خريطة الأطماع التركية 2050

السبت، 06 مارس 2021 05:45 م
خريطة الأطماع التركية 2050

هل تمتلك تركيا مقومات عودة الاحتلال العثماني من جديد؟ 
لماذا أعلن أردوغان العمل على إرجاع ميراث أجداه؟ 
هل القوى الدولية ستترك ديكتاتور تركيا لتحقيق أوهامه؟ 
 
 
لا يمل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من مغازلة أنصاره، ودغدغة مشاعر دراويشه ومريديه، بالحديث عن عودة الخلافة الإسلامية، ولكن من خلال إحياء الاحتلال العثماني، وتلبية الأطماع التوسعية لبلاده.. وهو ما يظهر بوضوح وجلاء في السياسة الأردوغانية الحالية، وتدخل تركيا في شؤون الدول الأخرى، مثل سوريا وليبيا، واليونان والقبرص وأذربيجان، رغم محاولات تبرير وجودها في هذه البلدان.
المتابع للإعلام الأردوغاني، سوف يجد أن النشرات الإخبارية، أو المواقع الإلكترونية، أو الصحف، قلما تخلو من الحديث عن الدور التركي الاحتلالي في هذه البلاد، سواء بالموافقة والترويج لأطماع أردوغان التوسعية، أو بالرفض والتحفظ على هذه السياسة التي يرون أنها ستجلب على تركيا المزيد من المتاعب والمشاكل، التي هي في غنى عنها الآن. 
 
🔸 خريطة الأطماع التركية 
 
لكن أردوغان- كعادته- لا يستمع إلى الأصوات المعارضة.. ونادرًا ما تخلو مؤتمراته- وخاصة المؤتمرات الجماهيرية التي ينظمها حزبه الحاكم «العدالة والتنمية»- من حديثه- تلميحًا أو تصريحًا- عن بعض النوايا الاحتلالية، واعتزامه العمل على إرجاع ميراث أجداده.. تزامنًا مع محاولة سلطاته نشر هذا الإحساس التوسعي خارج أنقرة.. وهو ما بدا واضحًا من نشر وسائل إعلام تركية مقربة من أردوغان خريطة من كتاب بعنوان «100سنة القادمة: التوقعات للقرن الـ21». 
 
مؤلف الكتاب «جورج فريدمان» توقع عودة النفوذ التركي، إلى مناطق كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى.. ونشرت قناة تركية موالية لنظام أردوغان، هذه الخريطة مصحوبة بإبراز تنبأ «فريدمان» بـ«ضم بلاد الشام والعراق والسعودية والإمارات وروسيا إلى تركيا، بحلول عام 2050»، لكن توقيت نشر «خريطة الأطماع التركية» في وسائل إعلام أردوغان، يدفعنا إلى طرح تساؤلات عدة: لماذا هذا التوقيت تحديدًا؟ وهل تركيا يمكنها التمدد «فعليًا» في الدول المستهدفة خلال ثلاثين عامًا من الآن؟ وهل البلدان المذكورة ستقبل الاحتلال التركي، والخضوع لإدارته؟ وهل سيقف العالم مكتوف الأيدي أمام الأطماع التركية؟
 
🔸 أوهام أردوغان 
في العام الماضي 2020، نشرت وسائل إعلام دولية وعربية، تقارير تفند فيها «شطحات» رجب أردوغان، وتوهمه بأنه ما يزال يستطيع بعث الدولة العثمانية من جديد، وهذا ما يفسر تحركاته الخبيثة في سوريا والعراق وليبيا، حيث تمتد الأطماع التركية من جبال كردستان بالعراق وشمالي سوريا إلى ليبيا، مرورا بتونس التي تشكل بوابة أوروبا بالضفة الجنوبية للمتوسط، وصولا إلى مساحات واسعة من شمال اليونان وجزر بحر إيجه الشرقية، ومن أجل تحقيق الوهم العثماني لأردوغان. 
 
ولعل أوهام الرئيس التركي بإحياء الحكم العثماني، هو ما يفسر افتعال أنقرة النزاعات وتأجيجها بالتدخل العسكري في سوريا وليبيا. فمنذ 2003 يتزايد التدخل التركي العسكري في شمال العراق، بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني.. كما استغلت تركيا الأزمة السورية منذ 2011 لاقتطاع جزء كبير من الشمال السوري.
 
وفي ليبيا، أبرمت أنقرة اتفاقًا عسكريا مع «حكومة فايز السراج» في طرابلس، يسمح للأتراك بالتواجد العسكري عبر القواعد البرية والبحرية. كما وافق البرلمان التركي على إرسال قوات نظامية وآلاف المرتزقة إلى ليبيا. بينما في قطر، أقامت تركيا قاعدتين عسكريتين فيها. 
 
 سياسة «جر الشكل» 
والمتابع للسياسة التركية تجاه اليونان وقبرص، سوف يلاحظ أن أردوغان يفتعل الأزمة تلو الأخرى مع هاتين الدولتين في البحر المتوسط، بسبب النفط والغاز، للاستيلاء على أجزاء منهما وتحقيق أوهامه الاستعمارية. ولعلنا نتذكر تهديد الرئيس التركي لليونان، العام الماضي، بسبب التوترات المتصاعدة في شرق البحر المتوسط، قبل يوم من بدء قواته تدريبات عسكرية في المنطقة، قائلًا: «سيفهمون أن تركيا لديها القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، لتمزيق الخرائط والوثائق غير الأخلاقية»، بحسب تعبيره، في إشارة إلى المناطق المتنازع عليها، التي تطالب بها اليونان وقبرص كمناطق اقتصادية خالصة.
لكن هل تركيا- بالفعل- لديها من القوة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية ما يؤهلها لخوض حروب توسعية ضد دولتين أوروبيتين، ودول عربية أخرى، أم أن تهديد أردوغان لا يعدو كونه «طق حنك»، كما يقول أهلنا الشوام؟ وكيف تتمدد تركيا، أوروبيًا وعربيًا، وهي غارقة في مشاكلها الداخلية؟
 
🔸 التمدد خارجيًا لتهدئة الأتراك
 أردوغان يعلم جيدًا الأزمات الداخلية التي تغرق فيها أنقرة، سواءً كانت أزمات اقتصادية، وانهيار الليرة التركية، أو أزمات سياسية بتراجع شعبيته، واستعدائه لقوى داخلية «المعارضة»، وخارجية «أوروبية، وعربية، وأمريكية».. لذا لجأ إلى التمدد الخارجي، على الأقل لتهدئة الرأي العام التركي، وإيجاد ذريعة لتأجيل المواجهة الحقيقية مع الأتراك، خاصة مع تزايد أعداد العاطلين، والمعتقلين. 
 
فالوضع الاقتصادي المتراجع يمثل كابوسًا لدى الأتراك، ما اضطر أردوغان لاستبدال الإدارة الاقتصادية برئاسة صهره بيرات ألبيرق، إثر فشلِها في ضبط سعر صرفِ الليرة، وخفض مستوى التضخم، وكبح ارتفاع الأسعار.. وبحسب بيانات البنك المركزي التركي، فقدت احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد 21.5 مليار دولار في (2020)، وسط تزايد الضغوط على الليرة وندرة النقد الأجنبي. كما أكد بيان لوزارة التجارة التركية، مطلع فبراير الفائت، أن عجز الميزان التجاري (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات)، بلغ 3.075 مليار دولار خلال يناير الماضي.
 
وأظهرت بيانات رسمية تركية أن عدد الباحثين عن العمل في البلاد بلغ بنهاية نوفمبر 2020، نحو 4.05 مليون، بمعدل بطالة بلغ 12.9%. وتراجع عدد المشتغلين في تركيا بمقدار 1.1 مليون إلى 27 مليونا و66 ألف عامل بنهاية نوفمبر الماضي، مقارنة مع الفترة المقابلة من 2019، إذ بلغ معدل التوظيف 42.9% بانخفاض 2.7 نقطة مئوية.. فيما ذكر بيان لهيئة الإحصاءات التركية، أن معدل التضخم قفز لأعلى مستوى له، بنسبة 14.6% خلال ديسمبر الماضي، بينما كان سجل 14.03% خلال نوفمبر.
 
ووفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، يناير الماضي، فإن تركيا باعت أكثر من 36 طنًا من المعدن الأصفر في الفترة من سبتمبر 2020 إلى منتصف يناير الماضي. وتراجع احتياطي تركيا من الذهب بنهاية الربع الثالث من العام الماضي، إلى نحو 583.3 طن.. كما تراجعت إيرادات السياحة التركية بنسبة 65.1% خلال 2020 على أساس سنوي، لتسجل 12.05 مليار دولار أمريكي، نزولا من 35 مليار دولار أمريكي مسجلة في العام السابق له 2019، وسط هبوط حاد لعدد السياحة الوافدة.
 
🔸 انتخابات رئاسية مبكرة
كما يواجه أردوغان غضبًا متزايدًا في الداخل، وصل إلى حد المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في البلاد، على أمل الإنقاذ من الفشل الأردوغاني، وأطماعه في دول الجوار، واستعداء القوى الإقليمية والدولية ضد تركيا. فمن خلال استطلاع للرأي في تركيا، أعدته شركة «أكسوي» للأبحاث، قال 61% من المشاركين في الاستطلاع إن الأوضاعَ في البلاد ساءت في عهد أردوغان، مقابل 17% رأوا أنها تحسنت، في حين اعتبر 14% أن الأوضاع بقيت على حالها. وطالب أكثر من 53% بالعودة إلى النظام  البرلماني، فيما تمسك نحو 28% بالنظام الرئاسي.
 
وما زاد الأمور تعقيدًا، وسوءًا في الداخل التركي، إصرار الرئيس الإخواني على صياغة دستور جديد للبلاد، رغم المعارضة السياسية الواسعة لهذه الخطوة.. فقد نقلت وكالة «أناضول» الرسمية عن أردوغان: «نعتقد أن أهم مسؤوليات المؤسسة السياسية تخليص تركيا من أغلال الدستور الانقلابي»، بحسب وصفه. مضيفًا: «مصممون على استكمال دستور مدني جديد وطرحه على الشعب لإبداء رأيه فيه». 
 
بينما اعتبر زعيم المعارضة التركية، كليجدار أوغلو، أن الحكومة الحالية حكومة «انقلاب مدني»، مرتئيًا أن الوضع الحالي لا يسمح بسن دستور جديد يتوافق مع المعايير العالمية. وأكد لصحيفة «زمان» أن الوضع الحالي لا يسمح بدستور ديمقراطي جديد للبلاد، قائلا: «المناخ في تركيا حاليا هو مناخ انقلاب مدني لا مناخ دستور مدني». مضيفا: «تركيا تشهد حالة توتر شديدة وتحتاج إلى تخفيف وهدوء، هناك أناس ينامون جائعين، وهناك عاطلون عن العمل».
 
🔸 أردوغان والحمار
ذا كانت الأوضاع الداخلية التركية بهذا السوء، اقتصاديًا وسياسيًا، فلماذا يغامر أردوغان عسكريًا؟ وعلى أي شيء يعتمد؟ وهل لا يدرك أن القوى الدولية لن تتركه يتمادى في نزواته، وأوهامه التوسعية إذا ما استشعروا تهديدًا حقيقيًا لمصالحهم؟ 
 
قطعًا أردوغان يدرك ذلك، بل أكثر من ذلك.. لكنه يراهن على عامل «الوقت».. فخلال الأعوام الثلاثين- وقت نشر خريطة الأطماع التركية في 2020، وحتى عام 2050- قد تختفي قوى وتظهر قوى أخرى.. وربما تختفي أنظمة وتظهر أخرى.. بل من الوارد جدًا أن يموت أردوغان نفسه، صاحب الـ67 عامًا، وحينها سيفلت من مساءلة شعبه. 
 
وما يراهن عليه الرئيس التركي، في أوهامه التوسعية، هو ما راهن عليه حجا.. إذ يُحكى أن أحد الولاة، أصيب في عقله، وكان عنده حمار، وأراد أن يعلم «حماره» الحروف الهجائية، والقراءة والكتابة.. فطلب الوالي من حاشيته أن ينشروا الأمر بين الناس، لعله يجد مَن يحقق له مراده.. فتهامس الناس، وتغامزوا على الوالي، متسائلين: أيعقل تعليم الحمير؟ 
 
لكن «جحا» لما سمع بالإعلان، كان له رأي آخر.. إذ ذهب إلى الوالي، وقدم نفسه إليه باعتباره «مُعلمًا للحمير والبهائم»، وأن لديه مدرسة في أحد البلدان البعيدة لتعليم الحمير، ليس اللغة العربية فقط، بل تعلمهم اللغات الأجنبية أيضًا.. ففرح الوالي واتفق مع جحا أن يبدأ بتعليم الحمار.. إلا أن الأخير اشترط حجا على الوالي أن يعلم الحمار في غرفة معدة خصيصًا لذلك داخل قصره، وأن يوفر له مَن يقوم على خدمته، وأن يمنحه مهلة 10 سنوات، على أن يُصرف له راتب يليق بمعلم قدير مثله، طوال تلك المدة.. وحال نجاحه في تعليم الحمار من حقه الحصول على مكافأة سخية.
 
وافق الوالي على شروط جحا، إلا أنه حذره حال فشل مهمته سيكون مصيره التعذيب والسجن، فقبل جحا، وتعهد بذلك أمام حاشية الوالي ووزرائه الذين استغربوا من تهور جحا، واعتبروا صنيعه هذا جنونًا.. فلما خرج جحا من مجلس الوالي استوقفه أحد الحكماء، قائلًا له: يا أحمق، هل هناك حمار يتعلم القراءة؟ أمجنون أنت؟ فضحك جحا، وقال له: خلال السنوات العشر- مدة تعليم الحمار- إما أن يموت الوالي، أو أموت أنا، أو يموت الحمار!
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق