الولايات المتحدة تقدم أفغانستان هدية لـ"طالبان"

السبت، 21 أغسطس 2021 06:30 م
الولايات المتحدة تقدم أفغانستان هدية لـ"طالبان"
محمود علي

 
واشنطن تضع سيناريو تجميل وجه طالبان للهروب من الفخ الأفغانى.. وتقارير دولية تحذر من بؤرة إرهابية قوية بوسط أسيا
 
"أفغانستان تحت حكم طالبان".. قبل مساء السبت الماضى، كان هذا العنوان من دروب الخيال، فلم يكن أكثر المتشائمين يتوقع هذا السقوط السريع لدولة كانت تحت حراسة القوات الأمريكية، لكن فجأة خلت العاصمة الأفغانية كابول من الجيش والقوات الشرطية، ووصل عناصر كابول إلى مقر رئاسة الجمهورية، بعدما فر الرئيس أشرف غنى، وعدد كبير من قياداته.
ماذا حدث؟.. وما هي تأثيراته إقليميا ودولياً؟.. أسئلة كثيرة لا تزال تبحث عن إجابة، خاصة أن الغموض هو المسيطر على الوضع في أفغانستان، كما أن الموقف الدولى تجاه ما حدث لم يتشكل بعد.
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، علينا بداية أن نضع ما حدث في أفغانستان في السياق التاريخى والجغرافى للمجتمع الأفغانى، الذى تعرض لهزات متتالية بداية من الاحتلال السوفيتتى في السبعينات، وتكوين شبكة من المجاهدين الإسلامين تحت رعاية المخابرات الأمريكية لإخراج السوفييت، ثم تحول إلى بؤرة إسلامية، نشطت وتحولت في نهاية التسعينات إلى السيطرة شبه الكاملة على أفغانستان تحت حكم طالبان، التي تحالفت مع تنظيم القاعدة تحت قيادة أسامه بن لادن، ووصولاً إلى الشكل الحالي الذى عليه أفغانستان اليوم.
فهذا السياق له مجموعة من الدلالات التي لا يجب أن تغيب عن عين المتابع، أولهم أن جغرافيا أفغانستان، وكذلك تاريخها سواء القديم أو الحديث يؤكد أن هذا المجتمع يأخذ الطابع المتدين، والذى وصل في درجات منه إلى التشدد، ولا يقتصر هذا الأمر على طالبان وحدها، وإنما يمتد لأكبر عدد من القبائل الأفغانية التي يحكمها الفكر القبلى.
الدلالة الثانية مرتبطة بالعنصر الأمريكي الفاعل في الداخل الأفغانى، فمنذ الاستعانة بشبكة المجاهدين من دول عربية وإسلامية في السبعينات والثمانينات، ووضح أن هناك توجه أمريكى لتحويل أفغانستان إلى وعاء أيدلوجى متطرف تستطيع أن تلجأ إليه في الوقت الذى تحتاج إليه، لكنها في مرحلة ما فقدت السيطرة على هذا الوعاء، فلم تجد طريقاً للمعالجة سوى المواجهة المسلحة، التي زادت من تشرزم المجتمع الأفغانى وتقوية المكون القبائلى والإسلامى.
واليوم، تعيد الولايات المتحدة نفس السيناريو القديم، من خلال إعادة انتاج الوعاء الإسلامي في أفغانستان لكن هذه المرة وفق النموذج الطالبانى الذى حاربته واشنطن في 2001، لكنها اليوم تسلم له أفغانستان بسهولة ويسر، وهو ما دفع عدد من الخبراء للقول بأن ما حدث هذا الأسبوع هو إعادة إنتاج لفكرة أمريكية بخلق بؤرة تأثير أيدولوجى في وسط أسيا تكون داعمة لها انتظاراً لانفجار صراع وشيك بين الشرق والغرب، مدللين على ذلك بالتحركات الأمريكية الأخيرة التي كانت في مجملها مريبة، كونها بسطت مائدة الحوار أمام قادة طالبان، وما سبقه من أضعاف لسلطة الرئيس السابق حميد قرضاي، ثم تقويض صلاحيات أشرف غنى، ثم القرار المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان دون توفير البدائل أو شبكة أمان لحماية الدولة الأفغانية، وكأن واشنطن توصلت إلى أتفاق مع طالبان بتسليم الحركة الدولة بالكامل، وفق توافقات ستظهر نتائجها مستقبلاً.
