التضخم يهدد الاقتصاد الامريكى ويضع بايدن في ورطة
السبت، 20 نوفمبر 2021 05:45 م
اقتصاديون: استمرار معدل التضخم الأمريكي في الارتفاع بنسبة 6.2% لمدة 10 سنوات سيقلل قيمة الـ100 ألف دولار لتصل إلى 54.8 ألف دولار
قبل أيام، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، خبر صادم، أحدث حالة من الضجة العالمية وداخل الولايات المتحدة نفسها، كون أسعار مجموعة واسعة من المنتجات التي يعتمد عليها المستهلكون يوميا ارتفعت بوتيرة أسوأ من المتوقع، مسجلة أعلى معدل تضخم في البلاد منذ أكثر من 31 عاما.
الأمر ليس هيناً، كون التضخم يضرب أقوى دول العالم، حيث وصل مؤشر أسعار المستهلك، والذي يقيس أسعار مجموعة من المنتجات تتراوح مثل الوقود والرعاية الصحية وسلع البقالة والإيجارات، في أكتوبر بنسبة 6.2% عن الشهر نفسه من العام الماضي.
الصدمة في أن هذا أكبر معدل تضخم وصلت له الولايات الأمريكية منذ ديسمبر عام 1990، مقارنة بتوقعات أشارت إلى 5.9%. وعلى أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.9% مقابل توقعات بـ0.6%.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، اعتبر ارتفاع معدلات التضخم السنوية مخالفاً للتوقعات، مؤكداً التزامه باستقلالية المكتب الفيدرالي الأمريكي لرصد التضخم ومكافحته، وشدد بايدن على معالجة مشكلة ارتفاع الأسعار وشح الإمدادات، في حين يرى محللين إن ارتفاع التضخم يمثل عامل ضغط على الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة أو تسريع تقليص حجم الحوافز وبرامج التيسير الكمي.
وزادت أسعار اللحوم في أمريكا بنسبة تخطت الـ51%، وهو أمر كارثي في المجتمع الأمريكي الذي يعتمد على اللحوم بصورة كبيرة في الصناعات الغذائية.
وبحسب بيانات رسمية، ارتفع التضخم السنوي بأسرع وتيرة له على الرغم من انخفاض الدخل الشخصي، فهناك مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بما في ذلك الغذاء والطاقة ارتفع 4.4% على أساس سنوي في سبتمبر، مسجلا أسرع وتيرة نمو له منذ يناير 1991.
ويشير بيان وزارة التجارة الأمريكية، إلى أنه بعد استبعاد تكاليف الغذاء والطاقة، ارتفع المؤشر، تماشيًا مع توقعات داو جونز، بـ3.6% لفترة 12 شهرًا، وجاءت ارتفاعات التضخم المستمرة مع انخفاض الدخل الشخصي بـ1% في سبتمبر على أساس سنوي، أي أكثر من التوقعات بـ0.4%. بينما ارتفع الإنفاق الاستهلاكي بـ0.6% للفترة نفسها، تماشيًا مع توقعات وول ستريت.
وأظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية أيضاً، ارتفاع أسعار الأغذية والسيارات والطاقة وعدد كبير من المنتجات في الأسواق، بسبب الإغلاق المتكرر للمصانع في الأشهر الأخيرة لمنع انتشار فيروس كورونا، ومع عودة الأنشطة الاقتصادية لحالتها الطبيعية وارتفاع معدلات الاستهلاك ارتفع معدل التضخم.
ومن المرتقب أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في وقت لاحق من هذا الشهر، خفض برنامجه لشراء الأصول البالغ 120 مليار دولار بمقدار 15 مليار دولار شهرياً، إلا أن اتجاه رفع الفائدة لا يزال يرتبط بسحب السيولة المرتفعة في الأسواق بسبب برامج التحفيز.
ويرى اقتصاديون أن استمرار معدل التضخم الأمريكي في الارتفاع بنسبة 6.2% لمدة 10 سنوات سيجعل من مبلغ 100 ألف دولار يصبح قيمته 54.8 ألف دولار بنهاية المدة، وبالتالي يمثل ذلك الكثير من القلق والاستياء لدى المستهلكين الأمريكيين، وهو الأمر الذي دفع بايدن إلى القول بأن أسعار المستهلكين لا تزال مرتفعة كثيراً، وذكر في خطاب له بمدينة بالتيمور، أن الكثيرين في حيرة من أمرهم بشأن الاقتصاد، ونحن نتتبع تلك المشكلات ونبحث كيف نتعامل معها وجهاً لوجه.
