الموجة الخامسة تجتاح القارة العجوز.. والحكومات تلجأ لفرض إجراءات الإغلاق
السبت، 27 نوفمبر 2021 11:30 م
حكومات أوروبا في مأزق.. أعمال شغب وصدامات عنيفة بسبب قيود كورونا
عاد مرة أخرى منحنى إصابات فيروس كورونا المستجد للارتفاع، وبدأت الإصابات تزداد مرة أخرى يوما تلو الآخر في القارة الأوروبية، ما حوّلها من جديد إلى بؤرة لتفشي الوباء، أعادت إلى الأذهان السيناريو المأساوي الذي عاشته بلدان الاتحاد الأوروبي خلال ربيع العام الماضي، ويتفاقم الوباء في أوروبا بوتيرة عجلت حكومات بعض الدول بإعادة فرض إجراءات الإغلاق التي لا تلقى قبولا شعبيا قبل عيد الميلاد، وتأتي هذه المخاوف الجديدة وسط تباطؤ حملات تطعيم ناجحة قبيل فصل الشتاء وموسم الإنفلونزا،
و تمثل أوروبا أكثر من نصف الإصابات في متوسط سبعة أيام على مستوى العالم ونحو نصف أحدث الوفيات، وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2020 عندما اجتاح الفيروس إيطاليا لأول مرة، رغم تلقى نحو نصف سكان المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تشمل الاتحاد الأوروبي، جرعتي لقاح وفقا لبيانات الاتحاد الأوروبي، لكن الوتيرة تباطأت في الشهور الماضية، وبلغت نسبة تلقي اللقاحات في بلدان جنوب أوروبا نحو 80 بالمئة، لكن التردد يعرقل حملات التطعيم في وسط وشرق أوروبا وروسيا، ما يؤدي إلى تفش قد يضغط على أنظمة الرعاية الصحية.
ومع عودة الحكومات الأوروبية لخيار اعتماد سياسات الاغلاق والحجر المنزلي مجددا، من الصعب للغاية على المواطنين الأوروبيين قبول ذلك، وهم الذين كانوا طيلة العامين الماضيين محجورين بشكل عام في منازلهم وسط إجراءات مشددة، ومع تلقيهم التطعيم بأعداد كبيرة هم لا يرون مبررا منطقيا للعودة لفرض الإغلاق العام.
وشهدت القارة العجوز أعمال شغب في عدة مدن أوروبية، احتجاجًا على قيود جديدة "أكثر صرامة" لمكافحة تفشي موجة جديدة "مثيرة للقلق" من كورونا، بعد الارتفاع الحاد لمعدلات الإصابات والوفيات، واندلعت العديد من المواجهات والصدامات العنيفة في العديد من الدول الأوروبية من النمسا وهولندا وبلجيكا، إلى فرنسا والدنمارك وكرواتيا، التي اشتعلت ساحاتها العامة وأزقة مدنها على وقع أعمال الشغب وحرق الإطارات والدراجات النارية، من قبل محتجين، حيث تحولت شوارعها لميادين مواجهة مفتوحة بينهم والقوى الأمنية.
وتظاهر عشرات الآلاف في العديد من العواصم والمدن الأوروبية، احتجاجا على إعادة فرض القيود على الحياة العامة، على خلفية ارتفاع وتيرة الاصابات والوفيات بشكل قياسي من جراء فيروس كورونا، والذين يرون أن الموضوع برمته مفبرك والمعترضين على التوجه لدى بعض الحكومات بأوروبا كما في النمسا لفرض اللقاحات على المواطنين، باعتبارها تعديا على حرية الناس المطلقة، وبالتالي فهي ترى أن الإجبار على التلقيح هو انتهاك للحقوق الأساسية للإنسان.
ففي النمسا التي دخل الإغلاق التام حيز التنفيذ الاثنين الماضي، والتي تعتزم كأول دولة أوروبية فرض التلقيح ضد كورونا المستجد مع بداية شهر فبراير من العام القادم، اندلعت مواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن، حيث باتت المدن النمساوية كالمهجورة، مع إغلاق الأسواق والمطاعم والمقاهي، وقاعات الموسيقى ومراكز التجميل، باستثناء المدارس.
وبهذا تكون النمسا أول دولة أوروبية تعاود فرض الحجر المنزلي على سكانها، من بعد توفر اللقاحات المضادة للفيروس الفتاك للسكان، باستثناء حالات شراء الحاجيات الضرورية، وممارسة الرياضة وأخذ الرعاية الطبية، فضلا عن الذهاب للعمل.
وفي كل من بلجيكا وهولندا، أدت إعادة فرض التدابير، للحد من انتشار كوفيد-19 لوقوع صدامات عنيفة مع المتظاهرين، حيث تم حبس العشرات من قبل الأجهزة الأمنية، في هولندا، التي شهدت مدنها مثل لاهاي وروتردام أعنف الصدامات، حيث تعتزم السلطات فرض سلسلة من التدابير الصحية التي تتعلق خصوصا بقطاع المطاعم والحانات، والتي ينبغي أن تغلق أبوابها عند الثامنة مساءا. ومنع غير الملقحين من دخول بعض الأماكن العامة للحد من التدهور الوبائي.
