التعايش مع الآخر.. الفريضة الواجبة في الجمهورية الجديدة
السبت، 25 سبتمبر 2021 09:00 مأمل غريب
بات من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية بشكل عام، والمصري بشكل خاص، هو كيفية التعامل مع الاختلاف، أو كما يطلق عليه العالم باسم «التعايش مع الآخر»، فوسط ارتفاع نبرة التحريض على العنف وارتكاب الجرائم الإنسانية تحت مبررات دينية أو عرقية، بات من الضروري صناعة التعايش، وإدرة التنوع داخل المجتمع الواحد، أمراً ملحا للغاية، ليس من جانب أصحاب القرار السياسي وحسب، بل لجميع أفراد المجتمع.
استطاعت مصر، منذ أن خلقها الله على الأرض، أن تكون أرض السلام التي يأتي إليها الجميع من كل حدب وصوب، بدأ من مصر القديمة، ولعل من قصة سيدنا يوسف خير مثال، إذ جاء به التجار العابرون، وتركوه على أرضها، عاش فيها ثم تولى فيها أعظم المناسب السياسية والاقتصادية، على الرغم من أنه لم يكن في يوما ما على دين أهلها، حتى أخوته عندما قدموا إليها للغوص بها وشراء حاجاتهم، عاشوا بين أهلها وانخرطوا بينهم، دون أذى أو أي نوع من أنواع الاعتداءات أو الحديث عن اختلاف عقيدة أبيهم عن دين أهل مصر، حتى أن الله عز وجل شرفها وشعبها، بأن تكون هي مهد الديانات السماوية الثلاث، فخرجت من على أرضها الديانة اليهودية، وعاش تحت سمائها السيد المسيح، واحتمت بشعبها السيدة مريم العذراء، وذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم.
ولعل البعض يعتقد أن مبدأ التعايش مع الآخر، هو بدعة جديدة أدخل مصطلحها العالم الغربي، اعتقادا في مبدأ المؤامرة على الشعوب الإسلامية، لكن حتى وإن كان الأمر يبدو للبعض كذلك من أصحاب الأفكار المتطرفة التي لهم مأرب أخرى، ينشرون من خلالها سمومهم ومعتقداتهم الإرهابية، إلا أن لرسول الله محمد صل الله عليه وسلم، أسوة حسنة، فعندما هاجر إلى المدينة المنورة، أول ما فعله بعد بناء المسجد، كان المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ثم وضع صحيفة المعاهدة مع اليهود الذين كانوا يعيشون بالمدينة، حيث دلت تلك الصحيفة على عبقرية رسول الله، لما ضمته بنودها من تحديد علاقات بين الأطراف وبعضها، من خلال مبادئ وقواعد مترابطة وشاملة، وتحقق العدالة المطلقة، والمساواة التامة بين البشر، بل وأن يتمتع كل إنسان على اختلاف لونه ولغته ودينه.
وخلال السنوات الـ 7 الماضية، استطاعت الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وضع مفاهيم جديدة لحقوق الإنسان، تتفق مع ثقافة الشعب المصري على مختلف طوائفة، بما يضمن لهم السلام المجتمعي، كان أولها تشريع القوانين التي تساوي بين جميع أفراد الشعب دون تمييز، ثم إطلاق المبادرات الصحية والاجتماعية لجميع أطياف الشعب، دون تمييز بين غني وفقير، عملا بمبدأ الصحة حق للجميع، ثم أعقبها رفع شعار حياة كريمة وسكن كريم، التي من خلالها استطاعت الدولة القضاء على العشوائيات، وما يترتب عليها من مخاطر، أقلها ضررا خلق جيل من الأطفال والشباب ناقمون على الحياة والدولة، وأخطرها تصنيع نشئ متطرف فكريا ونفسيا ومعنويا، زرعت في عقوله الفكر المتطرف، استغلالً لظروفه البيئية المتردية، مما وضع مفهوما جديدا للعالم في ملف حقوق الإنسان، ثم تلى هذا النجاح، إرثاء مبدأ السلام في التعايش مع الآخر وقبوله، الأمر الذي أتاح للدولة المصرية، إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بمفاهيم مصرية خالصة، تتفق ومع مقومات الشرائح المجتمعية المصرية، على أرضية وطنية خالصة، كما يمكنها أن تكون قدوة ومثالا يحتذى به في كل البلدان العربية، لم يعد التعايش مع الآخر، هو نوع من الرفاهية داخل المجتمع الواحد، بل بات من أهم مقومات نجاح المجتمعات الإنسانية والجواد الرابح في دفع عجلة التنمية واستمراريتها بشكل سليم، قائم على مبدأ الحق في حرية الاعتقاد، وعدم المساس بالآخر وتقبله من أجل الحياة في سلام، إذ أن مفهوم التعايش وتقبل الآخر، بات هو البديل عن الإقصاء وما يترتب عليه من فوضى وعنف، وعنف مضاد، وحروب عرقية ودينية لا يدفع ثمنها إلا أجيالا كاملة كانت تطمح إلى العيش في سلام.