يوسف أيوب يكتب: منتدى شرق المتوسط.. المشروع الذي وجه أكبر لطمة لحرامية الغاز الطبيعي
السبت، 02 يناير 2021 10:00 م
نكشف تفاصيل الغضب التركى من إفشال مصر لمخطط أردوغان بسرقة ثروات البحر المتوسط.. ودور "الإعلام المعادى" في دعم "لصوص أنقرة"
حالة من الغليان تسود الأوساط التركية، لكن هذه المرة ليست نابعة من "الخط الأحمر" الذى رسمته مصر أمام الميليشيات الإرهابية المسلحة في ليبيا والمدعومة من تركيا، فالسبب هذه المرة هو "منتدى شرق المتوسط" الذى دعت له مصر وأسسته.
أخر هذه المحاولات التركية البائسة لمحاولة ضرب المشروع، كان من خلال "فيديو" بثته ذراع إعلامى جديد تابع لقناة "الجزيرة" القطرية، أسمته هذه المرة منصة "ميدان"، حاول تصوير المشروع على أنه دليل على تراجع مكانة مصر علي الصعيد الإقليمي خاصة في ملف "شرق المتوسط" عبر الادعاء بإن مصر بددت حقوقها في الثروات النفطية، وسعى الفيديو في بعض اجزائه للتأكيد على أن خط انابيب "ايست ميد" الذى اتفقت عليه كلاً من قبرص واليونان وإسرائيل في أثينا قبل عدة أشهر، لنقل الغاز إلى أوروبا، ويبلغ طول الخط نحو 1900 كيلوا، أنه قضى على أحلام مصر في التحول لمركز إقليمي للطاقة، وهى محاولة مكشوفة لخلط الأوراق، عادة ما تلجأ إليها تركيا عبر إعلامها الموالى، للإيهام والايحاء بصدق أكاذيبهم.
فنكوش "أيست ميد"
تتحدث تركيا عن "أيست ميد" على أنه الخطر الذى يهدد مستقبل مصر، دون أن يقتربوا من تفاصيل المشروع، المعلنة في كل وسائل الإعلام الأجنبية، ومنها أنه تم طرحه مع تنامي اكتشافات الغاز شرق المتوسط، ويستهدف الربط بين حقوق الغاز في قبرص وإسرائيل مررًوا باليونان ومنها إلى إيطاليا ومن ثم أوروبا، وقد تم الاتفاق على الانتهاء من تنفيذ المشروع عام 2025، ووفقاً لدراسات عدة، فإن "أيست ميد" يواجه تحديات عدة في مقدمتها التكلفة الباهظة، حيث تظل فكرة التكلفة مقارنة بالعائد والأثر أحد التحديات التي تواجه المشروع، حيث يحتاج خط ايست ميد لنحو 7 مليار دولار، كما أن عمق الأنبوب تحت البحر والذى يقدر بنحو 3 آلاف متر قد يساهم في رفع تكلفة استخراج الغاز، ما يعني أن كلفة تنفيذ المشروع واستخراج الغاز مرتفعة مقارنة بالعائد.
الجانب الأخر الذى تجاهله الإعلام المعادى في "أيست ميد" أن تفاصيله تكشف حجمه الذى لا يمكن وصفه مطلقاً بالضار بأحد، خاصة ان مرحلته الأولى تستهدف نقل نحو 10 مليار متر مكعب سنوًيا من الغاز الطبيعي أوروبا، والتي تقدر احتياجاتها السنوي في حدودها الدنيا بنحو 200 مليار متر مكعب سنوًيا، هذا أذا افترضنا جدلاً أن المشروع سيظل قائماً، لإن هناك الكثير من الأحاديث التي تدور حالياً في أوساط الدول الثلاثة تؤكد وجود اتجه للاستغناء عنه لعدة أسباب، في مقدمتها ضعف التمويل، حيث تظل مشكلة توفير التمويل عائًقا أمام المشروع، خاصة في ظل التداعيات العالمية لجائحة كورونا، فضلا عن عدم جدوى المشروع في وجه نظر أصحاب المصالح أو المستثمرين، وهو ما يعيدنا ايضاً إلى الخلافات السابقة التي صاحبت طرح الفكرة في 2012، وأجلت التوقيع عليه لثمانى سنوات، يضاف إلى ذلك تشكيك إيطاليا في أهمية المشروع وجدواه، وهو ما يمثل اكبر تحدى، إذ أشار وزير الخارجية الإيطالي في يناير 2020 إلى أن "المشروع لن يمثل خياًرا على المدى المتوسط والبعيد مقارنة بمشاريع أخرى، وذلك عند أخذ التكلفة وعملية الإنشاء في الاعتبار"،ما يعني أن المشروع قد يتعثر في أي مرحلة من مراحل التنفيذ وذلك بسبب عدم الاجتماع أو القناعة التامة بجدوى المشروع.
