قمة المناخ.. الوجه الآخر للصراع بين آسيا والغرب

الثلاثاء، 02 نوفمبر 2021 03:56 م
قمة المناخ.. الوجه الآخر للصراع بين آسيا والغرب

تتجه أنظار العالم إلى مدينة "جلاسكو" التي تستضيف محفلًا هو الأكبر من نوعه في العالم منذ ست سنوات، حيث تتجمع حوالي 190 دولة للمشاركة في قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي "كوب 26" في الفترة ما بين 1 إلى 12 من نوفمبر 2021، برعاية المضيف حكومة المملكة المتحدة. وذلك لبحث التداعيات الخطيرة لأزمة التغير المناخي على كوكب الأرض وحياة البشر، ومحاولة إيجاد إطار توافقي بين الدول الأكثر تأثيرًا في هذه القضية، يمكنها من معالجة هذه التداعيات الخطيرة لأزمة المناخ والتي باتت تهدد الدول كافة مهما امتلكت من تقنيات متطورة للتعامل مع الأزمات البيئية.
 
وتمثل النسخة الحالية من قمة المناخ طوق نجاة مأمول لدى سكان وحكومات العالم، وخاصة بعدما اختبر سكان العالم عقدًا يمكن وصفه بأنه الأكثر تعرضًا للكوارث والأضرار جراء التغيرات المناخية، حيث ضرب الجفاف والتصحر مناطق مختلفة من الكوكب، وانتشرت حرائق الغابات وكثرت الفيضانات العارمة بشكل فاق قدرة الولايات المتحدة وألمانيا على الاحتواء، بوصفهما أكثر دول العالم تطورًا في معالجة الكوارث البيئية.
 
ومن المقرر أن يناقش القادة والمسؤولون في هذه القمة العديد من القضايا الفنية كأرصدة الكربون، وسبل تمويل الدول الأكثر تعرضًا لأضرار التغيرات المناخية، بجانب القضايا الاجتماعية والمتعلقة بالحلول العملية اللازمة للتكيف مع تأثيرات المناخ، وخاصة بعدما تبين الارتباط بين التغيرات المناخية وقضايا الصراع في العالم، وقد أوضحها مقال الكاتب محمد حسن في مقاله للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
 
1- تسبب التغيرات المناخية في أزمات الشرق الأوسط: حيث أدت موجة الجفاف التي تعرضت لها مناطق شرق سوريا قبل العام 2011 إلى نزوح حوالي 800 ألف شخص من المناطق الريفية المتضررة إلى المدن الكبرى نتيجة لتدمير الأراضي الزراعية، وقاموا بتأسيس حزام من التجمعات السكنية العشوائية على أطراف مدن حمص ودرعا وحماة وحلب، وهو ما أسهم في اندلاع الصراع في سوريا حين بدأت الحكومة السورية إسناد مهام حفظ الأمن للقوات المسلحة، حيث كانت هذه المناطق أولى نماذج حرب المدن والعصابات في الميدان السوري.
 
2- تمدد التنظيمات الإرهابية: إذ استفاد تنظيم بوكو حرام النيجيري من موجة التصحر والجفاف التي ضربت تشاد، حيث هاجر حوالي 200 ألف مزارع تشادي إلى نيجيريا ما دفع التنظيم الإرهابي إلى إدارة جزء من هذه الموارد البشرية وتجنيد العديد من المزارعين. 
 
أزمة المناخ.. فرصة لقيادة العالم والتعبير عن القوة
 
على قدر تشاركية المصير بين سكان الأرض فيما يخص أزمة المناخ، إلا أن إدارة هذه الأزمة دخلت ضمن مجالات الصراع بين القوى الغربية ونظيرتها الشرقية ولاسيما الصين وروسيا، ما رهن توحيد الجهود العالمية حيال هذه الأزمة إلى مدى التوافق الأمريكي – الصيني تحديدًا تجاه ملف تغير المناخ. 
 
فلا عجب من أن التوافق الأمريكي الصيني، وزيادة مستوي التعاون بين البلدين في العام 2015، قد نتج عنه التوصل إلى اتفاق باريس للمناخ وهو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وجاء عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس في 2015. حسب لوران فابيوس الذي قدم مشروع الاتفاق النهائي في الجلسة العامة، فإن هذا الاتفاق مناسب ودائم ومتوازن وملزم قانونيًا. صُدق على الاتفاق من قبل كل الوفود الـ195 الحاضرة في ديسمبر 2015.
 
وتمحور الهدف الرئيس للاتفاق حول الوصول إلى تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يسمح للنظام البيئي بأن يتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ بما يسمح بحماية الإنسان من خطر يصل إلى النقص في الغذاء والماء، وتهيئة الظروف للتنمية الاقتصادية المستدامة. 
 
سوّقت الولايات المتحدة هذا الاتفاق بأنه ترجمة فعلية للالتزام الأدبي والأخلاقي لواشنطن تجاه قضايا الكوكب، بالإضافة لالتزامها المعلن بدعم الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم. إلا أن تسييس هذه القضايا، واصطدام السياسات الدفاعية لكل من الولايات المتحدة والصين إبان صعود ترامب ووصولًا للحظة بايدن الراهنة، قد عطّل فرصًا حقيقية لتنسيق وتضافر الجهود الدولية لتحسين التزام سائر الحكومات والكيانات الدولية بتعهداتها في اتفاق باريس للمناخ.
 
