تبنت الدولة المصرية مفهومًا شاملًا للتنمية يرتكز على أن المواطن هو محور أى خطط تنموية، وهذه الخطط تهدف فى النهاية إلى الارتقاء بجودة حياته فى شتى مناحيها وتعزيز مفهوم جودة الحياة الشاملة عبر الارتقاء بالقطاعات الحيوية التى تمس حياة المواطنين، وتعزيز هذه القطاعات وتطوير مخرجاتها على أسس مستقبلية، بما ينعكس إيجابًا على الفرد والمجتمع، فى مجالات الصحة والعلاقات الاجتماعية والتعليم، والجوانب المرتبطة بطريقة الحياة، وكفاءة الخدمات الحكومية، وغيرها من المجالات.
وكشفت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات أنه قد بات واضحًا منذ إعلان الرئيس السيسى ميلاد “الجمهورية الجديدة”، أن السمة الأساسية لهذه الجمهورية الجديدة هى “بناء الإنسان” وهو ما ظهر جليا منذ عام 2014، وما تحقق من انجازات وتطوير يشمل كافة نواحى الحياة فى مصر وليس تغييرا فى البنيان والانشاءات.
وتتضمن الجمهورية الجديدة التى وضعت أسسها فى عام 2014، استثمارات ضخمة فى مجالات التعليم والصحة والرياضة وكل ما يتعلق بحياة المواطن، وبناء مدن جديدة وذكية تجاوز عددها الـ12، ومشروعات عملاقة فى الكهرباء والطاقة المتجددة أدت إلى التحول من عجز وانقطاع مستمر فى الكهرباء لتحقيق فائض يقارب 25 ألف ميجاوات من الكهرباء، ومحاولات لتصديرها إلى دول الجوار، فضلا عن الاكتشافات الهائلة فى مجال الغاز الطبيعى التى حققت الاكتفاء الذاتى لمصر، بالإضافة إلى عمليات تطوير نوعية وصلت لكل بقعة فى القطر المصرى بكل مدنه وقراه وريفه وحضره.
حياة كريمة
بدأ عام 2019 بمبادرة تهدف إلى توفير سبل الحياة الكريمة للفئات الأكثر احتياجا فى القرى والمراكز الفقيرة فى الريف وكذلك المناطق العشوائية بالمدن، تستهدف تلك المبادرة توفير السكن الكريم، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة يوميا للمواطنين من المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، ورفع المعاناة عن الأسر الفقيرة الأكثر احتياجا بتوفير الدعم المالى، أو المساعدة فى زواج اليتيمات، وتوفير فرص عمل فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم الرعاية الصحية والعمليات الجراحية العاجلة، وغيرها.
دعت الدولة من خلال هذه المبادرة إلى تضافر جميع الجهود من أجهزة الدولة وجمعيات ومؤسسات العمل الأهلى، ورجال الأعمال وغيرهم، لتنفيذ هذه المبادرة والوقوف على الاحتياجات الأساسية لأهل تلك القرى، حتى رصدت الدولة 103 مليار جنيه لتنفيذ المبادرة فى 11 محافظة، وبدأت بالمرحلة الأولى التى شملت 377 قرية تتعدى نسبة الفقر بهم 70%، وبالتنسيق مع 16 جمعية أهلية بدأت مبادرة ” حياة كريمة” عملها فى تلك القرى.
وجاء عام 2020 ليتم إعلان “حياة كريمة” كمؤسسة أهلية غير هادفة للربح، مهمتها تنفيذ أهداف مبادرة حياة كريمة التى أعلنها السيد الرئيس فى 2019، وتضافرت كافة جهود الدولة، وتعاونت ما يقرب من 23 مؤسسة مجتمع مدنى فى العمل على تنفيذ أهداف المبادرة
فى مطلع العام 2021 وسع الرئيس السيسى نطاق مشروع حياة كريمة ليشمل جميع القرى والمراكز الريفية، “فظهر المشروع القومى لتطوير الريف المصري” والذى بلغت الموارد المالية المخصصة لتنفيذه حتى الان ما يزيد عن 700 مليار جنيه.
جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بتنفيذ مشروع “تطوير قرى الريف المصري” والذى يهدف إلى تغيير متكامل وشامل كافة التفاصيل لجميع قرى الريف المصرى والذى تم حصرها ب”4741 قرية” وتوابعها “30888” (عزبة، كفر ونجع)، من أجل إحداث تغيير جذرى فى حياة ما يقرب من 58 مليون مواطن، فى 26 محافظة، وبالتناغم بين كافة الأجهزة الحكومية المعنية بدأت المرحلة الأولى لتطوير 1500 قرية وتوابعها فى حوالى 52 مركز، ليشمل التطوير كافة جوانب البنية الأساسية والخدمات، والنواحى المعيشية والاجتماعية والصحية.
ويتم تنفيذ هذا المشروع على ثلاث مراحل، الأولى تشمل القرى ذات نسب الفقر من 70% فيما أكثر، والثانية تشمل القرى ذات نسب الفقر من 50% إلى 70%، والثالثة تضم القرى ذات نسب الفقر أقل من 50%، ويتم تحديد القرى الأكثر احتياجا وفقًا لمعايير: ضعف الخدمات الأساسية والمرافق مثل ( شبكات الصرف الصحى وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، وتوافر المدارس، والاحتياج إلى خدمات صحية مكثفة لسد احتياجات الرعاية الصحية، وحالة شبكات الطرق) الافتقار إلى معايير جودة الحياة مثل ( انخفاض نسب التعليم وازياد معدلات الأمية- ارتفاع كثافة الفصول الدراسية – وارتفاع نسبة فقر الأسر القاطنة فى تلك القرى)، وغيرها مما تنذر بفجوة كبيرة بين السكان من قاطنى الريف وقاطنى المدن .
يعد الهدف الرئيسى لإطلاق هذا المشروع العملاق وتسخير كافة جهود الدولة للإسراع فى تنفيذه هو إعادة بناء الانسان المصرى، وتوفير سبل الحياة الكريمة له، ليصبح هو القوة البشرية الحقيقية فى المجتمع والمساهم الأقوى فى بناء الاقتصاد والحفاظ على الأمن القومى.
تنمية الإنسان وأهداف التنمية المستدامة
أطلقت الأمم المتحدة عام 2015 الأهداف العامة للتنمية المستدامة وعددها سبعة عشر هدفا، تسعى جميعها لتنمية الإنسان، فجاءت الأهداف السبعة عشر متكاملة، أى أنها تدرك أن العمل فى مجال ما سيؤثر على النتائج فى مجالات أخرى، وأن التنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية فحددت أول أهدافها القضاء على الفقر، ثم القضاء على الجوع، ثم التمتع بصحة جيدة، وحق الانسان فى التعليم، والمساواة بين الجنسين فى الحقوق والواجبات أيضا، وظهرت المجموعة الأخرى من الأهداف لتؤمن الحياة الكريمة للإنسان من توفير بيئة معيشة مناسبة تبدأ بتوافر مصدر للمياه النظيفة والصرف الصحى، توافر مصادر الطاقة والكهرباء وبأسعار معقولة، توافر مدن ومجتمعات عمرانية، تأمين فرصة عمل مناسبة، إلى أن تأتى الأهداف الخاصة بالحياة البيئية والمناخية على الكوكب الذى يضم البشر معا ليحيوا جميعا فى سلام واستقرار وبيئة متوازنةـ ويسعى العالم لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030.
أقرت مصر بمشروعية هذه الأهداف العالمية ووافقت عليها بل وطورت استراتيجيتها الخاصة للتنمية المستدامة 2030، وتركز رؤية مصر 2030 على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته فى مختلف نواحى الحياة، وذلك من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، ومشاركة المواطنين فى الحياة السياسية والاجتماعية، فضلا عن تحقيق نمو اقتصادى مرتفع ومستدام يضمن حياة كريمة للمواطنين، وتعزيز الاستثمار فى البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والابتكار والبحث العلمى فى كافة المجالات. واهتمت الرؤية أيضا بمشاركة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى فى التنمية، وأعطت أولوية للقضايا التى تتعلق بمواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة.
ووفقا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر، هناك نقص واضح فى بعض قطاعات التنمية المقدمة لقرى ومراكز الريف المصرى حيث يعتبر 75% من القرى غير متكاملة الخدمات والمرافق مثل شبكات المياه النظيفة والصرف الصحى والغاز الطبيعى والكهرباء والمدارس والمستشفيات والمكاتب الخدمية والترفيهية وغيرها، فضلا عن تهالك الموجود وعدم أدائه لمهامه بكفاءة مما يؤثر سلبا على حياة المواطنين، فجاء مشروع حياة كريمة ليغير مسار الريف المصرى إلى الحداثة والتطوير ويعيد ثقافة القرية الحضارية ويحسن من قدراتها.
وتشكل تنمية المجتمع هى الهدف الأساسى لمبادرة حياة كريمة التى تجمع الوزارات والهيئات الحكومية مع منظمات المجتمع المدنى. وتمثل هذه التنمية فى جوهرها معالجة للعديد من المشكلات الاجتماعية المحلية، وتحريرًا للمواطنين من العوز والاحتياج، ومن ثم تحقيق سلامة المجتمع وأمن المواطنين، وسد الفجوة بين الاحتياجات المجتمعية المحلية والاستراتيجيات الحكومية العامة؛ إذ إن اختراق الدولة لهذه المشكلات الاجتماعية المتراكمة منذ عقود ومعالجتها يعمل على إعادة العلاقة بين المجتمعات النائية أو المهمشة والدولة إلى مسارها الصحيح فى الاعتمادية على الدولة فى توفير الخدمات الأساسية بالمشاركة مع منظمات المجتمع المدنى، واستجابة الدولة لمواطنيها، بدلًا من اللجوء إلى تيارات ذات أهداف أخرى والاعتماد عليها فى توفير هذه الخدمات والاحتياجات مثلما كان يحدث فى السابق، وهو ما ينعكس على التماسك الاجتماعى واللُحمة الوطنية؛ فكلما زادت استجابة الدولة لمواطنيها زاد تماسك المجتمع وارتفع منسوب ثقته فى دولته وانتمائه لها.