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الاحتفالية الكبرى التي أقامها بمناسبة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أن مفهوم التعايش مع الآخر، لا يعني إلغاء العقائد الأساسية للبشر، أو حتى المرجعيات الفكرية المختلفة بينهم، وكذلك أيضا لا يعني إلغاء أو إكراه لعقائد الآخرين أو الحظر عليهم، طالما الممارسات التي يعبرون فيها عن عقائدهم المختلفة ذات تعبير سلمي، مشيرا إلى أن كل النصوص المقدسة لا تختلف فيما بينها بشأن الإقرار والتسليم بأن القيم الإنسانية، مثل العدالة والكرامة الإنسانية والعدالةً، هي مبادئ وضعت للتعاون والاشتراك في تحقيقها، مع بقاء الاختلاف الفكري والعقائدي، والذي هو سُنة من سنن الحياة وحقائقها، شرعها الله في رسالاته السماوية، مؤكدا على أنه في الوقت ذاته لا بد من الاتفاق، بأن التعايش بين أصحاب العقائد والمرجعيات والفلسفات المختلفة، لا يقتضي بأن يكون ذلك على حساب التنازل في المعتقد الذي يمثل مرجعية الفرد لكل واحد منهم، لكنه يضمن وجود لمساحة كافية ومشتركة لتفعيل مبدأ التعايش، من خلال الاعتراف المتبادل لكل طرف بحق الآخر في حريته الفكرية والعقائدية، أولا، ثم في ممارسة التعبيرات السلمية التي تعكس تلك التوجهات الفكرية، ثانيا.
مبدأ التعايش مع الآخر، لم يعد ترف فكري، إنما بات ضرورة ملحة لحماية مستقبل الشعب المجتمع المصري، من مخاطر الدعوات إلى العنف والكراهية والإقصاء، على أساس سواء دينية أو مذهبية أو عرقية أو قبلية، مما يتلزم معه استنهاض لقدرات كافة أنماط المجتمع وتوحيد جهودهم، من أجل تعزيز مسار التعايش مع الآخر، كقيمة إنسانية ضرورية تعزز الحوار وترسخ للتعاون وتكفل حماية التنوع، وذلك من خلال العمل على غرس قيمة التعايش والتأكيد عليها داخل المناهج التعليمية، وأيضا وسائل الإعلام، وأماكن العبادة.
ويبدأ ترسيخ مبدأ التعايش مع الآخر، بين مكونات المجتمع ابتداءً من مرحلة الطفولة، خاصة أن القضية تتطلب مجهودا وتخطيطا في غاية الدقة، علاوة على ضرورة التنفيذ بإخلاص من جانب جميع الأطراف المعنية بشأنها، إذ أنها ليست مقتصرة فقط على الجانب الحكومي والجهات التعليمية، وأيضا كافة المنظمات والمؤسسات والمنظمات المدنية، المهتمة بنشر قيم السلام والمحبة والتسامح بين جميع أفراد المجتمع المصري، خاصة مع التسهيلات والامتيازات التي أعطاها الرئيس السيسي، لجميع منظمات حقوق الإنسان المصرية الوطنية، وما يبديه من تدعيم حيال هذا الاتجاه، للجهات الناشطة والفاعلة في هذا المجال، بالإضافة إلى ما وجه به الرئيس بتقديم أنواع متعددة وأشكال مختلفة من الدعم الحكومي، لاسيما المادي منها، كضرورة ملحة لعقد الندوات وإطلاق النشاطات والفاعليات المختلفة، وإقامة الدورات التدريبية المتنوعة، وأخيرا إنتاج الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية والمسرحية والغنائية، وصناعة إعلام هادف وقوي ومميز، يستطيع إظهار وتوضيح وشرح فعلي لقيمة وعرض الأعمال الفنية في قاعات عرض جيدة ومناسبة، وإقامة دورات التدريب التعايش مع الآخر، يتم توجيهه بشكل غير مباشر بين الأطفال أولا، ثم نحو جميع فئات المجتمع وفي مقدمتهم الأسرة والشباب والآباء والأجداد كذلك، لضمان انتشار هذه القيمة الإنسانية الملحة، من أجل أن يصل المجتمع في غضون سنوات قليلة، بيئة اجتماعية يسودها التفاهم والسلام والود والمحبة، وتلفظ العنف والكراهية والإقصاء والإرهاب، ويصبح في نهاية المطاف، تقبل الآخر، هو منهج سلوكي يومي نابع من جميع أطياف المجتمع المصري، ينتج عنه تحضر مدني، يعيد لمصر، رونقها الحضاري وريادتها بين أقرانها.