ألا حجوا في بلادكم.. أعمال صالحة تعادل ثواب العمرة والحج
السبت، 19 يونيو 2021 09:00 ممحمد الشرقاوي
تسبب قرار وزارة الحج والعمرة في السعودية، بشأن اقتصار حج هذا العام على المواطنين والمقيمين داخل المملكة بإجمالي 60 ألف حاج، في موجة حزن كبيرة بين المسلمين في بقاع الأرض، خاصة من كان يتطلع لزيارة بيت الله الحرام لأول مرة.
وجاء القرار، في ظل استمرار تطورات فيروس كورونا القاتل وظهور تحورات جديدة له في العالم، من شأنها تهديد موسم الحج هذا العام حال إتمامه، وتفشي الفيروس بين الحجيج والمواطنين بالمملكة.
ورغم تحديد العدد، اشترطت وزارة الحج السعودية أن تكون الحالة الصحية للراغبين في أداء مناسك الحج خالية من الأمراض المزمنة، وأن تكون ضمن الفئات العمرية من (18 إلى 65 عاماً) للحاصلين على اللقاح، وفق الضوابط والآليات المتبعة في المملكة لفئات التحصين.
واختتمت بيانها الصادر بتاريخ 12 يونيو: "تؤكد وزارة الحج والعمرة أن حكومة المملكة العربية السعودية تولي دوما سلامة الحجاج وصحتهم وأمنهم حرصا بالغا وعناية تامة، وتضع ذلك في مقدمة أولوياتها، امتثالا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية، مع تقديمها كل التسهيلات اللازمة التي تيسر لضيوف الرحمن أداء مناسك الحج والعمرة، وتمكنهم من الوصول إلى المشاعر المقدّسة بكل يسر وسهولة، إذ تشرفت المملكة خلال السنوات العشر الماضية فقط بخدمة ما يزيد على 150 مليون حاج".
وقع القرار ليس سهلاً، بل وصل حد البكاء لمن تعلقت قلوبهم ببلد الله الحرام، لكن هناك عدة أمور وأفعال شرعية تخفف من وطء الصدمة، وتعزز الثواب والأجر، حال التزم بها المسلمون، وتماثل في أجرها "ألحج والعمرة".
وللعلم اشترط الله عزوجل وقضاء فريضة الحج، بالاستطاعة، وهو أمر لم يتحقق، في ظل الوضع الوبائي القائم، وهناك مجموعة من الأعمال الصالحة، والأحاديث التي رويت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأعمال فيها أجور من حج أو اعتمر، منها بر الوالدين وصلة الأرحام والذكر والدعاء وفعل الطاعات.
منها ما روي عن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ النَّبِيِ «مَنْ مَشَى إلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَهِيَ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إلَى صَلاةِ تَطَوُّعٍ فَهِيَ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ» وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن قَضَى لأخِيهِ المسلمِ حاجةً، كان له من الأجرِ كمَن حَجَّ واعْتَمَرَ». (أتَى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال: إنِّي أشتَهي الجهادَ ولا أقْدِرُ عليهِ؟ قال: هل بقيَ مِن والدَيكَ أحدٌ؟ قال: أُمِّي قال: فأبْلِ اللهَ فى بِرِّها، فإذا فعلتَ ذلكَ؛ فأنتَ حاجٌّ، ومُعتَمرٌ، ومُجاهدٌ، فإذا رَضِيَتْ عنكَ أُمُّكَ فاتَقِ اللهَ وبِرَّها.
فمن رحمة الله تعالى بعباده، أن جعل قربات متنوعة لها مزيد من الأجر والثواب، فهناك عبادات بدنية كالصلاة والصيام، وهناك عبادات مالية كالزكاة، لكن يمتاز الحج بأنه يجمع بين العبادات البدنية والمالية، وجعل الله تعالى الكثير من القربات والطاعات مثل: الجهاد المشروع في سبيل الله، وإغاثة ذوي الحاجات وقضاء مصالح الناس، فقال تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس).
