"هجمة مرتدة" كشف تفاصيل المطامع الدولية والإقليمية حول «غاز شرق المتوسط» قبل 2011
السبت، 08 مايو 2021 11:50 م
- كيف تنبهت مصر للصراع مبكراً.. وكيف حافظت على ثروات الدول وأفشلت مخطط الفوضى والسرقة وأسست منظمة إقليمية مقرها القاهرة؟
شهدت منطقة شرق البحر المتوسط، توترات متصاعدة، في الفترة الأخيرة، زادت من تعقيد التفاعلات الإقليمية، التي غلب عليها طابع الصراع؛ وبروز ديناميكية أمنية جديدة؛ وخلال موسم رمضان الدرامي، تناول مسلسل هجمة مرتدة المأخوذ من ملفات المخابرات العامة المصرية، بداية هذا الصراع قبل يناير 2011 بثلاث سنوات، وبالتحديد بداية من منتصف 2008.
خلال السنوات التالية لأحداث 2011، كانت تجري اجتماعات مغلقة، حول غاز شرق المتوسط، أحدها كان في أبريل 2013، بمقر ديوان عام وزارة البترول والثروة المعدنية، وصفت المعلومات والوثائق، التي تناولها الاجتماع، بأنها تعرض لأول مرة، ومحظور تداولها خارج نطاق الجهات المشاركة في الاجتماع، والتي ضمت ممثلين لوزارات: الخارجية، البترول والثروة المعدنية، والدفاع، إلى جانب المخابرات الحربية والمخابرات العامة.
اكتشافات مصر من الغاز في البحر المتوسط، جعلتها لاعباً محورياً في المنطقة؛ كما أن المياه الاقتصادية المصرية، بها أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي بالبحر المتوسط، في عام 2018، وهو حقل ظهر؛ وذلك، بحسب النشرة الدورية لأسواق الغاز الطبيعي المصرية والعالمية، المشار إليها، عن جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز المصري، وكان قد تم توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، بين مصر وقبرص في عام 2003، ومع اليونان، في 6 أغسطس 2020؛ وكان قد تم قبل ذلك بشهر، توقيع اتفاق مماثل بين اليونان وإيطاليا؛ كما أعلنت مصر أنها ستعين حدودها البحرية مع كل من فلسطين وإسرائيل، بمجرد التوصل إلى تسوية عادلة لقضية الاحتلال الإسرائيلي؛ وذلك وفقا لما ذكره تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، المشار إليه.
حقيقة لا يمكن إنكارها، أن اكتشافات الغاز الطبيعي ساهمت في زيادة الأهمية الجيواقتصادية للمنطقة؛ فضلاً عن حدة التنافس الدولي، بين القوى العالمية والإقليمية، التي سعت لإيجاد موطئ قدم لها بالمنطقة؛ وذلك وفقًا لما جاء في تقرير «مصر وأمن شرق المتوسط»، للدكتور أحمد قنديل، والصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، في 25 فبراير 2021.
لاحظ التقرير مؤشرات نحو تزايد العسكرة، عبر المناورات العسكرية والمناوشات المستمرة، مما أدى إلى تزايد المخاوف من حدوث تحول في النزاع الإقليمي، فيصبح صراعاً شاملاً؛ بالرغم مما كان مأمولاً في أن تكون اكتشافات الطاقة سبباً في التعاون السياسي والعسكري والتآزر الاقتصادي بين الدول المطلة على البحر المتوسط.
تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، اعتبر عام 2020، أكثر الأعوام حدة وتوتراً، بمنطقة شرق المتوسط، في الفترة الأخيرة.
باتت المنطقة على حافة الهاوية والسقوط في مواجهات عسكرية ساخنة؛ بينما عكف الخبراء في مختلف أنحاء العالم على رسم خرائط محطات تسييل الغاز، والأنابيب التي ستحمله، من الدول المنتجة إلى دول العالم المستهلكة؛ وفي أغسطس 2020، أصبحت المنطقة على أعتاب مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان على خلفية مواصلة تركيا التنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها بالقرب من الجزر اليونانية.
هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، قالت إن اكتشافات الغاز الطبيعي بمنطقة شرق البحر المتوسط، تقدر بحوالي 345 تريليون قدم مكعب قابل للاستخراج، ونحو 3.5 مليار برميل من النفط؛ بالإضافة إلى 9 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعي (تتراوح قيمتها بين 750 مليار دولار و3 تريليون دولار حسب التقديرات الشائعة).
