مسارات متوازية من التعاون الدولى، تتخذها جامعة الدول العربية في المرحلة الراهنة، في سبيل تحقيق أكبر قدر من الكفاءة في العديد من المجالات إلى جانب تعزيز الأولوية التي يضعها الكيان العربى المشترك في إطار تنويع التحالفات مع العديد من القوى الدولية، وهو ما يساهم فى تجاوز الأزمات في المنطقة العربية، سواء بشكلها الصراعى التقليدي، أو في صورتها الجديدة التي باتت تتجاوز النطاقين الزمنى والجغرافى، مما يفرض طبيعة جديدة تحتاج إلى استحداث وسائل جديدة في معالجتها، على غرار أزمة كورونا، والتي تعد أبرز الأمثلة، في ظل عجز العديد من الدول المتقدمة عن مجابهتها والتعامل معها رغم ما تملكه من إمكانات علمية ومادية وعملية، ربما تعطى انطباعا "كاذبا" على قدرتها على تجاوز الأوبئة.
ولعل الأزمات الجديدة التي باتت تهدد العالم، قد كشفت بجلاء الحاجة، الاعتماد ليس فقط على التعاون الدولى بصورته التقليدية، وإنما انتهاج أسلوب يقوم في الأساس على تنويع التحالفات، بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الشراكات الدولية، والتي من شأنها التعامل مع مختلف القضايا الدولية والإقليمية، وهو ما يساهم في تحقيق المنافع المتبادلة، خاصة في أوقات الأزمات، ليكون التحرك على كافة المسارات في وقت الأزمة، وهو النهج الذى تتبناه جامعة الدول العربية، منذ سنوات، بينما جاءت أزمة كورونا لتكون بمثابة فرصة لجنى ثمار الدبلوماسية العربية التي تتبناها الإدارة الحالية للكيان العربى المشترك منذ بداية حقبتها قبل 5 سنوات.
فلو نظرنا إلى الشراكات التي تحققت على مختلف المسارات، منذ اندلاع أزمة كورونا، نجد أن ثمة جهود كبيرة لتوطيد العلاقة بين الجامعة العربية ومختلف القوى الدولية المؤثرة، من أجل تجاوز الوباء وتداعياته، في مختلف الاتجاهات، بدءً من الجانب الصحى، عبر الحصول على اللقاح، مرورا بالناحية الاقتصادية، وانتهاءً بالتكنولوجيا، ناهيك عن المزايا السياسية المترتبة على النجاح المنقطع النظير في التواصل مع مختلف الأطراف الدولية، خاصة فيما يتعلق بقدرتها على الحفاظ على مسافة متساوية ومتزنة مع كافة الأطراف في المعادلة الدولية في المرحلة الراهنة، والتي تعد بمثابة مرحلة "مخاض" سوف تنم لا محالة عن ميلاد نظام عالمى جديد، لا تبدو فيه القيادة الدولية مقتصرة على قوى واحدة.
وهنا يمكننا القول أن الكيان العربى المشترك نجح في تحقيق التقارب مع القوى المتنافسة، في الشرق والغرب، وهو ما يبدو واضحا في العلاقة القوية مع الصين، وروسيا من جانب، والاتحاد الأوروبى، والذى يمثل أقرب شركاء الولايات المتحدة من جانب أخر، في انعكاس صريح لما يمكن تسميته بـ"الحليف المتنوع"، والذى لا يتخلى عن ثوابته، والقائمة على حماية الهوية العربية وتمثيلها من جانب، بينما يبقى منفتحا على جميع الأطراف الدوليين في ظل إدراك واضح لحقيقة مفادها أن التعاون الدولى في المرحلة الراهنة لا يقتصر بأى حال من الأحوال على قوى معينة.
ولم تقتصر التحالفات على الصين، وإنما هناك أيضا اليابان، والتي تتعاون معها الجامعة العربية فيما يتعلق بقضية التحول الرقمى، والحصول على الدعم التكنولوجى، ناهيك عن الاتحاد الأوروبى، والذى تجلى التعاون معها في مجال الطاقة في تنظيم ورشة عمل بعنوان "تمويل أدوات كفاءة الطاقة المبتكرة"، ناهيك عن التعاون في مجال التعامل مع الأزمات الأخرى، على غرار كورونا، ليكون التعاون العربى الأوروبى أحد ثمار الاجتماعات التي نظمتها الجامعة مع مسئولي القارة العجوز.
يقول الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في كلمته أمام الدورة الثانية للاجتماع الوزارى للحوار السياسى العربى – الياباني، والتي عقدت الخميس، إن المجتمع الدولى لم يشهد لحظة كان فيها أحوج إلى التعاون والتعاضد بين دوله ومؤسساته من هذه اللحظة، في ضوء تفشى فيروس كورونا، معربا عن تطلعه لدعم اليابان المستمر للقضايا العربية.
وهنا تمكنت الجامعة العربية على المستوى الدولى، من خلق ما يمكننا تسميته بـ"شبكة" من العلاقات مع دول الجوار الإقليمى، خاصة وأنها منظمة تمتد حدودها المترامية الأطراف بين قارتى آسيا وإفريقيا، بينما تحمل حدودا مهمة مع قارات أخرى، كالجوار الأوروبى والمتوسطى، بالإضافة إلى القوى الآسيوية، وهو ما خلق، بعدا استراتيجيا، يمكن من خلاله التعامل مع الصراعات التقليدية، في ظل تداخل العديد من الأطراف الدولية فيها، في ظل منافسة "النفوذ" سواء بين القوى الدولية الكبرى، والساعية إلى الوصول إلى قمة النظام الدولى، أو بين القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تسعى فيها الدول غير العربية إلى إذابة مفهوم الهوية لصالح توسيع دورها على حساب الدول الرئيسية في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
وتحمل الصراعات التقليدية التي شهدتها المنطقة العربية، هي الأخرى طبيعة مختلفة في الآونة الأخيرة، وهو ما بدا في تنامى بعدها الأهلى، بالإضافة إلى التداخل الدولى، فأصبحت تقدم "ازدواجية" صراعية، بين القوى الساعية إلى الهيمنة على السلطة في الداخل، بينما تتنافس الدول على الهيمنة من خلال دعم أطراف بعينها، على حساب الأخرى، وهو ما يعنى أن التحرك نحو حل الأزمات لا يمكن أن يقتصر على معالجة الجانب الداخلى، وإنما يشمل بعدا دوليا.
فلو نظرنا إلى الأزمة السورية، كنموذج، نجد أن ثمة أدوار دولية متداخلة، إثر التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، في الوقت الذى تحاول فيه القوى الإقليمية إلى تهميش الهوية العربية، لتحقيق المزيد من النفوذ، وذلك على حساب العديد من التداعيات الإنسانية الكارثية، التي يعانى منها ملايين المواطنين في الداخل، وهو الأمر الذى أضاف المزيد من الأبعاد للأزمة، لتتجاوز النطاقين الزمنى والجغرافى المحدود، وهو ما يبدو كذلك في طول الفترة الزمنية للأزمة، والذى تجاوز العقد من الزمان.
وهنا كان تحرك الجامعة العربية على المستوى الدولى، يقوم في الأساس على البعد الإنسانى، عبر التعاون مع القوى الدولية المؤثرة، والتي من شأنها القيام بدور أكبر في التعامل مع الأزمة من أجل إنهاء معاناة ملايين البشر في المستقبل القريب، وهو ما يبدو في المشاركة الفعالة في مؤتمر بروكسل الخامس لدعم مستقبل سوريا، والذى عقد في 30 مارس الماضى، في انعكاس صريح للمساعى التي يتبناها الكيان المشترك من أجل تعزيز المستقبل، رغم المعوقات التي وضعتها التجاذبات الدولية والإقليمية منذ بداية الأزمة.
وفى هذا الإطار، قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكى، في كلمته خلال المؤتمر، إن الأزمة السورية ممتدة عبر عشر سنوات وتنتقل من مرحلة لأخرى من مراحل صراعها، حاملة معها قدراً لا يُمكن تصوره من المعاناة الإنسانية وتزايد معدلات اللجوء والفقر، والتدخلات الخارجية والاحتلال، وضياع المقدرات الوطنية لهذه الدولة العربية العزيزة، موضحا أن أخطر ما يُعاني منه السوريون اليوم هو ما يمكن تسميته بالاعتياد على الأزمة، وكأن ما يجري من دمار وتشريد قد صار وضعاً طبيعياً.