ويرى علماء بالأزهر الشريف، أنه من حالت ظروفه المالية أو الصحية دون أداء فريضة الحج فعليه بالإكثار من القربات والطاعات وكلها في الجملة توصل إلى رحمات الله ورضوانه، فهذه ليست بدائل، ولكنها وسائل معينة على تحقيق الثواب، مثل الأذكار الشرعية، بعد أداء فريضة الصبح إلى شروق الشمس، والاعتكاف في المساجد من الفجر حتى الضحى، وكلها وسائل عبادية، تجبر خاطر من عجز عن الحج، وكل واحدة منها مدخل إلى الجنة.
ومن بين الأمور التي تعزز الأجر، الاجتهاد في العبادة في العشر الأول من ذي الحجة، لأنها أيام مفضلة عند الله تعالى، وقد ورد في فضل العبادة والعمل الصالح حديث ابنِ عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله, إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله في سبيل الله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وصيام الأيام التسعة إن كان هناك قدرة على ذلك، وصيام يوم عرفة، وأن فضل هذه الأعمال فيها يفوق الجهاد في سبيل الله تعالي.
ويعزز ذلك قول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، حينما قال له رجل: يا أمير المؤمنين، فاتتني الصلاة الليلة، فقال له عمر رضي الله عنه، ما فاتك بالليل فصله بالنهار، أي صل مكانه من النوافل، فإن الله تعالى قال: (جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا). ولكي ينال المؤمن الثواب وهو مشتاق للحج ولم يحج، أن يتعرض لنفحات الله في العشر الأول من ذي الحجة، بفعل الطاعات والقربات من الصلاة والصيام والذكر والقرآن وصلة الأرحام وغيرها.
وأقسم الله بفضل الليالي العشر، والله لا يقسم إلا بما هو عظيم عنده، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ) هي الليالي العشر الأول من ذي الحجة، هي الليالي التي يفر فيها الناس إلى الله، الحجاج عند بيت ربهم والمسلمون في بلادهم موصولون بالله في هذه الليالي، كما كان الحبيب صلي الله عليه وسلم يفعل.
ومن بين الأمور أيضاً: "الخروج إلى المسجد ﻷداء صلاة مكتوبة"، وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد لأداء صلاة مكتوبة فأجره مثل أجر الحاج المحرم ومن خرج لصلاة الضحى كان له مثل أجر المعتمر". رواه أبو داود في سننه.
ونص على فضل بر الوالدين، ما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلاً ببر أمه وقال له "أنت حاج ومعتمر ومجاهد" ويعني: إذا برها، وكذلك
الخروج إلى صلاة العيدين، وقال بعض الصحابة الخروج إلى العيد يوم الفطر يعدل عمرة ويوم الأضحى يعدل حجة.
وكذلك قضاء حوائج الناس، وقال الحسن: مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة، وصلاة العشاء في جماعة، وذلك بحسب ما ورد عن عقبة بن عبد الغافر: صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة وصلاة الغد في جماعة تعدل عمرة.
وقال أبو هريرة لرجل: بكورك إلى المسجد أحب إلي من غزوتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره الإمام أحمد.
ويضاف للأعمال الصالحة، أداء الواجبات كلها أفضل من التنفل بالنفل بالحج والعمرة وغيرهما فإنه ما تقرب العباد إلى الله تعالى بأحب إليه من أداء ما افترض عليهم، وكثير من الناس يهون عليه التنقل بالحج والصدقة ولا يهون عليه أداء الواجبات من الديون ورد المظالم وكذلك يثقل على كثير من النفوس التنزه عن كسب الحرام والشبهات ويسهل عليها إنفاق ذلك في الحج والصدقة.
وأيضاً، كف الجوارح عن المحرمات أفضل من التطوع بالحج وغيره وهو أشف على النفوس قال الفضيل بن عياض: ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد ليس الاعتبار بأعمال البر بالجوارح، وإنما الاعتبار بلين القلوب وتقواها وتطهيرها عن الآثام