أزمة بسبب عودة "عائلات داعش" إلى العراق
الأربعاء، 02 يونيو 2021 12:00 ص
شمسيخان مراد، سيدة كردية أيزيدية في أواخر العقد السادس من عمرها، كانت قد عملت لفترة طويلة كمديرة لمدرسة ابتدائية في مدينة شنكال التي تقع غرب مدينة الموصل، وهي نازحة حاليا إلى مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق.
أكثر ما يشغل بال "الست شمسيخان" كما يناديها أبناء المنطقة التي نزحوا إليها، هو تخوفها الشديد من الصدام الذي قد ينشأ بين أبناء جماعتها وعائلات تنظيم داعش، الذين قررت الحكومة العراقية استعادة 30 ألفا منهم من مخيم الهول في شمال شرقي سوريا.
وتنحدر شمسيخان وعائلتها من قرية "الوردية" في ريف محافظة نينوى العراقية، التي كان تنظيم داعش قد هاجمها في صيف عام 2014، ونفذ مجازر جماعية بحق سكانها، عبر قتل الذكور منهم واختطاف الإناث.
وطالت تلك المجازر قرابة 10 آلاف من أبناء الديانة الأيزيدية في تلك المنطقة، المتوزعين على القُرى والبلدات المحيطة بمدينة شنكال، في أقصى غرب مدينة الموصل.
وتقول شمسيخان : "خلال تلك الأيام المريعة، قتل تنظيم داعش الإرهابي اثنين من أبنائي الذكور، كانت أعمارهما حوالي 40 سنة، إذ كانا من الذين بقوا ليدافعوا عن بيوتهم.
وتضيف: "تمكنت أنا وباقي أبنائي وأحفادي من الفرار إلى قمم جبال سنجار القريبة، إلى أن تمكننا من الوصل إلى مدينة دهوك. نعرف الكثير من الناس الذين انخرطوا في تلك الفعلة الشنيعة بشكل مباشر، من خلال بعض من تم اعتقالهم من أفراد التنظيم، وما روته حفيدتي فيما بعد، دلنا على الفاعلين".
وتعتبر السيدة الستينية أنه "حينما تقرر الحكومة العراقية إعادة عوائل التنظيم إلى العراق، بالذات إلى محافظة الموصل حيث نفذ التنظيم أفظع الجرائم، فإنها تضع خزانا من الوقود بالقرب من موقد النار".
وتتابع: "أحفادي الذكور البالغون هم أكثر من 10، وعلى الأقل النصف منهم لا يزال في حالة غضب شديدة، وتملؤهم الرغبة بالثأر، ولا يستطيعون ضبط مشاعرهم وسلوكياتهم، ويعتبرون إعادة الحكومة لعائلات داعش هي بمثابة استهانة بمشاعرهم".
وكانت الحكومة العراقية قد نفذت خلال الأيام الماضية أولى عمليات استرجاع عائلات أفراد تنظيم داعش، عبر استعادة 150 عائلة من مخيم الهول، وإعادة توطينهم في مخيم الجدعة بالقرب من بلدة القيارة جنوب مدينة الموصل بحوالي أربعين كيلومترا.
أفراد هذه العائلات يقدرون بحوالي 700 فرد، يشكلون جزءا يسيرا من قرابة 30 ألف شخص من أبناء أفراد التنظيم، المُتحفظ عليهم في مخيم الهول، تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تتعاون الحكومة العراقية معهم في هذا الملف.
عدد من التحذيرات السياسية والاجتماعية والأهلية وُجهت للحكومة العراقية، بشأن ما تتبعه من سياسة في هذا الملف، فمستوى الحساسيات الاجتماعية لا تزال عالية جدا، خصوصا مع بقاء مصير أكثر من 3 آلاف مُختطفة أيزيدية، مجهولا، وعدم عقد محاكمات وطنية عراقية واضحة للضالعين والمُسهلين والمستفيدين من المجازر التي نُفذت.
ويثير هذا الأمر المخاوف من زيادة إمكانية وقوع صدام أهلي متقطع بين الجماعات، خصوصا في محافظة نينوى "الموصل" المعروفة بتنوع سكانها.
الباحث في الشؤون الأمنية، سيروان مزوري،قالت : "المسألة ليست في الوجه القانوي، فيما إذا كان لهؤلاء الناس أن يعودوا إلى بلدهم أم لا، وهو أمر محسوم ومن واجبات الدولة العراقية، لكن المسألة متعلقة بالإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها فيما لو أقبلت على مثل هذه الإجراءات، وهي تقريبا لم تفعل شيئا باستثناء نقل هؤلاء الأشخاص".
ويتابع: "المنطقة التي تم اختيارها لإعادة تثبيت المستقدمين هي الأسوأ على الإطلاق، في تقع ضمن المناطق المتنازع عليها، ومن المناطق القلقة التي ما زالت تشهد حضورا لتنظيم داعش، الذي ستزداد شهيته للهجوم على تلك المنطقة لتحرير عائلات عناصر".
وينوه إلى أن "الأخبار غير السارة جاءت منذ اليوم الأول للاستقدام، إذ أشارت صادر إلى أن 6 عائلات منهم على الأقل قد تسربت أثناء عملية النقل. كذلك لم توضح السلطات العراقية أية إجراءات قانونية ستقوم بها تجاه هؤلاء الناس، فعلى الأقل ثمة الآلاف منهم صمتوا وشاركوا في تلك الجرائم المرتكبة مع ذويهم المسلحين".
الناشطة والباحثة الاجتماعية، رند الصباغ، التي تجري منذ أشهر أبحاثا عن عائلات مسلحي تنظيم داعش وما يحملونه من أفكار، شرحت الموقف المحتدم بين أبناء هذه العائلات والمجتمع.
وتقول: "بالضبط كما يملك ذوو ضحايا تنظيم داعش احتقانا تجاه عائلات المسلحين، فإن هؤلاء الأخيرين يملكون شيئا كثيرا من ذلك تجاه المجتمع. فغير أنهم يكفرون المجتمع ويعتبرونه خارجا عن أصول الدين، فإنهم يحملونه أيضا اللوم في الأوضاع التي لحقت بهم طوال السنوات الماضية".
وتضيف صباغ المقيمة في مدينة الموصل: "ثمة إحباط كبير من جميع الجهات التي تساهم في تصعيد هذا الاستقطاب. فالحكومة المركزية ليس لديها أية برامج توعوية لإعادة الاندماج، كذلك فإن الأحزاب السياسية العراقية تستخدم خطابا شعبويا غير مسؤول، والتعليم في العراق في أسوء أحواله، وطبعا وسائل الإعلام غير مبالية تماما".