ولذا فإن تنمية القرى المصرية الأكثر احتياجًا بهذا المفهوم الشامل والارتقاء بجودة حياة المواطنين فيها وخفض مستويات الفقر تعزز من صلابة التماسك الاجتماعى والذى يؤدى ضعفه إلى العديد من الانعكاسات الأمنية السلبية؛ فالشعور بالعوز والاحتياج أحد أهم مسببات انعدام الأمن واللجوء إلى الجرائم الجنائية والإرهابية انطلاقًا من الشعور بالاضطهاد والتهميش، وعدم القدرة على استيفاء الاحتياجات الأساسية؛ إذ يمثل هذان العاملان أرضية خصبة للتجنيد الإرهابى ونشاط مجموعات الجريمة.
ويعد استهداف المبادرة للقرى من حيث البنى التحتية والخدمات الأساسية بجانب المواطنين من حيث التنمية البشرية والاقتصادية عاملًا مهمًا من عوامل نجاح مبادرة حياة كريمة؛ إذ إن تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية لمواطنى هذه القرى يسهم فى استدامة التنمية المجتمعية، وخلق فرص عمل من خلال تقديم الدعم الاقتصادى للمواطنين لتأسيس مشروعات صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر، وخلق بيئة أعمال إنتاجية قادرة على استيعاب الشباب ونشاط اقتصادى مستدام يضمن استدامة التنمية المجتمعية حاضرًا ومستقبلًا، والحد من ظواهر مجتمعية سلبية مثل عمالة الأطفال والتسرب من التعليم.
الارتقاء بصحة المواطنين
كان الملف الصحى ضمن أهم أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه الرئاسة عام 2014؛ بعد أن عانى هذا القطاع تدهورا وإهمالا طيلة عقود أثر بشكل مباشر على مستوى الخدمات الصحية التى يتلقاها المواطنون، وأدى إلى انهيار الكثير من المؤسسات والمنشآت الصحية وعجزها عن تقديم خدمة صحية، مناسبة ومن ثم أصبح الكثير من المواطنين يعانون من تراجع الخدمات الصحية.
وضمن خطة الرئيس للتنمية والإصلاح لم يكن لهذا الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى أن يتم بمعزل عن العنصر الأهم فى هذه المنظومة وهو المواطن المصرى، إذ إن الاستثمار فى البشر يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع الاستثمار فى البنى التحتية والمشروعات الاقتصادية. ومن ثم كانت جهود القيادة السياسية فعّالة فى توفير الرعاية الصحية وإيصالها للمواطنين، وخاصة للبسطاء وغير القادرين، واختراق الكثير من الملفات التى كانت مهملة طيلة عقود وأدت إلى تردى الوضع الصحى العام.
ولمّا كانت البيروقراطية الإدارية أحد أهم عوامل عرقلة أى نمو، ولا سيّما على المستوى الصحى، عمدت القيادة السياسية إلى إحداث اختراق فى هذا الأمر عن طريق إطلاق المبادرات الرئاسية التى تتغلب على كل هذه العراقيل الإدارية والمالية بهدف إيصال الخدمات الصحية للمواطنين كافة، ولا سيّما البسطاء ومحدودى الدخل، مثل حملة 100 مليون صحة وحملة القضاء على فيروس سى والكشف عن الأمراض غير السارية ومبادرة صحة المرأة المصرية، ومبادرة إنهاء قوائم انتظار الجراحات الحرجة والعاجلة.
ذلك فضلًا عن زيادة مخصصات موازنة الصحة بنسبة 100%، وتطوير المستشفيات والمنشآت الطبية، فقد ارتفع عدد المستشفيات الجامعية إلى 105 مستشفى جامعى كما تم تطوير وإنشاء 376 مستشفى عاما نذكر منها، مستشفى أسوان على مساحة 18 ألف و244 مترا مربعا ومستشفى النخل بشمال سيناء مستشفى “بئر العبد” المركزى صرحا طبيا هائلا تفتح أبوابها طوال اليوم لخدمة أهالى شمال سيناء بتكلفة 86 مليون جنيه. كما نجحت الدولة فى افتتاح 158 مركز لعلاج فيروس سى بجميع المحافظات وتطوير 1067 وحدة صحية بمحافظات الصعيد وارتفاع عدد الوحدات الصحية عمومًا من 1679 إلى 5000 وحدة. بالإضافة إلى منظومة التأمين الصحى الشامل التى يجرى تطبيقها فى المحافظات تباعًا.