الاختيار 2.. نقدر على الدنيا ولا تقدر علينا
السبت، 08 مايو 2021 11:00 م
الناقد الفني طارق الشناوي: المسلسل وثق لمرحلة مهمة من تاريخ مصر ودور رجال الداخلية في مواجهة إرهاب الإخوان
منذ الإعلان عن جزء ثان من مسلسل الاختيار الذي جسد بطولات وتضحيات أجهزة الأمن المصرية في مواجهة الجماعات الإرهابية بعد سقوط حكم جماعة الإخوان في البلاد على إثر ثورة شعبية في 30 يونيو 2013، كان التحدي كبيرا أمام صناع العمل، خاصة مع رفع مستوى تطلعات الجمهور، على خلفية التفاصيل المتقنة "أداء، نص، صورة" التي ظهر بها المسلسل في جزئه الأول ونال إشادات كبيرة من النقاد والجماهير.
«فض اعتصام رابعة المسلح، تفاصيل مخطط الإخوان، العمليات الإرهابية، التفجيرات، سيناء، سقوط قيادات الجماعة».. كل المؤشرات كانت تبشر بعمل درامي من العيار الثقيل، حيث تتداخل الأحداث مع الواقع بما يصنع التحدي الأكبر، ومن ثم الانتقال إلى التشابك بين تفاصيل العمل وتداخل الأحداث المتعاقبة في الفترة التي تلت عام سقوط الإخوان في 2013.
«كل حلقة ملحمة وطنية ودرامية».. هكذا كان مجمل التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الحلقة الأولى من مسلسل "الاختيار2"، وصولا إلى العشر حلقات الأخيرة التي توالت محققة نجاح تام، وتأكد لجميع المتابعين بأن الدراما الهافة قادرة على خلق حالة من الوعي في وقت بسيط وتدعيم ركائز المجتمع.
كان "الاختيار2" خطوة مهمة في سياق الدراما الرمضانية، رهان صعب كسبه باقتدار مع تحرك الأحداث، وسقوط مخطط تلو المخطط، وقيادي إخواني تلو الآخر، وفي تمثيل أحداث جسام عاصرناها جميعا، بداية من فض الاعتصام المسلح في ميداني رابعة النهضة مرورا بأحداث اقتحام قسم كرداسة وحرق أقسام الشرطة واستهداف الكنائس ومؤسسات الشرطة انتهاء بمحاولات تنفيذ مخطط الجماعة الأكبر وإعلان سيناء ولاية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
في العام الماضي نجح جزء الاختيار الأول في تسليط الضوء على البطولات الحقيقية لرجال القوات المسلحة، الذين واجهوا مخطط الإرهاب الأسود الممول بملايين لإسقاط وتفكيك الدولة المصرية، وكشف العمل زوايا كانت غائبة عن عموم المجتمع المصري وربط جماعات الإرهاب المسلح في الخارج بالداخل، مع تقديم وجه الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية بتفاصيلها المعقدة التي تشمل خطابهم وأفكارهم، ومن ثم الابتعاد عن النمطية في التجسيد مثل تجسيد الإرهابي بهيئة منفرة أو شكل مبالغ فيه مضمونا.
كان الرهان في جزء الاختيار الأول على تناول المعارك الصعبة وأحداث التفجيرات واستهداف قوات الجيش والشرطة في سيناء من قبل الإرهابيين بشكل مبسط ومترابط دون الإخلال بالصورة، ولذلك كان السيناريو المتقن والإخراج المشوق بعيدا عن أسلوب العرض المباشر الذي يقلل من العمل، تابع الجمهور حلقة تلو الأخرى أصبح اسم الشهيد أحمد المنسي على الألسنة، مدخل قوي بشخصية مثل المنسي لفكرة أكبر وهي تشكيل الوعي الجمعي للمواطنين بخطورة مخطط الإرهاب الأسود على مصر، بما في ذلك تسليط الضوء على الحياة الاجتماعية للضباط والجنود بشكل إنساني.
كشف مخطط الحكم بالدم تحت عباءة الدين
من الجزء الأول إلى الثاني جاء السياق الدرامي بشكل أوسع وأشمل سواء في المضمون أو الصورة، لتوثيق ما فرضته مرحلة من أخطر مراحل الصراع، وأشدها تعقيدا في التعامل بين أجهزة الأمن المصرية والأذرع الإرهابية للجماعات المسلحة، حرب حقيقية خطط لها تنظيم الإخوان الإرهابى، وأعلن عنها قيادات الجماعة في الوقت المحدد لمحاولة كسر الدولة المصرية، والرجوع إلى سيناريو "الحكم تحت عباءة الدين"، وصولا إلى التحالف مع تنظيمات إرهابية أخرى أساسية وفرعية.