وأرجع مصرفيون أزمة التضخم في أمريكا إلى ضخ سيولة مالية كدعم للأسر والأفراد مع تخفيف آثار كورونا، وتوجهت تلك السيولة إلى الاستهلاك، ما زاد الطلب على السلع، وأيضاً يضاف إلى أن المعروض من السلع كان محدوداً بسبب الإغلاقات، وأيضاً بسبب عجز في بعض مكونات السلع مثل النقص الحاصل في الشرائح وأشباه الموصلات، وكذلك ارتفاع أسعار الشحن البحري بسبب الاختناقات في الموانئ، والعجز في حاويات الشحن، ما رفع أسعار السلع.
وأدت تلك الأسباب إلى رفع مؤشر أسعار المستهلكين في أمريكا ارتفاع أسعار الطاقة ما كان له تأثير مباشر على وسائل النقل والتدفئة، وكذلك تأثير غير مباشر في دخوله في مكونات السلع والخدمات اللوجيستية.
الأزمة قد تكون لها تأثيرات سلبية على وضع الحزب الديمقراطي الأمريكي في مأزق، وهو ما أشارت له صحيفة واشنطن بوست، وقالت إن بايدن قلل من المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة، والآن يخشى الديمقراطيون من أن هذا قد أصبح يمثل مشكلة سياسية، موضحة أن كبار المسئولين في البيت الأبيض وعدوا في يونيو الماضي بأن يكون التضخم المتزايد مؤقتا.
وتذهب الصحيفة إلى القول، بأنه في هذه القضايا وغيرها يشعر عدد متزايد من الديمقراطيين بالقلق من أن البيت الأبيض قلل مرارا وتكرارا من حجم التحديات التي تواجه البلاد، مما أدى إلى تفاقم المشكلات السياسية للحزب وجعلت طريقه محفوفا بالمخاطر بالفعل فى انتخابات الكونجرس المقررة العام المقبل.
ويعترف الديمقراطيون بالمشكلات التي تسببت فيها الطبيعة غير المتوقعة لوباء كورونا والانتعاش الاقتصادي غير المتكافئ، لكنهم يخشون أن ميل الإدارة للتقليل من أهمية القضايا قد زاد الأمور سوءا، كما أن رد البيت الأبيض يتعارض أيضا مع الوعد الذى قطعه بايدن كمرشح، عندما نقل قول الرئيس فرانكلين روزفلت بأن الشعب الأمريكي يستحق أن يكون كتفه مستقيما، وتعهد بقول الحقيقية وأن يكون صريحا، لكن بعض الديمقراطيين يجادلون بأن الرسائل المختلطة من البيت الأبيض قوضت مصداقيته ووضعت توقعت مربعة للأمريكيين.
ووفق تقارير دولية، فإن أزمة التضخم العالمية ظهرت نتيجة الخلل في سلاسل التوريد والإمداد، والتي تسببت في ارتفاعات كبيرة سواء في الطاقة أو السلع الأخرى، فمثلًا أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا سجلت ارتفاعات 500 % في حين ارتفعت سلع بنسبة 15 إلى 30 % في بعض الدول، وهنا تشير توقعات مراقي الأسواق إلى استمرار الأزمة وارتفاع نسب التضخم لمستويات قياسية قد تصل بالعالم إلى ما يسمي الركود التضخمي وهو الخطر الأكبر الذي يهدد كافة الدول.
وأطلق تقرير لبنك دويتشه بنك الالمانى تحذيرات من حدوث أزمة اقتصادية عالمية قريباً أو في عام 2023 بسبب الآثار السلبية المحتملة للتضخم، فالخطة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بعدم تشديد سياسته النقدية ومواصلة السياسة التحفيزية وسط ارتفاع التضخم يمكن أن "تتسبب في ركود ضخم، وتطلق سلسلة من الضوائق المالية في أنحاء العالم، لا سيما الأسواق الناشئة".
في حين يؤيد تقرير لوول ستريت، وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي بأن الضغوط التضخمية الحالية ليست دائمة، وهو ما يدفع البنوك المركزية على مستوى العالم إلى ترقب الأسعار استعداداً لقرارات خاصة بأسعار الفائدة.
وكشف تقرير حديث لوكالة "بلومبيرج"، أن الأسواق الناشئة التي شددت سياساتها النقدية لكبح التضخم ستجني ثمار ذلك من المستثمرين الأجانب، الذين يراقبون المخاطر المحتملة مستقبلاً مع نمو ضغوط الأسعار، فيما يحاول مسؤولو البنوك المركزية في الدول النامية إحداث توازن دقيق بين دعم اقتصاداتهم، التي لا يزال الكثير منها يواجه الجائحة، والسيطرة على التضخم، الذي قد يصبح تهديداً حقيقياً بفضل الانتعاش الاقتصادي القوي وحزم التحفيز المالي الضخمة في الاقتصادات المتقدمة.