ودعاً أيقونة الكوميديا
السبت، 29 مايو 2021 07:00 م
سمير غانم.. أضحكنا حيا وأبكانا بوفاته
نعته الملايين بكلمات رثائه للضيف أحمد.. واستحق لقب الزعيم الحقيقي
"عزيزي الضيف أحمد، بسأل عنك كل ما بضحك.. بس مبيجيش الرد، كل ما بلمح حد واصلك.. أجري له ألقاه يتشد، بينى وبينك عندك أحسن.. أروق أنضف، لولا الرب علينا بيلطف.. كنا زمانا بناكل بعض، بس بنضحك.. نزعل نضحك.. نفرح، برضه نضحك.. عزيزي الضيف أحمد.. ما اعرفش إذا كنت سامعني ولا ما عدتش تسمع حد.. فاكر لما كنا نغني كنا نضّحك طوب الأرض.. بيني وبينك كل ما أدقق، أفكر، أمعن بشعر إني خلاص هاتجنن بس ما فيش م المكتوب بُد.. وأهي أيام بتعدي يا ضيف وهنتقابل بلا تكليف ونقعد نضحك، نضحك، نضحك".. كلماتٌ سطرها الفنان الراحل سمير غانم ناعيًا صديقه ورفيق دربه الفنان الراحل الضيف أحمد- وهي نفس الكلمات التي يجدها ملايين المتابعين من المصريين والعرب مُعبرة عن مشاعرهم تجاه وفاة آخر ضوء من أضواء المسرح، متذكرين أدواره وأعماله التي لازمتهم أكثر من نصف قرن، تفاعلوا معها، وأخرجتهم من همومهم، ونفست عنهم أحزانهم- وربما يكون هذا السبب أحد أهم الأسباب التي توضح حالة الحزن لدى الجماهير، التي صاحبت وفاة الفنان الكبير.
حياة لامعة ونهاية مؤثرة
في 20 مايو الجاري، تُوفي الفنان الكبير عن عمر ناهر الـ84 عامًا، بعد صراع مع فيروس «كوفيد19»، وهو المرض الذي انتقل على إثره إلى المستشفى، وتدهورت حالته الصحية، وهو ما استدعى نقله إلى غرفة العناية المركزة بمستشفى الصفا بالمهندسين- حيث توفي هناك- وعلى بُعد خطوات من غرفته، ترقد شريكة حياته الفنانة الكبيرة دلال عبدالعزيز التي حال مرضها دون توديعه والسير خلف جنازته، وهو ما يعد مشهدًا دراميًا يستحق التوقف أمامه، حيث إنها كانت تحرص دائمًا على المشاركة في جنازات زملائها ومعارفها للوقوف بجوار الأصدقاء وتوديع الأحباب- إلا أن أحب الناس إليها توفي دون علمها، ولم تستطع أن تقف بجوار بنتيها دنيا وإيمي لتلقي عزاء رب الأسرة سمير غانم، بعد دفنه في مقابر الأسرة بمدافن الوفاء والأمل.
ولد في الفيوم وجذوره في أسيوط
وُلد ملك الكوميديا- في عام 1937 بالفيوم حيث مكان عمل والده اللواء الراحل يوسف عمر، إلا أن جذوره تعود إلى قرية عرب الأطاولة التابعة لمركز الفتح بمحافظة أسيوط- على بعد 375 كيلومترًا جنوب القاهرة، وحاول سمير أن يسير على درب والده فالتحق بكلية الشرطة، لكنه فُصل منها بعد رسوبه لسنتين متتاليتين، ليلتحق بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية، وفيها انضم إلى الفرق الفنية، لتبدأ حياته المهنية.
سنوات نشاطه بدأت في عام 1963، من خلال مشاركته مع كل من الضيف أحمد وجورج سيدهم فرقة مسرحيه فيما عرف بفرقة ثلاثي أضواء المسرح. إلا أن سمير لمع بشكل كبير بعد تقديم مسرحية «طبيخ الملايكة» من إخراج الراحل حسن عبد السلام عام 1964- وبعده بعام واحد تألق وفرقته في عدد من الأعمال السينمائية أبرزها المغامرون الثلاثة والمشاغبون- لتبدأ الرحلة مشكلة حياة لامعة لنجم كوميدي استثنائي.
سر حالة حزن الجمهور
الناقد الفني طارق الشناوي أرجع حالة الحزن التي صاحبت وفاة الفنان الكبير سمير غانم، إلى أنه فنان استمر في التواجد على الساحة منذ الستينيات وحتى آخر حياته- حيث قدم إعلانا دعائيًا لإحدى شركات الاتصالات- بينما كانت آخر مشاركاته الفنية في عام 2019، في "بدل الحدوتة تلاتة"، و"سوبر ميرو"، وصاحب تواجده على الساحة نجاحه الفني الذي تواجد به في كل بيت من خلال تقديم مئات الأعمال السينمائية والدرامية، وكذلك المسرحية، مضيفًا أنه حرص على أن يكون الرابط بينه وبين الجمهور حالات الحب والضحك والسعادة.
وأضاف الشناوي لـ«صوت الأمة» أن سمير غانم قدم كوميديا راقية، وكان هدفه الأسمى الذي يعمل من أجله هو إدخال البهجة والسرور على الجمهور، الكثير من الفنانين يتحدثون أن هدفهم هو تقديم رسالة سامية، وتغيير قيم الأسرة إلى الأفضل- وهي رسائل مهمة وقد تتحقق وقد لا، لكن سمير غانم كان واضحًا في هدفه الذي عاش من أجله «أن يضحك الجمهور».
بعد رحيل الضيف واصل جورج وسمير العمل معًا، وكان يتصدر المسرح صورة الضيف أحمد، وظلت الفرقة تحمل اسم (ثلاثي أضواء المسرح).
وأشار الشناوي إلى أنه بعد 10 أعوام من وفاة الضيف أحمد، وتحديدًا في عام 1980 انفصل سمير وجورج ومضى كل منهما إلى طريق، ورغم ذلك ظل الثلاثي «ثلاثي». حيث إنه عندما تتحدث إلى سمير لا يتوقف عن ذكر اسمي الضيف وجورج، وعندما كنت تلتقي جورج قبل وفاته يظل هناك سؤال متجدد عن سمير، كما تكتشف أن الضيف لا يزال هو الآخر حيًّا يُرزق، موضحاً أن الثلاثي لا يمكن أن نتصور أنهم سوف يكفون نشاطهم في إضحاك الناس، لا أعرف مثلكم كيف تسير الأمور وعلى أي نحو، ولكننا، أقصد أغلبنا كحد أدنى، لدينا قناعة بأن ما قدمناه في الدنيا، سيظل ملاصقًا لنا في الآخرة، وهو ما دفع سمير غانم إلى أن يؤكد على أن الضيف وجورج اللذين سبقاه للعالم الآخر سوف يشفعان له لدخول الجنة. من أسعدوا الملايين ولا يزالون لهم كل الشفاعة، تلك هي قناعتي، وأن رحمة ربنا وسعت كل شيء.
وأشار الناقد الفني إلى أن الثلاثي صدروا لنا حالة من البهجة انطلقت مع جمهور الستينيات، كان كل منهم له دائرة تعتبره أنه فقط سر الضحك، وكثيرًا ما كان سمير يشعر أنه الأقل حظًّا من رفيقيه، وقال لي إنه صارح الضيف أحمد بمخاوفه تلك، قال له جورج الناس تحبه، وجسده يساعد على زيادة الحب، وأنت محبوب وقصر قامتك يزيد من مساحة التعاطف معك، وأنا ماذا أملك؟ لا شيء. الضيف أحمد كان ثاقب النظرة عندما قال له أنت الكوميديان الوسيم، أنت أول ممثل كوميدي سيضحك الناس بسبب تناسق قوامه وجمال وجهه، وأثبت الزمن أن الضيف أحمد كان يقرأ الأيام القادمة. كان سمير يرتدي الباروكة ليخفي صلعته، وظلت الوسامة تشكل بالنسبة له سلاحًا إيجابيًّا في تأكيد حب الناس له.