وفي ظل ذلك، كان موقف مصر واضحاً، في كونها لا تتآمر على من اختلف معها حتى في أدق موضوعات أمنها القومي ومصالحها الحيوية؛ وهو ما شدد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة له، بجلسة «سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط في مواجهة التحديات المشتركة»، بالمنتدى الثالث لشباب العالم، في 15 ديسمبر 2019، بالرغم من البعض يستخدم أدوات بعضها أدوات شرعية، وكثير منها أدوات غير شرعية بهدف المؤامرة؛ منوهاً إلى أن الإرهاب أصبح وسيلة تستخدم في ظل تطور حروب الجيلين الرابع والخامس من الحروب، بهدف تحقيق أهداف سياسية، كونها وسيلة أقل تكلفة، ولا تحتاج غطاء شرعياً على أساس القانون الدولي والشرعية الدولية، دون إمكانية محاسبة من يديرون العمليات الإرهابية.
تقرير «مصر وأمن شرق المتوسط»، أشار إلى أن احتدام المنافسة لم يمنع من بروز آفاق تعاونية بين القوى الإقليمية، في مجال الطاقة، تمثلت في «منتدى غاز شرق المتوسط»، والذي تأسس عام 2019، وتحول لاحقا إلى منظمة إقليمية، لتعزيز الجهود المشتركة لإنشاء سوق غاز إقليمي، يخدم مصالح الدول الأعضاء.
المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، ذكر أن الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط، وضعت الثقة والتضامن أساساً ترتكز عليه، في التعاون سوياً في التغلب على خلافات الحقب الماضية وتجاوزها، وتجاوز كافة العقبات والحواجز والحدود الجغرافية، للانطلاق في سبيل التعاون في مجال الغاز الطبيعي؛ وذلك، بحسب ما ورد في النشرة الدورية لأسواق الغاز الطبيعي المصرية والعالمية، الصادرة في أكتوبر 2020، عن جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز المصري.
وفي كلمته، خلال افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، مشروع مصفاة الشركة المصرية لتكرير البترول ERC، بمسطرد، في 27 سبتمبر 2020، كان قد تطرق المهندس طارق الملا، إلى توقيع ميثاق تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، قبل ذلك بأيام، بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال القمة الثلاثية «المصرية - اليونانية - القبرصية»، في عام 2018، ليستغرق التأسيس أقل من سنتين، ليكون منتدى حكومياً دولياً، مقره القاهرة، كأحد الخطوات الهامة لتحويل مصر لمركز إقليمي لتداول البترول والغاز والطاقة بصفة عامة.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخلال افتتاح مشروع مصفاة مسطرد، المشار إليها، قد ألمح إلى محاولات خارجية لإعاقة استضافة مصر مقر منتدى ومنظمة غاز شرق المتوسط، باعتبار أنها تماثل منظمة «أوبك» للبترول والنفط؛ مؤكداً وجود محاولات لبعض القوى، تحاول بذل ما تستطيع حتى لا تكون مصر هي مقر منظمة غاز شرق المتوسط.
وفي وقت سابق، وفي جلسة «اسأل الرئيس»، بمؤتمر «حكاية وطن»، في 19 يناير 2018، أوضح أن مصر لديها نهج مختلف في إدارة الأزمات وردود الأفعال المختلفة، بعيداً عن التصريحات النارية، لكن الرد يكون حاسماً، عندما يتعرض أحد للأمن القومي المصري أو المصالح الحيوية؛ مضيفاً: لو لم تكن لدينا قوة عسكرية مناسبة، لم تكن لتقوم بحماية حقول الغاز البحرية، على مسافة نحو 200 كم شمال حدودنا البحرية بالبحر المتوسط؛ مشيراً إلى محاولات استفزازية تمت عند تلك الحقول من بعض القوى الخارجية، إلا أن وجود القوات العسكرية المصرية منع وحال دون استمرارها، استناداً إلى معرفة سابقة بقدرة القوات المسلحة المصرية، من أجهزة المتابعة والمخابرات لدى الدول المتصارعة، إلا أن مصر لا تطغى بقوتها وقدرتها على الآخرين، بحسب الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي كلمة له، بجلسة «السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب»، بمؤتمر «حكاية وطن»، في 19 يناير 2018، أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي أن قوى الدولة الشاملة، كانت قد تراجعت في في فترة ما بعد 2011، وكانت مهمة الدولة الأساسية اتخاذ إجراءات جادة لإعادة بناء تلك القوى، والتي من بينها القوة العسكرية المصرية، والتي أصبحت مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل 5 سنوات، رغم أنها كانت جيدة في ذلك الوقت؛ وهي قدرة تحمي السلام ولا تهدد، على حد تعبير رئيس الجمهورية.
