برلمان المشاركة لا المغالبة
السبت، 19 ديسمبر 2020 10:00 ممصطفى الجمل
يحدث لأول مرة.. أغلبية مجلس النواب بنسبة 53% فقط
مشاركة واسعة من الأحزاب تقضي على آفة الصوت الواحد تحت القبة.. البرلمان الحالي يعالج أخطاء برلمان الحزب الوطني والإخوان.. المستقلون يمثلون 17% من المجلس.. المعارضة عينها «مش مكسورة».. تنسيقية شباب الأحزاب تجسيد حي لرؤية تمكين الشباب.. وتعيينات الرئيس تكمل الصورة
في أعراف كرة القدم وأي لعبة جماعية، عناصر تقييم المدرب الناجح تتمحور حول قدرته على تشكيل فريق قوي قوامه، مستوى لاعبيه كلها قريبة من بعضها البعض، وخلق أربعة أو خمس نجوم قادرين على تحقيق أهداف الفريق وصد الهجمات عنه وترجمة ما يتاح من فرص لأهداف محققة، وحصد البطولات المحلية والقارية.
يقيم المدرب بأنه ممتاز بناء على قدرته على خلق ألفة بين هؤلاء النجوم ومنح كل منهم فرصة التعبير عن نفسه، وفرض منافسة شريفة بينهم وترك الحكم للجمهور، دون تدخل منه لترجيح كفة أي منهما على الآخر، وغض النظر عمن يؤيده منهم ومن يجادل ويعارض، طالما أن جميعهم مخلصون للفريق وحريصون كل الحرص على مصلحته، وتحقيق أهدافه.
بين ملعب الكرة وملعب السياسة متشابهات عدة، فالدولة الباحثة عن التقدم والنهوض وتحقيق الاستقرار، هي من تؤسس للتعدد والتنافس، وترك الاختيار في الاستحقاقات الدستورية للناخبين، وإن جاز لنا أن نحكم على أداء الدولة المصرية التي تقوم بدور المدرب في كل الاستحقاقات الدستورية بعد 30 يونيو، ستحصل على تقدير ممتاز، لا سيما بعد انتخاب مجلسين شرعيين للنواب والشيوخ، بإجراءات لم تشوبها شائبة، ولم ينقضها دنس.
انتخابات مجلس الشيوخ والنواب الأخيرة، كشفت عن توجه حقيقي من قبل الدولة لإرساء دعائم الديمقراطية، وفتح المجال أمام الجميع لعرض بضاعته أمام الجمهور، الذي ارتفع وعيه هو الآخر، ولم يعد يتأُثر عاطفياً بما كان يتأثر به في الماضي، ولم تعد الشعارات الرنانة تستميله، وبات يستهدف في من يمثله مدى قدرته على تلبية احتياجاته الخاصة والعامة على حد سواء.
منذ أيام أنهت الهيئة الوطنية للانتخابات إجراءات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب بنظامي الفردي والقائمة، وينتظر المجلس خلال الفترة المقبلة، قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بأسماء المعينين في المجلس المقبل، والمحددين بـ 28 نائباً، يكملون التشكيل النهائي لمجلس النواب 2021.
والشاهد الآن أن مجلس النواب 2021، واحد من أهم البرلمانات المصرية على مر التاريخ، نظراً لأنه انتصر لعدة مبادئ سياسية غابت عن مصر منذ عشرات السنوات، نستعرض بعض منها خلال السطور المقبلة.
هيبرة حزبية
القاعدة الأولى في أي حياة سياسية سليمة، تقول إن الأحزاب وتفاعلهم واشتباكهم مع هموم الشارع والمواطن، هي أساس الحياة الديمقراطية، فالتنافس الحزبي هو جوهر العملية الديمقراطية، وهو ما تحقق بشكل كبير خلال انتخابات مجلس النواب 2021، فحرصت الأحزاب المصرية المؤيد والمعارض منها، على المشاركة بكل طاقتها في الانتخابات، كاشفين عن بقائهم على قيد الحياة، بعدما كانوا يُتهمون بأنهم أحزاب كرتونية لا فائدة من تواجدها.
هذا الأمر لم يحدث في انتخابات مجلس النواب فقط، بل سبقه مشاركة واسعة أيضاً من الأحزاب في انتخابات مجلس الشيوخ، الذى أجريت انتخاباته بنظام يتطابق بشكل كبير باستثناء نسبة المعينين، مع النظام الذي اعتمد عليه في تشكيل مجلس النواب.
