الزيادة السكانية.. نار تأكل الخدمات والموارد
الخميس، 14 أكتوبر 2021 03:00 م
لا يستطيع أي اقتصاد في العالم الصمود أمام نار الزيادة السكانية التي تأكل الخدمات والموارد المقدمة للمواطنين.
في مصر تطور عدد السكان عبر مائة عام حيث تجاوز الـ100 مليون نسمة، لتصبح الدولة رقم 14 على مستوى دول العالم من حيث عدد السكان. وتتمثل أبرز تحديات المشكلة السكانية في ثلاثة أبعاد رئيسة متداخلة ومتشابكة على النحو التالى حسبما رصدتها دراسة جديدة لمركز الأهرام للدارسات السياسية والاستراتيجية :
تغير عدد سكان مصر خلال القرن الماضي، من نحو 13 مليونًا فى 1920 إلى نحو 32.7 مليونًا في 1970، ثم إلى 100 مليون في 2020. وخلال القرن الماضي اتجه متوسط الزيادة السنوية إلى الارتفاع عبر الزمن، فقد أضافت مصر إلى سكانها 3.6 ملايين نسمة بين عامي 1920 و1940، ثم 9.3 ملايين نسمة بين عامى 1940 و1960، ثم 16.7 مليون نسمة بين عامى 1960 و1980، ثم 25.5 مليون نسمة بين عامى 1980 و2000، ثم 33.5 مليون نسمة بين عامى 2000 و2020.
ووفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن عدد سكان مصر في سبتمبر 2017 وصل إلى نحو 94.8 مليون نسمة، ثم ارتفع إلى نحو 97.5 مليوناً عام 2018، بينما وصل إلى نحو 98.9 مليون في مطلع 2019. ويبين اتجاه عدد المواليد السنوي خلال الفترة من 2000 إلى 2019 أن الثبات في عدد المواليد -والذي ظل سائدًا عند مستوى 1.8 مليون مولود سنويًّا في السنوات الخمس الأولى -أعقبه اتجاه إلى الزيادة بدءًا من عام 2006 ليصل إلى 2.7 مليون مولود عام 2014، بزيادة نحو 50% في 8 سنوات، وهى زيادة ضخمة مع الوضع في الاعتبار تبعاتها على قطاعات عديدة، منها قطاع التعليم.
ولتوضيح دلالة عدد المواليد في مصر مقارنة بمواليد دول أخرى، يمكن الإشارة إلى أن إجمالي عدد مواليد مصر خلال الفترة (2015-2020) بلغ 12.9 مليون مولود، وهو ما يعادل عدد المواليد خلال الفترة نفسها لكل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد والنرويج وفنلندا مجتمعة. وفي المقابل يصل تقدير إجمالي عدد سكان هذه الدول في عام 2020، إلى نحو 261 مليون نسمة، أي أكثر من مرتين ونصف عدد سكان مصر. ويمكن الوصول إلى النتيجة نفسها إذا ما تمت مقارنة عدد مواليد مصر بعدد مواليد دول نامية أخرى.
وتشير تجارب دول آسيوية عديدة إلى نجاح ملحوظ في ضبط وتيرة النمو السكاني، ومنها فيتنام والتي يصل عدد سكانها إلى 97.3 مليون نسمة، إلا أن عدد مواليدها خلال الفترة من 2015 إلى 2020 يساوي ثُلثي عدد مواليد مصر خلال الفترة نفسها. أما الصين والتي انفردت باتخاذ إجراءات حادة وطبقتها بطريقة صارمة فقد شهدت تحولًا أكثر سرعة؛ ففي خلال الفترة من 1960 إلى 1980 ارتفع عدد سكان الصين بنحو 51%، لتكسر الصين حاجز المليار نسمة في عام 1980 بعد أن كان عدد سكانها في عام 1960 نحو 660 مليون نسمة. ونتيجة لتطبيق سياسة الطفل الواحد انخفضت معدلات الزيادة السكانية في الصين لتصل إلى 29% خلال الفترة من 1980 إلى 2000. وواصلت الصين ضبط معدلات النمو السكاني خلال الفترة (2000- 2020)، حيث زاد عدد سكانها بنحو 11% فقط. وقد أدى هذا الانخفاض السريع في معدلات الإنجاب إلى زيادة متوسط الإنتاجية.
وتتضح إشكالية اختلال التركيب العمري للسكان في ضوء المسح السكاني الصحي لعام 2014، ونتائج التعداد السكاني لعام 2017، حيث شهد الهرم السكاني لمصر تغيرًا فيما بين تعدادي 2006 و2017، إذ اتسعت قاعدة الهرم لتدل على زيادة نسبية في التركيبة العمرية لصالح الشريحة الأصغر عمرًا، ففي حين كانت نسبة السكان أقل من 5 سنوات في تعداد 2006 نحو 10.6%، ارتفعت النسبة إلى 13.6% في 2017. وحدث ذلك أيضًا في الفئة العمرية التالية، بالتوازي مع اتجاه مؤشرات الإنجاب إلى الارتفاع، مما أدى إلى زيادة الإعالة، والتكاليف الاقتصادية، وشكل ضغطاً على سوق العمل، فضلاً عن ما يفرض من زيادة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين الفئات المختلفة.
وترتبط المشكلة السكانية في مصر بالتوزيع غير المتكافئ للسكان على مساحة الدولة، حيث لا تزال محافظة القاهرة تتصدر جميع المحافظات بواقع 10.6% من جملة السكان، تليها محافظة الجيزة والتي ارتفعت نسبة سكانها إلى 9.1% من إجمالي سكان الجمهورية، وكذلك محافظة الشرقية التي ارتفعت نسبة سكانها إلى 7.6%. وتظل محافظات جنوب سيناء والوادي الجديد والبحر الأحمر من أقل المحافظات استيعاباً للسكان على الرغم من الإمكانات المتاحة بها.
ويمكن القول إن اختزال المشكلة السكانية باعتبارها زيادة سكانية فقط يعد اختزالاً في أبعاد المشكلة، إذ يجب النظر إليها بصورة أشمل تتضمن أبعادها الثلاثة، وهى تراجع خصائص السكان (والتي تشمل التعليم، والصحة، والمشاركة في قوة العمل، ومتوسط دخل الفرد)، والتوزيع غير المتكافئ للسكان، ووجود فجوات كبيرة بين مناطق الجمهورية المختلفة في الوجه القبلي وخاصة في الريف، وكذلك بين الذكور والإناث في معظم المؤشرات التنموية، وهكذا، تبدو القضية السكانية معقدة بسبب تشابك ملفاتها، خاصة وأن الوزن السكاني لأي دولة يمثل سلاحاً ذا حدين، فيمكن أن يمثل قيمة مضافة وثروة يجب استغلالها، كما يمكن أن يمثل عبئاً واستنزافاً للموارد، خاصة التي تتسم بالندرة في ظل تزايد الاحتياجات.