وما يدلل على ذلك أيضاً أن واشنطن لم تظهر بشكل المرتبك، بل تتعامل مع الموقف وكأنها كانت علم ودراية تامة بما سيحدث، حتى وإن كانت بعض وسائل الإعلام الأمريكية حاولت إظهار البيت الأبيض في صورة المتفاجئ بما حدث، مثلما فعلت وكالة أسوشيتدبرس حينما بثت تقرير مساء الأحد الماضى قالت فيه إن الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار المسئولين فى إدارته شعروا بالذهول من سرعة وتيرة استيلاء طالبان على أفغانستان، وأن سرعة انهيار الحكومة الأفغانية والفوضى التي أعقبت ذلك تمثل أخطر اختبار لبايدن كقائد أعلى، حيث ظل بايدن فى المنتجع الرئاسي كامب ديفيد الذى كان يقضى به عطلة نهاية الأسبوع، وتلقى إحاطات منتظمة حول التطورات المتسارع فى أفغانستان، وأجرى مكالمات عبر الفيديو مع أعضاء فريقه للأمن القومى.
كما أن طالبان كانت تدرك أن ساعة الصفر قادمة، وحددت مسارها بالتوقيتات المناسبة لها، وإن لم تحسم حتى الآن الموقف من الحكومة أو شكل الحكم المستقبلي، لإنه من الواضح أن هذا الملف لم يتم حسمه بالكامل بين واشنطن وطالبان، بهدف استخدامه فى التفاوض مع العواصم الأخرى، خاصة تلك التي رفضت إعلان موقفها النهائي مما حدث، وأكبر شاهد على ذلك حديث قائد بالحركة لوكالة رويترز بإنه من السابق لأوانه التحدث عن كيفية تولي الحركة الحكم في أفغانستان، مطالباً بمغادرة كل القوات الأجنبية قبل أن يبدأوا في إعادة هيكلة نظام الحكم، مؤكداً في الوقت نفسه أنه صدرت تعليمات لمقاتلي الحركة في العاصمة كابول بعدم ترهيب المدنيين والسماح لهم باستئناف أنشطتهم العادية، كما قال المتحدث باسم حركة طالبان، سهيل شاهين، إن الحركة تجري محادثات بهدف تشكيل حكومة شاملة ومنفتحة في أفغانستان.
والأهم من كل ذلك الظهور الإعلامى المتكرر والمرتب أيضاً لقيادات طالبان والمتحدثين باسمها في كافة وسائل الإعلام الغربية والدولية، في محاولة لتجميل وجه الجماعة، من خلال إطلاق تصريحات تتحدث عن حرية المرأة في العمل، وحرية الطوائف الدينية الأخرى في ممارسة شعائرهم ومقدساتهم، وغيرها من الأمور التي كانت سببا في توجيه سهام النقد المتكرر للجماعة، حينما تولت حكم أفغانستان في التسعينات، وهو ما يراه مراقبين إلى أنها مراجعة قامت بها الحركة بمساعدة أمريكية، لكى يسمح لها بحكم أفغانستان مرة أخرى، وفى نفس الوقت توفير الكثير من المال على الإدارة الأمريكية التي تكبدت أكثر من 3 تريليون دولار طيلة العشرين عاماً الماضية في أفغانستان دون أن يحدث جديد، بالإضافة إلى الاف القتلى من الجنود الأمريكيين، وهو ما حول أفغانستان إلى فاعل رئيسى في الداخل الأمريكي، خاصة في مواسم الانتخابات.
ومن الواضح أن الموقف الطالبانى الأخير والذى تحاول من خلاله الحركة تجميل وجهها، قد جاء رداً على التردد الدولى تجاه ما يحدث، فعلى سبيل المثال قالت روسيا أنها لن تسارع فى الاعتراف بطالبان، بحسب ما قال المبعوث الخاص للرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى أفغانستان، مشيرا إلى أن الموقف يعتمد على سلوك طالبان، كما أن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، الحليف القوى لواشنطن، دعا حلفاء المملكة المتحدة فى الغرب إلى "العمل معًا" للتأكد من أن أفغانستان لن تصبح أرضًا خصبة للإرهاب كما كانت فى السابق، وقال "أعتقد أنه من المهم للغاية أن يعمل الغرب بشكل جماعى للوصول إلى تلك الحكومة الجديدة، سواء كانت من قبل طالبان أو أى شخص آخر، وأن لا أحد يريد أفغانستان مرة أخرى لتكون أرضًا خصبة للإرهاب"، وأضاف: "لا نعتقد أنه من مصلحة الشعب الأفغانى أن يعود الأمر إلى هذا الحد".