حقيقة لا يمكن إنكارها، أن النظام الانتخابي الذي خصص نصف مقاعد المجلس للقوائم المغلقة المطلقة، ساهم بشكل كبير في تحفيز الأحزاب على المشاركة الفاعلة في انتخابات مجلس النواب.
القوائم المغلقة، حولت معارك الأحزاب الوهمية، والمناوشات الكلامية، والاتهامات المتبادلة إلى جلسات تشاور ونقاش وشد وجذب مستحب ومستحسن.
دفعت القوائم الأحزاب إلى تقريب وجهات النظر بين بعضهم البعض، والجلوس على طاولة مفاوضات واحدة بدلاَ من المرة مرات ومرات، وهو الأمر الذي كان مستحيلاً فيما مضى.
وحتى لا نظلم الأحزاب، لم تقتصر مشاركتهم في الانتخابات على القائمة الوطنية، لكنها امتدت إلى التنافس على المقاعد الفردية أيضًا، بمشاركة 36 حزبًا، تفاوت عدد مرشحيهم بين 280 لأكبرهم مشاركة ومرشح واحد لأقلهم مشاركة.
شاركت الأحزاب بنسبة 22% من إجمالي المرشحين على المقاعد الفردية، واحتل حزب مستقبل وطن صدارة قائمة الأحزاب المشاركة في انتخابات مجلس النواب عبر النظام الفردي، وجاء خلفه حزب حماة الوطن ثم حزب الوفد فحزب الشعب الجمهوري وحزب الحرية، وخلفهم أحزاب المؤتمر والحركة الوطنية والمصريين الأحرار والنور والجيل الديمقراطي والتجمع الوطني التقدمي، وقدمت أحزاب العدل والغد ومصر الحديثة ونداء مصر 5 مرشحين لكل منهم.
هذه المشاركة الواسعة من قبل الأحزاب في انتخابات مجلس النواب، تشير إلى أن الدولة والأحزاب كليهما أولوا اهتماماً كبيراً لعملية بناء الديمقراطية، بأسس حديثة تفعل فيها المادة 5 من الدستور التي تنص على أن يقوم النظام السياسي على التعددية السياسية والحزبية، وهو ما غاب عن مصر منذ عقود طويلة، عرفت فيها مصر نظام الصوت الواحد والحزب الواحد، بداية من عام 1953، حتى سقوط النظام المصري في يناير 2011، ثم قدوم الجماعة الإرهابية واحتلالها للسلطة، ومحاولة استنساخ تجربة الصوت الواحد، التي ثبت فشلها بدلاً من المرة عشرات المرات، وفعلاً لم يسمح الشعب بذلك وأسقط الجماعة الإرهابية ونظامها السياسي المغلق على أعضائها فقط، وطالب بمسار ديمقراطي حقيقي، يسمح فيه للجميع بالمشاركة ترشحًا وانتخابًا طالما انطلق من أرضية وطنية ووضع نصب أعينه المصالح العليا للدولة والشعب المصري.
القائمة المنقذة للأحزاب
سعت الأحزاب إلى أن تستفيق من غفلتها، ولم تترك نفسها لأوهام الماضي، وأنه لا فائدة من التحرك والنظر مجدداً إلى متطلبات الشارع، وبمجرد أن سعت وجدت الجميع يمد يديه، فكانت فكرة "القائمة الوطنية من أجل مصر"، التي لولاها لكان هناك عدد من الأحزاب سيجلسون دورة مدتها 4 سنوات على مقاعد المشاهدين لأداء مجلس النواب.
في الأوضاع العادية، من الطبيعى أن ينفرد حزب "مستقبل وطن" بتشكيل قائمة بمفرده، دون التشاور مع أحد، وحينها لم يكن ليلومه أحد، لكن ولإن الهدف الاساسى هو إعلاء شأن المشاركة السياسية والحزبية، كان قرار الحزب فتح الباب أمام تشكيل قائمة توافقية تضم أكبر عدد من الأحزاب القادرين على التفاهم والاتفاق حول برنامج انتخابى واحد، يعلى من شان الدولة المصرية في مواجهة المخاطر والتحديات الخارجية والداخلية، وبالفعل تجاوبت الأحزاب مع هذه المبادرة، وتشكلت القائمة من ممثلين لـ12 حزباً، بالإضافة لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، التي تضم هي الأخرى تحت رايتها ممثلين لـ27 حزباً.
وكان لافتاً في القائمة الوطنية أنها شهدت تنوع في الأفكار والسياسات الحزبية، وضمت أحزاباً محسوبة على المعارضة، لكنها رأت أن المناخ مهيأ لمثل هذه المشاركة القائمة على التنوع الذى يهدف إلى إثراء الحياة السياسية والبرلمانية.
محمد السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، واحد من الذين عرفوا بمعارضتهم خلال الدورة الحالية لمجلس النواب، قال في تصريحات صحفية، إنهم كمعارضة ذهبوا للقائمة الوطنية بعدما أنهوا كل فرص التواجد بالمشهد السياسي والبرلماني، وعجزهم عن تشكيل قائمة منافسة، مؤكداً أنهم لم يدفعوا أي أموال للمشاركة في القائمة الوطنية.
أكد السادات أنهم موجودون في البرلمان لأنهم مختلفون ومعارضة حقيقية ولا توجد أي قيود عليهم إطلاقا، وأن الهدف ليس وجودهم لتجميل الصورة وإنما وجود حقيقي وممارسة برلمانية حقيقية تحت قبة البرلمان، كما أن الأسماء التي طرحوها في القائمة تمت الموافقة عليها من دون تدخل من أحد، مشدداً على أن عين المعارضة لن تكون مكسورة عندما تمارس دورها تحت قبة البرلمان، لأنه لا يوجد مجال لذلك إطلاقا، والأرضية الوطنية المشتركة هي ما تجمع الجميع من الأحزاب والقوي السياسية التي انضمت للقائمة الوطنية.
من النتائج المبهرة التي حققتها انتخابات مجلس النواب 2021، أو ما يمكن أن نطلق عليها المعجزة السياسية، تواجد 12 حزباً سياسية تحت مظلة القائمة الوطنية من أجل مصر، التي ضمت كافة الأطياف ما بين أحزاب مستقبل وطن والوفد وحماة الوطن ومصر الحديثة والمصري الديمقراطي والشعب الجمهوري والإصلاح والتنمية والتجمع وإرادة جيل والحرية المصري والعدل والمؤتمر، بالإضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب، التي تضم أحزابا شديدة المعارضة كالتجمع والمصري الديمقراطي، وأحزابا محدودة الانتشار كالإصلاح والتنمية وإرادة جيل ومصر الحديثة والحرية.
جاء تشكيل تلك القائمة بعدما حققت مثيلتها نجاحًا كبيرًا وحازت ثقة المواطن المصري في الشارع خلال انتخابات مجلس الشيوخ، والتي خاضتها القائمة على 100 مقعد، بتحالف ضم 11 حزبًا، بالإضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب، فيما زاد على القائمة الخاصة بمجلس النواب حزب العدل.
القائمة تعد احتواء لجميع أطياف الوطن، فأعضائها يمثلون مختلف الأيديولوجيات السياسية، وهو ما يُعد خطوة كبيرة على طريق إثراء الحياة السياسية والحزبية والنيابية، وسوف ينعكس بالتأكيد على شكل البرلمان القادم من حيث الأداء والتركيبة، إذ أنه سيكون متنوع الرؤى، وسيشهد نسبة أعلى من المعارضة الوطنية، طالما أن الاختلاف السياسي في صالح الوطن وينطلق من قاعدة أساسية هي حب الوطن، وسيجد المواطنون بمختلف توجهاتهم وفئاتهم من يعبر عن آرائهم المختلفة، حيث إن هذا التحالف هو انتخابي فقط ما يعني أن لكل حزب آراءه وأفكاره التي يمارسها تحت القبة بحرية تامة. كل هذا إلى جانب إثراء الحياة التشريعية بتشريعات مختلفة وفقًا للأجندة التشريعية لكل حزب داخل القائمة.
تمثل القائمة فرصة مهمة لخلق كوادر سياسية جديدة من الشخصيات الحزبية والسياسية والشبابية وتأهيلهم للمشاركة بقوة في الحياة السياسية وصنع القرار، وتولي المواقع القيادية مستقبلًا، إذ أنها ضمت العديد من الوجوه الجديدة من مختلف الفئات والتخصصات خاصة من الشباب، إلى جانب شخصيات وأسماء بارزة في العمل السياسي والحزبي، وشخصيات لها تاريخ نيابي، وقد تم اختيار الأعضاء وفقًا لمعايير الكفاءة والانتماء الوطني وعدم الإقصاء.
وتعكس تلك القائمة شعور جميع الأحزاب والتيارات السياسية بالمسؤولية تجاه إنجاح التجربة الديمقراطية المصرية التي يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتؤكد أن الجميع يضع أمامه هدف واحد ورئيسي في الفترة المقبلة وهو مصر، فالجميع يرفع شعار المصلحة العامة، والتخلي عن النظرة الحزبية الضيقة، كما أنها تؤسس للتحول من الانتخاب على أساس الفرد إلى الانتخاب من خلال برامج انتخابية ومن الانتخاب على أساس قبلي إلى الانتخاب على أساس الأفضل.
لا أغلبية مطلقة
تركيبة مجلس النواب المقبل، تقول إنه لا تواجد لما كان يطلق عليه الأغلبية المطلقة، فليس هناك سيطرة لفصيل واحد على مجريات الأمور داخل مجلس النواب، وفقاً للأرقام التي حصل عليها كل حزب، فهناك 13 حزبًا، بالإضافة إلى المستقلين، استحوذوا على مقاعد البرلمان، وجاءت الحصة الأكبر من نصيب حزب مستقبل وطن، الفائز بـ 315 مقعدًا بنسبة 55.55% وهو ما يمثل الأغلبية 53% من نسبة الأعضاء في البرلمان ، يليه حزب الشعب الجمهوري بـ49 مقعدًا بنسبة 8.64%، ثم حزب الوفد الجديد بـ25 مقعدًا ما يشكل نسبة 4.40%، ثم حزب حماة الوطن بـ23 مقعدًا بنسبة 4.05%، ثم حزب مصر الحديثة بـ11 مقعدًا بنسبة2%.
وجميع الأحزاب التي استحوذت على المراكز الخمسة الأولى، جمعت مقاعدها ما بين القوائم والفردي، وهو الأمر كذلك بالنسبة لحزب "المؤتمر" الذي فاز بـ8 مقاعد، و"الحرية" الذي جمع 7 مقاعد، و"التجمع الوطني الديمقراطي" الذي حصد 6 مقاعد.
أما المستقلون فقد استحوذوا على 97 مقعدًا بنسبة 17.10 % من إجمالي عدد مقاعد البرلمان مستبعد منها مقعد دائرة ديرمواس بالمنيا.
حصول حزب الأغلبية على نصف مقاعد البرلمان لم نره من قبل، فتجربة الحزب الوطني ومن بعده الجماعة الإرهابية كان الحزب الحاكم يحصل على أكثر من ثلثي البرلمان، أما هذه الدورة فحزب الأغلبية لم يصل سوى لنصف مقاعد البرلمان.
المقارنة بين برلمان 2020 وبرلمان 2010 وبرلمان 2012، ستكشف مدى قدرة مصر على تحقيق تعدد سياسي وتنافس حزبي يصب في مصلحة المواطن المصري، ففي برلمان 2010 حاز الحزب الوطني المنحل على 73% من مقاعد البرلمان، وفي برلمان 2012 حاز الإخوان وحلفاؤهم من تيارات الإسلام السياسي على 74% من المقاعد، مما أسقط النظامين اللذين كانا يخدمهما البرلمان، وليس المواطن المصري.
شباب التنسيقية يزينون الشيوخ والنواب
رؤية الدولة في تجربة التمكين السياسي للشباب، تم ترجمتها خلال انتخابات مجلس النواب، عن طريق تواجد عدد من تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في مجلسي النواب والشيوخ، عن طريق تواجدهم في القائمة الوطنية من أجل مصر.
رؤية الدولة في تجربة التمكين السياسي للشباب، تم ترجمتها خلال انتخابات مجلس النواب، عن طريق تواجد عدد من تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في مجلسي النواب والشيوخ، عن طريق تواجدهم في القائمة الوطنية من أجل مصر.
استطاعت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين اقتناص 5 مقاعد في مجلس الشيوخ، واقتناص 28 مقعداً في انتخابات مجلس النواب، مما يتيح الفرصة للشباب للتجرؤ على المشاركة في الاستحقاقات المقبلة دون رهبة أو خوف.
تجربة تنسيقية شباب الأحزاب التي بدأت منذ عامين، أثبتت نجاحها وحظت بثقة الشعب المصري، نظراً لأنها تضم شباباً من أطياف مختلفة تتراوح بين اليمين واليسار، لكنهم استطاعوا تجاوز تلك الاختلافات وتقديم تجربة تشاركية انطلاقًا من أرضية وطنية واحدة، بما يمثل إضافة للحياة السياسية.
تضم تنسيقية شباب الأحزاب 27 حزبًا منها مستقبل وطن، الإصلاح والتنمية، التجمع، المصريين الأحرار، المؤتمر، والإصلاح والنهضة، الجيل، الحركة الوطنية المصرية، الحرية، الغد، المصري الديمقراطي، المحافظون، الناصري، وحماة الوطن.
فتحت تنسيقية شباب الأحزاب الباب أمام الشباب لممارسة العمل السياسي ترشحًا ومتابعة في الانتخابات النيابية والمحلية، والمشاركة في الحوارات المجتمعية، والتدرج من مستويات القيادة الأقل فالأكثر، بما يساهم في إفراز شخصيات قيادية ذات مهارة وثقل سياسي ومعرفي بطبيعة المشكلات والقضايا المصرية وسبل التعاطي معها، قادرة على المشاركة في استكمال المسيرة التنموية للدولة المصرية.
المستقلون.. حصان المجلس الأسود
يشكل المستقلون في البرلمان المقبل الحصان الأسود، ويبقى رهان الجمهور عليهم كبير، فلا زال قطاع عريض من الناخبين يفضلون التصويت للشخصيات المستقلة، نظراً لأنه لا زال صورة الرجل الحزبي في الشارع وظهوره مرتبطة فقط بأوقات الانتخابات أو الأحداث السياسية الكبرى، بما يُعطي إيحاء للناخبين أن الغرض هو الحصول على مقعد انتخابي وليس الاهتمام بمشاكل واحتياجات المواطنين بشكل دائم، فضلًا عن اتجاهات التصويت القبلية في بعض المناطق، والرغبة في اختيار نائب خدمي أكثر منه نائب تشريعي رقابي.
تعيينات الرئيس.. كريمة النخبة
عندما منح المشرع الدستوري والقانوني رئيس الجمهورية حق تعيين نسبة من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، كان يستهدف تمثيل كل أطياف وفئات المجتمع تحت قبة البرلمان، وأن تكون هناك فرصة لاختيار شخصيات عامة وخبرات في شتى المجالات القانونية والفنية والثقافية والاقتصادية والرياضية، لتكون موجود داخل البرلمان، ما يؤثر بالإيجاب على إثراء الحياة النيابية والبرلمانية والاستفادة من هذه الخبرات وهذا التنوع في ممارسة العمل البرلماني التشريعي والرقابي، وهو ما يصب في صالح المجتمع والمواطن.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما اختار 100 شخصية لتعيينهم في مجلس الشيوخ، راعى اختيار ممثلين لكافة أطياف المجتمع والتوجهات السياسية، اختار من اليسار ومن الوسط من اليمين، من رموز الرياضة والفن والاقتصاد والقانون والعمال والفلاحين، وركز على تمكين الشباب والمرأة.
قائمة الـ 100 التي اختارها الرئيس والتي تعطينا مؤشر يمكننا ان نتوقع من خلاله طريقة اختياره للـ 28 نائباً في مجلس النواب المقبل، ضمت العديد من الخبرات في كل المجالات والتخصصات.
ومن المنتظر خلال الأيام المقبلة، أن يختار رئيس الجمهورية قائمة أعضاء مجلس النواب المعينين الذين سيصدر قرار جمهوري بتعيينهم، وذلك بعد إعلان النتائج النهائية للأعضاء المنتخبين، والمتوقع أن يتم تفعيل ذات الضوابط والمعايير في حسن اختيار أعضاء "النواب" المعينين، مثل أعضاء مجلس الشيوخ، لتكتمل الصورة النهائية لشكل مجلس النواب الجديد، ويضم كافة التيارات والفئات وطوائف المجتمع.
دولة ناجحة رغم الظروف الصعبة
كل الدلائل تشير إلى أننا أمام تجربة سياسية وبرلمانية سيتوقف أمامها الجميع كثيراً، لأنها تؤرخ لبداية حقيقة لممارسة كانت تتنماه مصر، ولم تتحقق الا في برلمان 2015، وتأصلت بشكل قوى في البرلمان الجديد الذى من المتوقع أن يتسلم مهامه في بداية 2021.
هذه التجربة تؤكد ايضاً نجاح الدولة المصرية في مواجهة كافة التحديات والمخاطر، فلم يكن يتوقع أحد أن تؤدى مصر كافة الاستحقاقات الدستورية في ظل جائحة كورونا، لكن الدولة ومن خلال إجراءات احترازية مشددة ونظام محكم، نفذت الاستحقاقات الدستورية، دون أن يضار مواطن واحد، وهو ما يمثل شهادة نجاح أخرى للدولة المصرية.