مصر خيارًا مفضلًا للدول الأوروبية فى الاستيراد
وبعيداً عن "أيست ميد"، فإن الهاجس الذى يقلق تركيا هو اقتراب مصر من التحول لمركز إقليمي للطاقة وخيارًا مفضلًا للدول الأوروبية فى الاستيراد، إذ تعتبر مصر أحد أكثر الدول تأثيًرا وفاعلية فى منطقة شرق المتوسط، وذلك لعدة عوامل، أهمها توافر المقومات، فلدى مصر عدد من المزايا التى تؤهلها لقيادة المتوسط، سواء من خلال اكتشافها لأكبر احتياطى - 30 تريليون قدم مكعب- من الغاز الطبيعى فى المنطقة " حقل ظهر" الذى تم اكتشافه عام 2015، والذى وصل حجم الإنتاج اليومى فيه لنحو 40 %من إجمالى انتاج الغاز فى مصر، علاوة على امتلاك مصر لمحطات تسييل الغاز الطبيعى فى دمياط وادكو، التى تصل قدرتهما الاستيعابية لنحو 19 مليار متر مكعب سنوًيا، الأمر الذى يوفر فرصة كبيرة للدول المنتجة للغاز فى تصدير الغاز لمصر لتسييله ومن ثم نقلة أوروبا.
ويضاف إلى ذلك التعاقد مع منتجى الغاز، بعدما توصلت الشركات العاملة فى الحقول الإسرائيلية عبر شركة دولفيونس المصرية لاتفاق يفضى إلى تصدير نحو 64 مليار متر مكعب من حقلى تمارا وليفياثان بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، وعلى ذات المنوال وقعت مصر وقبرص فى سبتمبر 2018 اتفاقية إلنشاء خط غاز يربط بين البلدين بهدف نقل الغاز من حقل افروديت بقبرص بهدف تسييله فى مصر وإعادة تصديره. وتستهدف قبرص ضخ انتاجها لمنشآت الاسالة المصرية بحلول 2022،كما أن تكلفة المشروع وتنفيذه تقدر بنحو مليار دولار ما يعنى أن فرص تمويله أعلى بكثير من خط ايست ميد كما أن جدوى المشروع واضحة فى ذلك توافر البنية التحتية فى مصر.
ثقة العالم في القيادة المصرية تضيف مصدر ثقل جديد لمصر
ولا يجب ان نغفل حقيقة مهمة هنا، المرتبطة بالقيادة المؤسسية التي تمنح عامل الثقة بين دول شرق المتوسط ومصر، وتضيف مصدًرا إضافًيا للثقل والدور المصرى، وقد برز ذلك من خلال قيادة مصر للمتوسط، إذ نجحت القيادة السياسية فى ترسيخ قيادة للمتوسط وتفعيل دورها فى المنطقة ضمن دوائر الأمن القومى والسياسة الخارجية لمصر، وقد اتضح ذلك مباشرة منذ وصول الرئيس السيسى للحكم، حيث ُعقدت القمة الأولى للتحالف المصرى اليونانى القبرصى فى نوفمبر 2014، والتى شكلت النواة الأولى لمنتدى غاز شرق المتوسط الذى تم الإعلان عنه فى يناير 2020،قبل أن يأخذ نمطا وشكًلا مؤسسًيا خلال تحويله لمنظمة إقليمية مقرها القاهرة فى سبتمبر 2020.
ويضاف إلى ذلك نجاح مصر بفضل اكتشافات الغاز فى تحقيق الاكتفاء الذاتى وهو ما أدى إلى إيقاف استيراد الغاز فى سبتمبر 2018، بعدما وصل حجم الإنتاج اليومى لنحو 2.7 مليار قدم مكعب، وعليه فقد تحولت مصر من دولة مستوردة للغاز لدولة منتجة ولديها فائض كبير يسمح بالتصدير للخارج، فوفًقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعى 2.1 مليار دولار عام 2019 مقابل 479 مليون دولار عام2018،وقد نتج عن إيقاف استيراد الغاز توفير نحو 5.1 مليار دولار سنوًيا.
لماذا تغضب تركيا من منتدى غاز المتوسط؟
وفًقا لمنظمة المسح الجيولوجي الأمريكية، قُدر احتياطى الغاز الكامن بالمنطقة بما بين 340 إلى 360 تريليون قدم مكعب، والتي قِدرت إجمالي قيمتها المالية بما بين 700 مليار و3 تريليون دولار وهو ما يعني أن المنطقة قد احتلت المركز الثاني عالمًيا من حيث احتياطيات الغاز، وكل ما تم اكتشافه مجتمًعا فى قبرص وإسرائيل ومصر حتى الآن هو 70 تريليون قدم فقط، وتمثلت بداية الاكتشافات في المنطقة مع اكتشاف إسرائيل لحقل تمار عام 2009 ،ثم اكتشاف قبرص لحقل أفروديت في أغسطس 2011 ،ثم اكتشاف إسرائيل لحقل "ليفاثان"، ومع توالي تلك الاكتشافات، تصاعدت الخلافات حول من يمكنه استغلال الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.
من ناحية، يمكن أن يفيد هذا الغاز دول المنطقة من خلال تلبية احتياجاتها من الطاقة وتوليد عائدات التصدير، ومساعدة الاتحاد الأوروبى على تنويع إمدادات الطاقة. ولكن في ظل غياب الغاز عن الأراضىالتركية، آثر الجانب التركي عرقلة أي جهود مرتبطة باستكشاف أو تطوير الغاز بالمنطقة.
وعقب اكتشاف قبرص لـ "حقل أفروديت"، تقدمت تركيا بمقترح لحكومة "هشام قنديل" فى مارس 2012 لترسيم حدود مصر البحرية طبقاً لتصورات تركيا الخاصة بترسيم حدودها مع مصر واليونان، وفًقا لهذا التصور، سعت تركيا لتستولي على 274 كم من الحدود القبرصية داخل المتوسط، و50 كم من الحدود اليونانية، و70 كم من الحدود المصرية بالمتوسط. بالطبع، كان الغرض التركي من ذلك هو تعظيم الثروة التركية من غاز المتوسط، وقد تعاظم هذا الأمل مع استمرار وجود حكومة الإخوان بمصر. ولكن، لم يسير الأمر وفًقا لما كان مخطط له، حيث رفضت مصر وتحديداً وزارة الدفاع، واللجنة العليا لأعالى البحار، المقترح التركى لأنها رأت فيه تعدًيا صارًخا على مناطق الامتياز الخاصة بمصر، كما سارعت وزارة الدفاع، حرصًا منها على حقوق مصر، بإرسال الخريطة "الأصلية" التى توافق صحيح نصوص قانون البحار الدولى لوزارة البترول، حتى تكون المرجع الذى تستند إليه الوزارة فى طرح المزايدات البترولية طبقًا للنقاط الحدودية الرئيسية المتفق عليها مع الدول المجاورة والمتقابلة.
استمرت المحاولات الإخوانية، لاسيما التشريعية منها، لإتمام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، بل وصل الأمر إلى حد تقديم النائب الإخواني "خالد عبد القادر عودة" اقتراًحا بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بين مصر وقبرص الموقعة في القاهرة بتاريخ 17 فبراير 2003 لترسيمها على أسس خاطئة، على أن يعاد ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخاصة بين قبرص ومصر في حضور تركيا كطرف ثالث.