وأعادت هولندا فرض قيود بالغة الصرامة، تصل لمنع السكان من الخروج إلا بعذر بعد أن وصلت معدلات التلقيح فيها لمديات عالية جدا، وسط تأكيدات حكومية سابقة بأنه لا عودة إلى الإغلاق الشامل، خاصة مع التوصل لقناعة شبه عامة رسميا وشعبيا في مختلف البلدان الأوروبية، بأن تجربة الحجر الأولى مع بداية انتشار الفيروس العام الماضي، لم تكن مجدية ولا ضرورية، بل تضررت قطاعات الاقتصاد والتعليم، والانعكاسات كانت كارثية على الصحة النفسية للناس".
تواصلت الاحتجاجات على قيود كورونا فى إقليم ما وراء البحار الفرنسى مارتينيك لتشمل أعمال عنف، وامتدت إلى إقليم غوادلوب حيث تمت مهاجمة الشرطة وقوات حفظ الأمن بأسلحة نارية، وفي بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، تظاهر نحو 35 ألف شخص، رفضا للقيود التي فرضتها السلطات في إطار محاولة كبح جماح التفشي الوبائي الواسع.
ويسود القلق والتوجس لدى حكومات دول الاتحاد الأوروبي، من انزلاق الأمور نحو ما يشبه انتفاضة أوروبية عامة، ضد القيود على الحياة العامة، والتي تبدو بين خيارين أحلاهما مر، بين العمل على كبح جماح تدهور الواقع الوبائي، حيث مثلا خلال هذا الأسبوع، سجلت ألمانيا أكثر من 50 ألف اصابة جديدة في غضون 24 ساعة، وفي فرنسا تم تسجيل نحو 20 ألف اصابة في يوم واحد، أو الإذعان لمطالب المحتجين برفع القيود المشددة لمكافحة الوباء.
ولهذا تتردد بقية بلدان أوروبا في الإقدام على فرض الإجراءات المشددة، كما يقول الخبير في الشؤون الأوروبية، متابعا: "فمثلا ألمانيا المتأخرة في تشديد الإجراءات والقيود، لخشية الحكومة من ردة الفعل الشعبية الغاضبة، والتي بلغ معدل الإصابات بها مستويات خطيرة، وهو 400 إصابة بين كل 100 ألف ألماني، ستكون مضطرة هي وغيرها من حكومات أوروبا، في غضون أسبوع أو 10 أيام، لفرض القيود المشددة، إذا ما لم تتراجع مؤشرات الوضع الوبائي، وسنشهد بالتالي اتساع نطاق دائرة العنف والصدامات في أوروبا ككل".
وتقف الحكومات الأوروبية عاجزة أمام لحظة صعبة للغاية، ما بين تغليب المصلحة العامة أو الرضوخ لضغط الشارع، وهي مطالبة هنا بالحزم ووضع الأولوية لاعتبارات الحفاظ على الصحة العامة، ومنع التدهور الوبائي، مهما كانت تكلفة المواجهة، فالتراخي وعدم فرض القيود سيقود لكارثة صحية لن تقف عند تخوم أوروبا، كون الفيروس لا حدود لانتشاره وانتقاله حول العالم".
وكانت منظمة الصحة العالمية، قد دقت ناقوس الخطر، محذرة قبل أيام من أن وتيرة انتقال عدوى كورونا في أوروبا "مقلقة جدا" في الوقت الحالي، مما قد يؤدي إلى تسجيل نصف مليون حالة وفاة إضافية في القارة بحلول فبراير المقبل، وسط تحذيرات من أن فصل الشتاء الذي بات على الأبواب، والذي سيفاقم الموجة الوبائية الحالية في أوروبا، لا سيما وأن احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة، في حال عدم وضع ضوابط لها، ستسهم في انتشار واسع للمرض، وفق ما يحذر الخبراء الصحيون.
وكشف أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية للأسبوع المنتهي في السابع من نوفمبر أن أوروبا، بما في ذلك روسيا، هي المنطقة الوحيدة التي تسجل زيادة في الإصابات بنسبة سبعة بالمئة في حين سجلت بقية المناطق انخفاضا أو استقرارا.
وبالمثل سجلت أوروبا زيادة 10 بالمئة في الوفيات، مقارنة مع بقية المناطق التي سجلت انخفاضا. وبدأت معظم بلدان الاتحاد الأوروبي في تطعيم كبار السن ومن يعانون من ضعف المناعة بجرعات لقاح تعزيزية، لكن علماء يقولون إن التوسع فيها لتشمل مزيدا من السكان، فضلا عن تطعيم المراهقين، يتعين أن يكون أولوية لتجنب خطوات مثل الإغلاق. وتدرس وكالة الأدوية الأوروبية استخدام لقاح فايزر-بايونتيك لتطعيم الأطفال بين خمسة و11 عاما.