ففي عام 2009 وافقت الدول الغنية على دفع 100 مليار دولار بشكل سنوي بهدف التكيف مع آثار تغير المناخ بحلول عام 2020، لكن في عام 2019 تخلفت الدول عن الوفاء بتعهداتها وجمعت قرابة 79 مليار دولار. وذكر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الخطط المناخية التي طرأت عليها تحديثات لا تمثل سوى نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم. علاوة على أن العقد الماضي كان الأكثر سخونة على الإطلاق. 
 
ومن هذا الواقع، تتركز سرديات العالم الغربي في:
 
بريطانيا: تضغط لندن من أجل ابرام اتفاق لإنهاء استخدام الفحم بشكل نهائي، لذلك اقترحت وقف استخدام السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول 2040، فضلًا عن دعوتها إلى تخصيص أموال لوضع حد لانحسار مساحات كبيرة من الغابات. 
 
الولايات المتحدة: وفقًا لتعهداتها فإنها تعتزم تخفيض بما بين 26 و28% من انبعاثاتها بحلول عام 2025 مقارنة بما كان في عام 2005، وهو هدف أعلى من المساهمات الأمريكية السابقة. 
 
الصين: تعد أكبر مصدر في العالم للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وتساهم بنحو الربع على مستوى العالم. وهي أكبر مستهلك في العالم للفحم الذي يعد أكثر مصادر الطاقة تلوثًا. وفي المقابل تعد الصين أكبر مستثمر في مصادر الطاقة البديلة. ومع ذلك ووفقًا لاتفاق باريس للمناخ، الصين ليست ملزمة بخفض الانبعاثات حتى عام 2030، ما تسبب في انتقادات أمريكية مستمرة لم تختلف حدتها في الإدارة الأمريكية السابقة والحالية. 
 
اشتباك أمريكي – صيني – روسي
 
ترى الصين أن قضية المناخ لا ينبغي أن تنفرد بوضع حلولها القوى الغربية، وأن تلتزم بكين بالرؤى الأمريكية حيال أزمة المناخ. وتُشكّل المواجهة الأمريكية مع الصين تحديًا كبيرًا لإدارة بايدن التي حددت تغير المناخ بوصفه "تهديدًا وجوديًا" والصين بوصفها "أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين". وتضغط الولايات المتحدة على الصين لوضع التزامات أكثر طموحًا بشأن انبعاثات الكربون وتقديم تفاصيل حول وعد الرئيس الصيني بالتوقف عن تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج.
 
لكن إدارة بايدن سعت إلى إشراك الصين في قضية المناخ كقضية قائمة بذاتها، على الرغم من التوترات الشديدة بين القوتين بشأن مجموعة من القضايا الأخرى، بما في ذلك التكنولوجيا والتجارة وأصل فيروس كورونا وهونج كونج وتايوان وبحر الصين الجنوبي والإيجور.
 
وكذا، اختار بايدن وزير الخارجية السابق جون إف كيري مبعوثًا للمناخ العالمي، وعين الرئيس الصيني شي جينهوا نظيرًا له، وعمل الدبلوماسيان المخضرمان معًا بشكل وثيق في الماضي وتحدثا ما يقرب من عشرين مرة هذا العام. ومع ذلك تعثرت التفاهمات الأمريكية الصينية في قضية المناخ بشكل حال دون التوصل إلى آلية تعاون على نفس درجة التنسيق التي سبقت التوصل إلى اتفاق باريس للمناخ. 
 
فقد حاولت بكين استخدام المناخ كورقة مساومة، حيث اشتكت من أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تطلب التعاون بشأن المناخ بينما تضغط على الصين في قضايا مثل حقوق الإنسان وشينجيانغ وهونج كونج وتايوان.
 
ورفضت الصين وروسيا تعامل مجلس الأمن مع قضية المناخ، في جلسة في سبتمبر الماضي. وخلال هذه الجلسة أجمعت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن على وجوب أن يضع مجلس الأمن الدولي يده على هذا الملف بشكل دائم، وفي مقدّمة هذه الدول الولايات المتحدة، وإيرلندا التي نظّمت الاجتماع، والنروج، إضافة إلى النيجر. لكن الصين وروسيا اللّتين تمتلكان حقّ الفيتو سارعتا إلى إنهاء المساعي الغربية لإسناد هذا الملف إلى مجلس الأمن.
 
وبالنظر إلى هذا الواقع نجد أن هناك توازنًا للمخاطر يجري تقييمه على نحو حاسم عن طريق إعطاء الأولوية للحد من تغير المناخ، عند مقارنته بتهديدات أمنية تقليدية ناجمة عن تنافس الدول. بمعني أن المخاطر الحقيقية الآن التي تواجه العالم الغربي هي ليست احتمالات الغزو الصيني لتايوان أو قيام روسيا بغزو شرق أوكرانيا، وإنما اختفاء الجليد من القطب الشمالي، الأمر الذي يسبب ارتفاعًا في منسوب مياه البحر، ويهدد هذه الدول لدرجة ترقى إلى "تهديد وجودي". وهو ما يجعل النسخة الحالية لقمة المناخ التي تهدف لخفض درجة الحرارة عند 1.5 درجة؛ النسخة الأهم في مسار الجهود العالمية لمواجهة خطر يمس كافة الدول والكيانات والأطراف بنفس الدرجة. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة