إعْقِلْها وتَوَكَّل على اللهِ
الأحد، 25 أبريل 2021 12:00 م
دَخَلَ الأعرابي إلى مسجد النبي "صلى الله عليه وسلم" فسأله النبي "أعَقَلْتَ ناقَتَكَ"؟
قال الأعرابي: لا فقَدْ توكلتُ على الله!
فقال النبي: "إعْقِلْها و تَوَكَّل على اللهِ".
وقد ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث على الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط وألغى التوكل علىالله فهو مشرك، ومن توكل على الله وألغى الأسباب فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب هو الجمع بينهما.
إن ما نعيشه اليوم من كابوس انتشار فيروس كوفيد ١٩ بشكل كبير من وجهة نظري سببه الأساسي هو الاستهانة بالأخذ بالأسباب،فاستهتار الأغلبية بالإجراءات الاحترازية من إرتداء للكمامة وغسل الأيدي والتباعد الجسدي والتوقف المؤقت عن الزيارات المنزلية والتجمعاتفي أماكن مغلقة والسلام باليد والعناق والقبلات، هو ما أدى إلى تفاقم الوضع في مصر وتحوله إلى وباء مستشري، فبعد أن كانت الأمورفي حدود المعقول ولم نكن نسمع عن كل هذه الأعداد التي تشمل أسر بأكملها بسبب حرص الأغلبية على الالتزام في السابق، أصبحنانستيقظ يوميا على أنباء إصابات بين الأقرباء والأصدقاء والجيران، وبدأت الدائرة تضيق بشكل مرعب، ومع ذلك لايزال الكثيرون يعيشوننفس حالة الإنكار واللامبالاة، ولا يستفيقون إلا حين يجربون بأنفسهم ويتأكدون من أن الأمر ليس هزليا أو بسيطا.
أما الكارثة الكبرى والتي تزيد من "الطينة بلة " فهي انعدام الضمير في التعامل مع الآخرين أثناء الإصابة بالمرض، وبالتالي المساهمة فيانتشار العدوى بشكل كبير في المجتمع، فنجد من ينكر أنه مصاب بالكورونا أصلا ولديه إصرار على أنه مجرد دور برد عابر، وبالتالييمارس حياته بشكل شبه طبيعي من حيث التنقل والعمل والتسوق والاختلاط وربما القيام بزيارات أيضا، وهناك من يعلم جيدا أنه مصابولكنه يعتبر إصابته سُبَة في حقه فلا يخبر أحدا حتى لا يلام على لامبالاته التي تسببت له في المرض، ويضطر أيضا كي لا يثير الشبهاتأن يخالط ويتعامل بشكل طبيعي، وهناك فئة أخرى مع الأسف لا تراعي حياة الغير أيضا وهم المخالطين الذين لم تظهر عليهم أعراض، فمثلايصاب أحد أفراد الأسرة بالمرض بشكل قوي ويجري هو فقط المسحة التي تؤكد إصابته فيعزل نفسه، أما باقي أفراد الأسرة من المخالطينفيمارسون حياتهم بشكل طبيعي جدا سواء بالذهاب للمدرسة أو العمل ولقاء الأصدقاء، وفي الأغلب فإن هؤلاء حاملين للمرض دون ظهورأعراض وبمخالطتهم للغير يقومون بنشره، ومن الغير للغير انتقلت العدوى دون توقف من أسرة لأسرة حتى أصيب أغلب المجتمع، وفقدتالعديد من الأسر أفرادا ربما كانوا من المحافظين على جميع الإجراءات ولا ذنب لهم إلا أن حظهم وقدرهم أوقعهم في مخالطة فئة ممن قررواإيذاء الغير دون رحمة، حتى أنهم ربما تسببوا في إزهاق روح لم تقوى مناعة جسدها على مقاومة الفيروس اللعين.
شيء لا يستوعبه العقل حقا، فهل يحتمل ضمير إنسان سوي أن يكون سببا في كارثة لأسرة أخرى لمجرد أنه لا يرغب في عزل نفسه حتىيشفى أو يشفى من يخالطه، هل يعقل ألا يكترث الإنسان سوى لمصلحته الشخصية دون مراعاة باقي البشر ؟ هل الذهاب للمدرسة أوحضور اختبار أو التسوق أهم من حياة وصحة إنسان آخر، وأن تعلو مصلحته الشخصية على مصلحة المجتمع ككل!.
أكتب هذه الكلمات لعل قارئها يستوعب مدى الضرر الذي تسبب فيه، أو قد يتسبب فيه إن لم يحافظ على سلامته وسلامة الآخرين، فالمسألةلا تقع في نطاق الحرية الشخصية أبدا فأنت حر إن لم تضر، وحريتك تنتهي عند الإضرار بالآخرين، وبما أن هذا الفيروس اللعين ينتقلبصورة سريعة وبأساليب مختلفة ولا تظهر أعراضه في بدايات الإصابة به فلا يحق لك التخلي عن الكمامة أثناء تواجدك وسط البشر، ولايحق لك التواجد وسط الأصحاء إن كنت مريضا أو مخالطا لمريض وإلا تعتبر متهما بالشروع في القتل.
معلومة هامة أيضا قد يغفلها بعض من أصيبوا ومَنَّ الله عليهم بالشفاء، وهي أن هناك من يصاب عدة مرات فلا تعني إصابتك مرة أن تعيشحياتك فيما بعد بشكل طبيعي إذ ربما تصاب وتقوم بنقل العدوى مرة أخرى، كما أكد الأطباء أيضا أن تلقي اللقاح لا يعني عدم إحتماليةالإصابة، كما ذهبت بعض الآراء إلى أن متلقي اللقاح قد دخلت جسده نسبة بسيطة من الفيروس وقد يعتبر حاملا للمرض واحتمالية نقلهللعدوى واردة بعد تلقيه اللقاح، لذا فالالتزام بالإجراءات الوقائية يعد أمرا حتميا على الجميع دون استثناء إن أردنا السيطرة على الإعصارحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وفي النهاية أسأل الله للجميع السلامة وللمرضى الشفاء العاجل والرحمة لمن رحلوا والصبر لمن فقدوا من الأحباء بسبب هذا الوباء الذي وقفأمامه العلم والعلماء في حالة عجز ، وحتى الآن ليس علينا ولا بأيدينا سوى الأخذ بالأسباب وهو أمر حتمي بعد التوكل على الله القادر وحدهعلى رفع البلاء، ففوق كل ذي علم عليم "، ولنتذكر أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فلنتق الله جميعا ولنغير من عاداتنا التيتعتمد على التواكل لا التوكل حتى يرفع الله عنا الغمة وتمر علينا بسلام بأمر كن فيكون.
اللهم إنا نستودعك أجسادنا وصحتنا وصحة أحبتنا يا من لا تضيع عنده الودائع ، ونعوذ بكلماتك التامات يا الله من شر ما خلقت فالطف بنايا مولانا فيما جرت به المقادير .. آمين .