لن ندخل في عرض لتفاصيل الأحداث التي تدور في "الاختيار2" أكثر من عرض فكرة المضمون نفسها، والتي تعتمد بشكل أساسي على كشف علاقة الإخوان بالتنظيمات المسلحة، وفي السنوات التي أعقبت الإطاحة بحكم الإخوان، تكشفت العلاقة بين التنظيم كأساس للعنف والإرهاب المغلف بالدين، وبين تنظيمات متنوعة انطلقت وخرجت من حازمون وتنظيم الجهاد والعائدون من أفغانستان، والمفرج عنهم بتدخل التنظيم، وكل هؤلاء ظهروا بعد قفز الإخوان على السلطة، وظهروا فى مجلس الشعب والرئاسة والأحزاب وفرضوا وجودهم، بل وتم تعيينهم فى مناصب مختلفة، وصلت لتعيين إرهابى محافظا، وربما لم تظهر الاختلافات بين التوجهات المختلفة التى اشتركت فى كونها تكفيرية، حتى لو اختلفت فى التفاصيل.
التفاصيل الكثيرة التي يركز عليها "الاختيار2" لعرضها يمكن أن تشتت العمل، وهنا كان دور السيناريو في مزج مع المخرج، الذي اختار خيوطا واضحة لعمليات كان الجميع شهودا عليها بكل تفاصيلها، ورغم ذلك جذبت الجمهور، بتفاصيل جهود رجال العمليات الخاصة وضباط الأمن الوطنى، في رصد التفجيرات الضخمة والاغتيالات، وزرع عبوات فى أماكن دقيقة قتلت أبرياء، لم تفرق بين شرطى أو غير شرطي، وكان ذلك منهج تنظيم الإخوان وما خرج من تحت لوائه من جماعات فرعية كانت الشهير الشرعي والسلح لها.
المسلسل الذي راهنت عليه شركة سينرجي، كان جمهوره على موعد مع انطلاقة كانت على قدر تطلعات الجمهور الذي صار سقف طموحاته أعلى من أي وقت مضى بسبب الرائعة الدرامية خلال رمضان الماضي في الاختيار بجزئه الأول، لكن وفق ردود الأفعال لم تخب آماله.
حضور طاغ لكريم عبد العزيز بدخول مباشر في أوج الأحداث، وحبكة درامية وإخراجية مزجت التصوير لأحداث عاصرها الجمهور في اعتصام رابعة الإخواني مثلا بمشاهد واقعية، سرقت المشاهد إلى داخل التسلسل الدرامي وكأنه جزء من القصة والتفاصيل.
"الله يا مكي الله".. بدا هذا التعليق منطقيا بل وأقل من حقه بأن يوصف به الفنان أحمد مكي بعد ألاعيبه التي أخرجها من جعبته وكان يخفيها في "الإيفيهات وأغاني الراب".. الصوت، والملامح، ودقة التفاصيل في إظهار الشخصية، القفز من اللهجة السيناوية إلى ضابط الشرطة، تحريك الأحداث بعصا سحرية حتى أصبح هو الأدوات نفسها، كان ذلك كفيلا بمنح مكي كل شيء، بل هو الممثل ولجنة التحكيم والجمهور نفسه.
لكن عظمة "الاختيار2" إلى جانب الظهور الجبار لكريم عبد العزيز ومكي، الذي حرمنا موهبة من وراء العقل، مع شخصيات أخرى مثل ماجد الكدواني ومحمد فراج وعبقري الدراما هادي الجيار، مع لقطات مثل ظهور أحمد المنسي وهشام عشماوي لربط الأحداث واستحضار العقول في تحول درامي رائع، كانت في توثيق أحداث مهمة جدا وشخصيات أهم لم تكن مستهلكة إعلاميا.
"الاختيار2" أكثر جماهيرية
وقال الناقد الفني طارق الشناوي، إن الرهان الحقيقي في "الاختيار2" هو أن سقف طموحات الجمهور كان عاليا جدا بعد الجزء الأول، ودخلت المعركة وأنت صانع نجاح كبير، وبالتالي يكون الجزء الثاني أمام معضلة، وهي ترقب الجمهور المتشوق جعله ينتظر ما هو أعلى، وأعمق، وأجمل، وهذا في حد ذاته يتحول إلى عائق وليس إلى دافع، لأن الجمهور هنا لن يرضى حتى لو صنعت له المستوى نفسه في الاختيار 1، دائما سنجد أن طموح الجمهور أكبر، مثل سباق الحواجز، دائما ما يكون الحاجز الثاني أعلى من الأولى، وإذا أخفقت في الحاجز الثاني، بالتأكيد سينسى الجمهور نجاح ما حققته سابقا.
وأضاف الشناوي لـ"صوت الأمة": أرى أن "الاختيار2" أكثر جماهيرية، بسبب أن بيتر ميمي ومعه الكاتب هاني سرحان، مساحة الجانب الاجتماعي زادت وأصبح الرصد اجتماعي أكثر منه رصد سياسي، المنظار الاجتماعي وسع دائرة الرؤية عند الجمهور، ودخلت شخصية مثل الفنان أحمد مكي، وأيضا أضافت في الجانب الاجتماعي، مع زيادة جوانب الحياة الاجتماعية للأبطال، إلى جانب المساحات المتعلقة بالطرف الآخر (الإرهابيين) زادت أيضا.
وتابع أن "الجانب المهم أيضا أن الاختيار 2 كان يطل على الحدث بوجهة النظر الأخرى، بمعنى أنك رأيت من زاوية الإرهابي لأنه يرى نفسه بالعكس "يحافظ على الدين ضد الطواغيت، وينفذ شرع الله، وأي تقاعس سيكون آثم أمام الإله"، فمن هنا كان المسلسل له عدة إطلالات".
وأكمل حديثه "ناهيك عن أن هناك تفوق في الموسيقى والمونتاج، وأداء الممثلين الهائل، يعني كريم عبد العزيز لعب دورا من أجمل ما يكون، وهذا الدور بالمناسبة صعب جدا، لكن كريم وضع كل تاريخه الفني ليتوحد مع شخصية الضابط في الاختيار 2 ويخرجها للجمهور بصورة رائعة، وأيضا من يعرف أحمد مكي سيكون لديه خلفية عن أنه متعدد المواهب إضافة إلى أنه دخل عالم الفن كمخرج في الأساس، والدور الجاد الذي لعبه خلق منه مزحة فيها هامش من الكوميديا لكنه هامش مضبوط.
أما توظيف بقية الشخصيات فقال "نجد مثلا ماجد الكدواني ممثل عبقري، وموهبة خرافية، وأي مساحة يترك علامة، واختياره كان ذكيا جدا من بيتر ميمي، ثم انتقالا إلى اختيار شخصية مثل هادي الجيار وكأنه يختار وداع الجمهور".
وقال "صحيح أن دراما التسلية والترفيه مطلوبة وهي هدف بالمناسبة، لكن هناك درجة أخرى في الدراما، وهي أنك تقول رسالة تخدم الوطن، تقول رسالة تنير الطريق أمام الجمهور، تقول رسالة تفتح آفاق، وهذا المسلسل يتوجه برسائل إلى الدنيا كلها وتحذيرات من خطر تنظيم الإخوان الإرهابي على العالم أجمع، وليس هذا الخطر محلي أو عربي على الإطلاق، والاطلالات الثلاثة تكمل بعضها لتصل إلى العمق برسالة قوية وهي أن هذا التنظيم له أذرعه في العالم كله".
وبسؤاله عن كيفية صنع تكامل بين أنواع الفن المختلفة في جانب قيادة وعي الجمهور على طريقة الاختيار 2، قال "لابد أن نجعل الكاتب ضميره هو من يوجهه إلى مثل هذه الأعمال، يعني شريف عرفة عندما صنع الممر كان إحساسه الوطني هو الدافع له، على خلفية مرارة هزيمة 67، وفيها وميض هو من كان وراء الانتصار، وكان ممنوعا قبل ذلك أن تقدم كل أشكال الهزيمة، وهذا ما حدث بالضبط في الاختيار وهي تقديم وجهة نظر الإرهابيين والمتطرفين وقناعتهم وأفكارهم، وهذه مصداقية العمل، والعدو الذي تواجهه فكريا مقتنع تمام الاقتناع أنه ذاهب إلى الجنة بعد وقت، وأنه سيكسب الحور العين، ولذلك الاختيار 2 كسر النمط الذي تظهر عليه صورة الإرهابي في وقت سابق.
وأنهى تصريحه قائلا "الأمر المهم أيضا في الاختيار 2، أنه دخل بالعمق فيما كان يجري في وزارة الداخلية وما حدث من اختراق، وهذا تم عرضه لأول مرة على الجمهور بكل شفافية، وحتى ظهور أحمد مكي وأنه معرض للاختراق لمجرد أنه يصلي وتريد الجماعات الإرهابية استغلاله في صفها، كل هذه الصورة الحقيقية التي نقلت من الواقع بهذا الأداء الرائع البسيط جعلت من المسلسل مكانته الحالية وكل هذا الالتفاف والإجماع الذي نراه حول صناع العمل".