وفي سياق التفاعلات الإقليمية في منطقة شرق البحر المتوسط، عملت غالبية دول المنطقة على ردع تركيا عسكرياً، من خلال عدة إجراءات، منها: المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة، فقد اشتركت مصر وفرنسا في أكثر من 5 تدريبات مشتركة، خلال عام 2020؛ فضلاً عن المناورات العسكرية المصرية اليونانية مثل «ميدوزا 10»؛ إلى جانب المناورات العسكرية المشتركة بين فرنسا وكل من قبرص واليونان، وفرنسا والإمارات العربية؛ وفقا لما أشار إليه تقرير «مصر وأمن شرق المتوسط».
نشرة جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز المصري، تطرقت إلى توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط، الميثاق الخاص بالمنتدى، في 22 سبتمبر 2020، ليصبح منظمة دولية حكومية بمنطقة المتوسط، تضم: مصر، اليونان، قبرص، إيطاليا، الأردن وإسرائيل؛ وذلك بحضور ممثلين للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بصفة مراقب؛ حيث أوضح المهندس طارق الملا، أن منظمة غاز شرق المتوسط، تطورت تدريجياً، في وقت قياسي، لم يتجاوز 20 شهراً، علاوة على تشكيل الأجهزة التابعة؛ مؤكداً أن المنتدى يتطلع إلى عضوية دول المنطقة، طالما كانت أهدافها تتماشى مع أهداف المنتدى، وتتشارك نفس أهدافه، لتحقيق الغاية المشتركة، من أجل رفاهية دول المنطقة وشعوبها، مع التأكيد على رفض أية أعمال عنف تشكل عائقاً؛ منوهاً إلى أن المنتدى نجح في أن يكون استثناء للقاعدة التاريخية، من خلال مساعيه الفريدة في أن يجعل من ثروات الطاقة دافعاً لإنهاء النزاع في المنطقة.
تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، «مصر وأمن شرق المتوسط»، اعتبر تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، في 2019، من جانب 7 دول: مصر، اليونان، إيطاليا، الأردن، فلسطين، قبرص، وإسرائيل؛ ثم تحويله إلى منظمة إقليمية، في 2020، كانت احدى أهم الأدوات السياسية الفعالة لتطويق التحركات التركية المستفزة بالمنطقة وردعها؛ وقد اكتسبت المنظمة زخماً مع حرص البنك الدولي على حضور جميع فعالياتها، ودخول فرنسا عضواً عاملاً، ودخول كل من: الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية كمراقبين؛ ومن جهة أخرى، برزت تحركات دبلوماسية تحذر تركيا من الاستمرار في سياساتها الاستفزازية، ومنها تحذير الاتحاد الأوروبي لها بفرض عقوبات عليها في حالة بمنطقة شرق المتوسط وليبيا، فضلاً عن تعليق المفاوضات حول اتفاقية النقل الجوي.
كان قد عقد الاجتماع الوزاري الرابع لمنتدى غاز شرق المتوسط، بالقاهرة، بحضور وزراء الطاقة: المصري، القبرصي، اليوناني، الإيطالي، الأردني، الفلسطيني، والإسرائيلي، للدول المؤسسين للمنتدى؛ وهو الاجتماع الأول لمنتدى غاز شرق المتوسط، بعد دخول ميثاق المنتدى حيز النفاذ، كمنظمة حكومية دولية مكتملة الأركان مقرها القاهرة؛ وتم الاتفاق على عقد الاجتماع الوزاري المقبل بالقاهرة، في الربع الأخير من عام 2021، وتم خلال الاجتماع الإعلان عن دخول ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط حيز النفاذ فى الأول من مارس 2021؛ كما ناقش الاجتماع سبل المضي قدماً في الأمور التنظيمية للمنتدى، بما فى ذلك استمرار رئاسة مصر للمنتدى حتى نهاية عام 2021، وستبدأ مدة الرئاسة الأولى، طبقاً للميثاق فى يناير 2022، عندما تتولى قبرص الدولة المؤسسة الأولى فى الترتيب الأبجدي ذلك الدور.
اعتمد الوزراء برنامج عمل المنتدى لعام 2021، والذي تضمن الخطوات الرئيسية المستهدفة فى سبيل الانتهاء من التجهيز المؤسسى للمنتدى، بالتوازي مع أنشطته، بما فى ذلك الدراسات والمبادرات وورش العمل.