وإذا ما سلمنا بإن المحاولات الإخوانية حينها نجحت في تمرير الخطة التركية، واستطاعت أن تلغى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، فإن المحصلة النهائية وقتها، كانت أن حدود مصر المائية ستصبح محل نزاع، بشكل يحجم شركات التنقيب العالمية عن العمل بالحدود المائية لمصر؛ نظًرا لتوتر المنطقة، وعليه عدم اكتشاف حقول غازية كحقل ظهر أو أي حقول آخرى، وهو هدف أخر كانت تسعى له تركيا دوماً، بان تجعل مصر منكفئة على مشاكلها الداخلية، وأيضاً فتح أبواب لخلافات إقليمية.
لكن استطاعت المؤسسات المصرية من إفشال المخطط التركى الإخوانى، وجاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتؤكد التزامها باحترام ما أقرته الشرعية الدولية من قواعد وذلك عبر أكثر من محطة، بل عملت الدولة المصرية على ترسيم حدود جديدة لعلاقاتها الخارجية خاصة مع الدول المجاورة لنا، ومنها قبرص التي وقعنا معها بالإضافة إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وقعت الحكومتان في 12 ديسمبر 2013 ،اتفاق " تقاسم مكامن الهيدروكربون" لتنظيم استغلال الثروات الهيدروكربونية من المكامن المشتركة بين البلدين، وهو الاتفاق الذي اعترضت عليه تركيا أيضاً.
ولإن مصر تدير علاقاتها الدولية بتوازن وتبادل للمصالح، فقد وقعت في 6 أغسطس 2020 اتفاق تعيين الحدود البحرية مع الجانب اليوناني، هذا الاتفاق الذي يأتي في إطار أوسع من التفاعل والتعاون القائم ما بين البلدين لاسيما في ملف الطاقة، وذلك في إطار عضوية البلدين داخل منتدى غاز شرق المتوسط.
بالتأكيد فإن التحركات المصرية في هذه المنطقة أزعجت تركيا، التي أرادت دون وجه حق ان يكون لها السيطرة على منطقة شرق المتوسط، وهو ما لم يحدث أبداً.
التجاهل التركي لمقررات القانون الدولي بمنطقة شرق المتوسط
وقد عمدت تركيا خلال الفترة الماضية –وتحديدا منذ عام 2011 -إلى تصعيد تحركاتها الاستفزازية داخل المنطقة، والتي من شأنها الاستحواذ –بشكل غير شرعي- على أكبر قدر من الموارد الغازية بما يسهم في تغطية استهلاكها وتحسين أداء اقتصادها المتراجع. وتبًعا لرفضها التوقيع على اتفاق القانون الدولي للبحار والذي تعتمده دول المنطقة كمرجع قانوني لتعيين حدودها، وضعت تركيا رؤيتها الخاصة إزاء ترسيم الحدود البحرية لمنطقة شرق المتوسط بما يتلاءم مع مخططاتها التي تساعدها في الوصول إلى مناطق غنية بحقول الغاز، وتمكنها من ترسيخ نفسها كممر رئيسي للطاقة.
وفًقا لقواعد القانون الدولي، فإن المنطقة الاقتصادية لتركيا هي فقط المنطقة المشار إليها باللون البني بالخريطة أدناه، وهي منطقة بعيدة عن موقع الاستكشافات الجديدة. ولذلك، أدعت تركيا طريقة ترسيم على خالف قواعد القانون الدولى، بحيث تمكّنها من الوصول إلى مربعات رقم 10 ،و11 من المنطقة الاقتصادية القبرصية، كما قسمت أيضا المنطقة الاقتصادية القبرصية إلى نصفين (وهو المشار إليه بالخط الأحمر بالخريطة أدناه) بحيث يصبح النصف الأيسر من المنطقة تابع للمنطقة الاقتصادية التركية، بينما يتبع النصف الأيمن للمنطقة الاقتصادية القبرصية ولكن من حين لآخر تثير تركيا مضايقات بهذا النصف بحجة دفاعها عن حقوق جمهورية شمال قبرص التركية الغير معترف بها دولًيا سوى من قبل تركيا.
على صعيد آخر، تدعي تركيا سيادتها على جزر شرق بحر إيجه، التي تمثل نقطة الاتصال المباشرة بين بحر إيجه والبحار المفتوحة، وهو ما يضفي لمالكها نفوذا قوًيا على المالحة الحرة، والطيران، والأمن بشكل عام في المنطقة. ولكن، بموجب اتفاقية لوزان عام 1923، تقع تلك الجزر ضمن نطاق السيادة اليونانية.
ومع عدم القبول الدولي –لاسيما الأوروبي- بالإدعاءات التركية، اتجه النظام التركي إلى تصعيد عمليات عسكرته بشرق المتوسط، من خلال توقيف البحرية التركية لسفن الشركات الدولية العاملة بالمنطقة، إلى جانب تعزيز الأسطول البحري التركي بسفينتي الحفر "فاتح" و"يافوز"، وإجراء مناورات عسكرية داخل منطقة شرق المتوسط. وأخيًرا، تسيير سفنها الاستكشافية وإجراء عمليات تنقيب بمرافقة قطع بحرية عسكرية بالمياه المتنازع عليها.
وفي سبتمبر 2019، نشر على موقع الرئاسة التركية صورة أردوغان، وخلفه خريطة توضح ما تطلق عليه أنقرة "الوطن الأزرق"، حيث تتوسع خريطة تركيا لتشمل الجزء الشرقي بكامله من بحر إيجه، وكذلك جزر ليمنوس ولسبوس ورودس وشيوس اليونانية. وفي نوفمبر من نفس العام، كان الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الليبية والذي بمقتضاه اقتِطعت مناطق من المياه الاقتصادية اليونانية والقبرصية وتم إلحاقهما للسيادة البحرية لتركيا.
وبمقتضى هذا الاتفاق نشرت تركيا بالثاني من يونيو 2020 خريطة تنقيب جديدة. حيث تقع إشكالية تلك الخريطة–الموضحة أدناه- كونها تضم مناطق تقع بالمياه الاقتصادية الخالصة لليونان –وتحديًدا قبالة سواحل جزر رودس وكارباثوس وكريت اليونانية-.
وفي النهاية، وفي ظل ضعف احتمالات اتجاه تركيا نحو التهدئة أو اعتماد مبادئ القانون الدولي في تحركاتها الخارجية، فمن المتوقع، أن تلجأ دول المنطقة نحو توطيد أواصر التعاون المؤسسي القائم فيما بينهم ضمن منظمة منتدى غاز شرق المتوسط، لاسيما وأن إطار المنظمة قد أسهم ليس فقط في توصل الدول الأعضاء إلى ترسيم حدودهم البحرية، وإنما نجح أيًضا في اجتذاب دول من خارج المنطقة للإنضمام إلى المنظمة بصفة مراقب كالواليات المتحدة وفرنسا والإمارات العربية المتحدة.
قد يسفر تنامي حجم الزخم الدولي الناتج عن التفاعلات ضمن المنظمة عن شعور تركيا بالمزيد من العزلة داخل المنطقة. وبناءا على المشاهدات السابقة، فقد تلجأ تركيا إلى تصعيد حجم ونطاق الاستفزازات، رغبة منها في كسر العزلة المفروضة ولدفع دول المنطقة لاسيما الجانب الأوروبي إلى القبول بها وبرؤيتها للمنطقة، ولكن، من غير المتوقع أن تفلح تلك المحاولات، لاسيما في ضوء الرفض والتنديد الأوروبي للسلوك التركي حيال أعضاءه.
وعلى الرغم من احتمال تقويض السلوك التركي لفعالية منظمة شرق المتوسط، ولكن مع ذلك تبرز لمصر، ومن ثم المنظمة، فرصة نحو تجاوز هذا التقويض، وذلك من خلال ما تمتلكه مصر من محطات لتسييل الغاز الطبيعي، حيث توفر محطات الإسالة المصرية فوائد اقتصادية وتجارية لجميع الجهات الفاعلة الإقليمية المعنية، فضلا عن تجنبها للتوترات المرتبطة بالنزاعات الإقليمية القائمة. كذلك، فإن هذا المسار من شأنه أن يوفر لموردي الغاز في شرق المتوسط مرونة فيما يتعلق بأسواق المقصد في المستقبل، حيث عدم الاعتماد فقط على المستورد الأوروبي، وإنما هذا من شأنه فتح المجال أمام تصدير الغاز إلى أي جهة بأنحاء العالم.