الانفصال عن جورج كما قال لي سمير بدأ بعد رحيل شقيقه سيد، حيث كان أمير شقيق جورج هو المسؤول عن الأمور الإدارية مع سيد، وبعد رحيل سيد لم يجد سمير من حل سوى الانفصال، لم يكن يثق في أمير، وهو ما اكتشفه بعد ذلك جورج، عندما باع أمير كل شيء لأن لديه توكيلًا عامًّا، بعدها أصيب جورج بجلطة أعاقته عن الحركة حتى رحيله- هكذا أكد الشناوي. مضيفا أن العلاقة بين جورج وسمير لم تتأثر، ودلال عبد العزيز شاركت جورج أكثر من عرض مسرحي.
زيجاته قبل دلال عبد العزيز
وفي حوار تلفزيوني في ديسمبر 2020 مع برنامج السيرة الذي تقدمه الإعلامية وفاء الكيلاني، كشف سمير غانم عن كواليس وتفاصيل زواجه الأول من امراة صومالية، قائلا: "كانت ست جميلة وبنت حلال، تعرفت عليها خلال حفلة، وتزوجنا لمدة شهرين ثلاثة فقط، وبعد ذلك حدث الانفصال".
وأضاف الفنان الراحل: "أما زوجتي الثانية كانت زواجة كوميدية كنت سهران مع أصدقائي وانتهت السهرة بزواجي وكانت سيدة عظيمة وكانت مدة زواجنا أسبوع فقط، ولكننا كنا متفقين أن من الصعب أن نكمل هذا الزواج، أما الزوجة الثالثة والأخيرة كانت دلال، ودلال عبد العزيز أسطورة والأمر الذي نجح زواجنا أنني لم أكن أنوي الزواج وهي لم تكن سهلة وتعرف كيف تخطط بشكل جيد ووجدت نفسي قد تزوجتها".
فطوطة وسمورة
عام 1983 كان سمير على موعد مع تقديم لون جديد من خلال التعاون مع المخرج فهمي عبد الحميد لإطلاق أولى حلقات فوازير فطوطة باسم «فطوطة والأفلام» ونجح نجاحًا هائلاً، وهو ما شجعهم على إعادة التجربة في «فطوطة والشخصيات» عام 1986. وفي التسعينات قدم فوازير المتزوجون في التاريخ 1992 وفوازير المضحكون 1993 وفوازير أهل المغنى 1994.
وطُلب من سمير غانم تقديم الفوازير بعد الفنانة نيللي، والتي حققت نجاحًا باهرًا في مجال الاستعراض، وحينها فكر المؤلف عبدالرحمن شوقي في أن يكون هناك "سمير صغير"، وجاء اسم فطوطة قياسًا على رحلات ابن بطوطة، خاصة وأن فطوطة كانت شخصيته تتلخص في أنه يصطحب سمورة في رحلته لدول العالم للاطلاع على الشخصيات، وبعد تصوير أول حلقة تم إلغائها، وتوصل سمير غانم للصوت بعد سماعه لتجربة مهندس الصوت مع يدير الشريط بسرعة، أما عن الشكل (الباروكة، والحذاء الكبير، والبدلة الواسعة) فهي فكرة سمير غانم، لكن بناء الشخصية ونجاحها نتيجة تعاونه مع المؤلف والمخرج- وذلك على حد وصف الفنان الراحل في حوار تلفزيوني مع تلفزيون الكويت، مضيفًا: "هذه الشخصية أنا بحبها جدا، لكنها تعباني نفسيًا بالنسبة للشارع أو في أي مجال، ألاقي شخص ينادي عليا "فطوطة" بحس إني عيل".
إلا أنه مع شدة تعلقه بشخصية «فطوطة» كرر التجربة في الإذاعة حيث قام بإحيائها مرة أخرى من خلال فوازير تحمل اسم «فطوطة وسمورة» بعد غياب أكثر من 20 عاما من تقديمها للتليفزيون المصري.
وداعًا سمير غانم
قدم سمير غانم مئات من الأعمال الفنية الخالدة، والتي تنوعت بين السينما والتلفزيون والمسرح، ونجح بجدارة في تحقيق هدفه الذي أعلن عنه وهو «إضحاك الناس».
سمير غانم