واكمل جونسون: "لا نريد أن يعترف أى شخص على المستوى الثنائى بطالبان، نريد موقفًا موحدًا بين كل من لهم نفس التفكير، بقدر ما يمكننا الحصول عليه"، مضيفًا أنه يرى أن سيطرة طالبان على أفغانستان كانت متوقعة.
فمن يتابع القادم من كابول سيجد الكثير من الرسائل التي تحمل عناوين مختلفة، منها الموجه لأوربا ومنها الموجه لدول أخرى، لكن كل ذلك بخاتم أمريكى، خاصة إذا أضفنا إلى ما حدث مؤخراً تقارير المخابرات الأمريكية التي مهدت لما حدث، لكن من خلال تقارير بدت للبعض بإنها متضاربة، لكنها في حقيقة الأمر كانت للتمهيد ليس الا، منها القول قبل أسبوعين بإن العاصمة كابول من المرجح أن تسقط ‏في يد طالبان خلال 60 يوما، وفي نفس الوقت صدر تقرير آخر عن أحد الوكالات ‏الاستخباراتية ليحدد تلك المدة بـ90 يوما مع الحصار، ثم صدر تقرير آخر بعده ‏بيومين يحذر من أن كابول قد تكون معزولة من قبل طالبان خلال 3 أيام، والذي ترتب عليه ‏إصدار أوامر باخلاء السفارة الامريكية في العاصمة واتلاف الملفات ذات الاهمية بها، لتسقط العاصمة بالفعل بعد تلك التعليمات بأقل من 48 ساعة.
ولكى نكون على دراية تامة بحجم الصفقة الأمريكية الطالبانية، يجب أن نعلم بأنه على مدى قرابة 20 عاما، وصل عدد قتلى الجيش الأمريكي في أفغانستان 2448 جنديا، حتى أبريل 2021، كما قُتل خلال ذات الفترة نحو 3846 من المتعاقدين الأمريكيين، وقدرت خسائر الجيش الأفغاني والشرطة بنحو 66 ألف قتيل، وبلغت الخسائر البشرية من عناصر الدول الحليفة وحلف الناتو 1144 قتيلا، كما تسببت الحرب بمقتل أكثر من 47 ألف مدني أفغاني ، و51191 قتيلا من المسلحين، كما شهدت الحرب مقتل 444 فردا من عمال الإغاثة، و72 من الصحفيين، ومن أصل 775 ألف جندي أمريكي أصيب نحو 20 ألف منهم، كما أنفقت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 140 مليار دولار على شكل مساعدات لأفغانستان منذ عام 2002 حسب الكونجرس، وقدر "البنتاجون" كلفة العمليات القتالية الأمريكية بما في ذلك دعم القوات الأفغانية بما يزيد عن 820 مليار دولار في المدة الزمنية نفسها، ورغم ذلك لا تزال أفغانستان واحدة من أشد دول العالم فقرا، حيث تحتل المرتبة 169 بين 189 دولة على مؤشر التنمية البشرية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمتوسط عمر متوقع 64 عاما ونصيب للفرد من الدخل القومي 2200 دولار سنويا.
كل هذه الأرقام تؤكد للجميع أن ما حدث لم يكن بعيداً عن التوافق الأمريكي الطالبانى، توافق أنتهى إلى هذا المشهد الذى نراه حالياً وأحدث ارتباكاً دولياً خاصة في دول الجوار الأفغانى، التي تنتظر المزيد من تدفقات اللاجئين الأفغان الهاربين من طالبان.
ويضاف إلى ذلك وجود تقديرات دولية باحتمالات بعودة الإرهاب فى موجة جديدة ولجوء العناصر الهاربة من داعش إلى أفغانستان، والقول بإن استيلاء طالبان على الحكم سيخلق موجه عاتية من الإرهاب الذى ولد فى الثمانينات من رحم حرب الجاهدين والسوفييت واليوم ستعاد نفس الكاره مرة أخرى بحيث سنشهد ولادة موجه جديدة من الإرهابيين بسبب انسحاب إدارة بايدن سريعا من أفغانستان سيخلق فراغ يملاه الإرهاب وستكون أفغانستان كعبة المتطرفين فى العالم مثل انسحاب إدارة أوباما من العراق أدى إلى لولادة داغش وهذا تكرار لنفس السيناريو.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق