حسنات وفتكات

الأحد، 31 يناير 2021 10:00 ص
حسنات وفتكات
حمدي عبد الرحيم

 
الحسنات جمع حسنة وهذه معروفة، أما الفتكات فهي نحت من "الفتاكة المصرية" وتلك معروفة أيضًا، فهناك سمات شخصية تميز وتظهر "الفتك المصري" إنه ذلك الذي يعرف كل شيء وجاهز على مدار الساعة لأن يفتي في أمور هي فوق العرش أو تحت الثرى، ثم هو يكره كراهية التحريم جملة "لا أعرف".. إنه يفر منها فرار السليم من الأجرب، ومع ادعائه لمعرفة كل شيء وأي شيء فهو يؤمن أن مجرد حضوره يكفي لحل أعقد المشكلات حتى تلك التي يحار العلماء والمتخصصون في حلها، لأنه جاهز دائمًا بسلة ممتلئة من الأفكار الخرافية التي تقدم حلًا خرافيًا لا يقوم على علم ولا يستند إلى تجربة، فهو يقترح عليك مثلًا تزوير بطاقة الرقم القومي بوهم أن أحدًا لن يعرف بالأمر، ويؤكد لك إنه قد فعلها ومرت، فإن جادلته وقلت له إنها لن تمر تحولت شخصيته (خفيفة الظل) إلى شخصية النطع الذي يسارع باتهامك بقلة الإيمان، لأنك إن توكلت على الحي الذي يموت فهو سيستر عليك!
أهل الفتاكة تخلوا عن خفة ظلهم وحلولهم المضحكة وذهبوا إلى ساحة الدين فتصدروا مشهدها وعلت كلمتهم حتى كأنها من الحقائق المجمع على كونها من المعلوم من الدين بالضرورة!
ولكي تكون على بينة من الأمر سأنقل لك هنا ما سبق لي كتابته في بدء ظهور الفتاكة في ساحة الدين، لقد كتبت: "أستغفر الله ربى العظيم وأتوب إليه، كان يرددها سعيد وهو يمسح من جهاز الكمبيوتر عشرات الرسائل التي تعد من يعيد إرسالها بالجنات ونعيمها والأجر والثواب بلا عدد أو حساب، وتتوعد من يهملها أو يحذفها بالثبور وعظائم الأمور. فمنذ أول رسالة من هذا النوع وصلته وهي تحمل أحد الأدعية ويدعى صاحبها أن هذه الرسالة تنجى من يقرأها ويعيد إرسالها إلى 20 شخصا من عذاب القبر، ورسالة أخرى تحمل حديثا نبويا ينجي قارئه من الفقر وأخرى تحمل عبارات دينية تنقذه من عذاب النار حتى تملكته الرغبة في الحصول على كل هذه الحسنات وصار كلما استلم رسالة أعاد إرسالها لكل من يعرفه وهو فرح بأنه أصبح يمتلك من الحسنات والأجر والثواب ما لا عد له ولا حصر!
ولكن الريبة تملكته بعدما أحس أنه بعد كل هذه الرسائل صار يملك من الحسنات ما يجعله في مصاف الأنبياء والعياذ بالله، فقرر أن يستفسر من شيخ الجامع الذي يصلى فيه، فضحك الشيخ وقال له: يا أخ سعيد هل الحسنات حلوى كي توزع بهذه السهولة؟ ضربة واحدة على الكي بورد وأصبحت تمتلك 10 آلاف حسنة؟ فعلام إذن التصدق والعمل الصالح وكفالة اليتيم وإطعام الفقير إذا كانت الحسنات تأتى من مجرد إعادة إرسال رسالة وتوزيعها؟ 
 
خجل سعيد وقال: ولكن يا شيخنا هذه الرسائل تحتوي على أحاديث نبوية شريفة!.. حتى لو كانت أحاديث صحيحة وموثقة فإن نشرها لن يجلب لك الأجر والثواب بهذا الشكل المبالغ فيه (واسترسل ضاحكا) ولو كان الأمر بهذه السهولة لتركت إمامة المسجد وتفرغت لإرسال الرسائل ليلا ونهارا!.
- ولكن يا شيخنا ماذا يستفيد من يكتب هذه الرسائل؟ 
 
ـ الله أعلم بنياتهم، ربما يريدون ترويج بعض الأحاديث الضعيفة أو ربما يريدون إلهاء المسلمين بهذه الرسائل وإيهامهم بأنها تجلب لهم الأجر والثواب بدلا من التعب والسعي وراء العمل الصالح"
 
هل رأيت مضآر " الفتاكة " إنها بكل بساطة تقعد عن العمل وتدخل في الدين ما ليس فيه، الدين هو دين عقيدة وعمل ، عمل جاد شاق منسوج من الإخلاص والإتقان ، فيأتي الفتك فيروج لطائفة من الأكاذيب مستترًا بالرغبة في زيادة حسنات الناس وحثهم على الطاعة ، فأحدهم يرفع صوت المذياع بالقرآن ليل نهار بزعم أنه يدعو الناس للاستماع إلى القرآن ، وهو بهذه الدعوة سيدخل الجنة بدون حساب لأنه يستند إلى جبال من الحسنات ، وأنا لا أعرف عن أي حسنات يتحدث هذا الذي يزعج الناس بمذياعه صاخب الصوت ويفرض عليهم فرضًا مراعاة لظروفهم الاستماع إلى التلاوة وليس الانصات والتدبر ومن ثمّ العمل بمقتضى الآيات الكريمة.
 
يطب لي أن أذكر الفتك بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وكل تحايل أو غش أو تدليس قد يجوز على الناس ولكن لن يجوز على علام الغيوب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق