرة الرئاسية حياة كريمة إلى الأهالي والقرى التي عانت سنوات من التهميش.

تلك المشاهد وغيرها، مما يتابعه المصريون يوميا، تعطي إجابات شافية لمخاوف الماضي بلا كذب أو تجميل، لا رد أبلغ مما تراه العيون، مشروعات الطرق في كل مكان، تطوير وبناء للمستشفيات والمدارس، مشروعات اقتصادية كبرى كانت مجرد أفكار، ووجه جديد لحياة اجتماعية بشكل عادل ينقذ ملايين الأسر من الفقر والعوز، ومناطق سكنية، وإزالة عشوائيات، ومناخ سياسي شعاره إعلاء كلمة الوطن، لافظا لأجندات التناحر والسبوبة.

الآن، تقف مصر على أرض صلبة، أرض واجهت وباء عالمي تأثرت به كبرى الاقتصادات العالمية بكل قوة وصلابة لإنقاذ المواطن من تحمل تبعات لا يقدر كاهله على حملها، أرض أعادت إلى القاهرة مكانها في المعادلة الدولية قبل العودة إلى قيادة المنطقة من جديد، أرض تبشر بجمهورية جديدة قائمة على العمل والصناعة والإنتاج، أرض خصبة للعيش الكريم والحياة الآدمية.