"المشرق الجديد".. مصالح استراتيجية مشتركة وتعاون مثمر بين مصر والأردن والعراق
الأربعاء، 16 ديسمبر 2020 05:12 م
تشهد العلاقات المصرية مع كلا من العراق والأردن حالة من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، عززتها القمم التي عقدت بين زعماء الدول الثلاثة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورؤساء الحكومة العراقية المتتاليين حيث التنسيق المستمر بينهما في الكثير من القضايا المشتركة على رأسها القضية الفلسطينية.
وأظهرت القمم المتواصلة بين الدول الثلاثة على مستوى الروؤساء ووزراء الخارجية، تنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي بين البلدان الثلاثة ، عبر تعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية وزيادة التبادل التجاري، وذلك في إطار جهود حثيثة قائمة على رؤية استراتيجية شاملة لتأسيس تكامل سياسي اقتصادي تجاري أمني بين الدول الثلاث، مصر والعراق والأردن، قائم على الأهداف التنموية المشتركة، في إطارُ مشروع يطلق عليه ”الشام الجديد“ أو ”المشرق الجديد“، وهو المصطلح الذي كشف عنه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في حوار مع صحيفة ”واشنطن بوست“ خالل زيارته إلى واشنطن في أغسطس الماضي.
وقد عززت القمم التي عقدت بين زعماء الدول الثلاثة التعاون المشترك بدءًا من القمة الثلاثية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي في القاهرة 24 مارس الماضي، مروًرا بالقمة الثلاثية التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس العراقي برهم صالح والعاهل الأردنى الملك عبد الله الثاني في 22 سبتمبر 2019 في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وانتهاء بالقمة التي عقدت فى 25 أغسطس الماضي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردنى ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في العاصمة الأردنية عمان.
ومثلت القمم الثلاثية التي تم عقدها في القاهرة ونيويورك وعمان فضلا عن الاجتماعات التي يتم عقدها بصفة دورية بين مسئولي الدول الثلاثة إضافة للزيارات المتبادلة نقطة انطلاق لمسار العلاقات بين القاهرة وبغداد وعمان لتعزيز المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وجاء تحرك الدول المصرية في مسار ضرورة تطوير التعاون مع الأردن والعراق، انطلاقا من حرصها كركيزة الاستقرار في المنطقة العربية، على الحفاظ على الأمن القومي العربي، وتعزيز التنسيق المشترك في المواقف مع بغداد وعمان.
ويسهم التعاون بين الدول الثلاثة في صياغة رؤية عربية واحدة تجاه أزمات المنطقة، والمتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية وفي مقدمة هذه الأزمات، القضية الفلسطينية، وما يتعلق بالخطة الأمريكية للسلام وما يعرف بـ"صفقة القرن".
ويأتي هذا التحرك المصري العراقي الأردني في وقت تتطلب القضية الفلسطينية موقفا عربيا موحدا يحافظ على ثوابت الأمة العربية في هذه القضية وأهمها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهي الثوابت التي تحاول إسرائيل زعزعتها في الوقت الراهن عبر الإعلان عن ضم بعض الأراضى المحتلة، والتوسع الاستيطانى المفرط، ومحاولة تغيير الهوية الدينية والديموجرافية للقدس، بالإضافة إلى الأزمة الأمريكية الإيرانية وتجلياتها على أمن الخليج العربي، وخاصة بعد الهجمات الأخيرة على المنشآت النفطية السعودية، وما تمثله من تعٍد على الأمن القومي العربي وتهديد لأمن المنطقة والعالم.
كما تستهدف مصر من هذا المسار فتح آفاق جديدة للتعاون مع العراق والأردن، ولا سّيما في مجالات النفط والغاز، ضمن استراتيجية مصر لتكون مركًزا إقليمًيا لتجارة وتداول الغاز والبترول، والتي ُوقع في شأنها اتفاق مع عمان وبغداد على إنشاء خط بترول يبدأ من البصرة جنوب العراق مروًرا بمدينة الزرقاء الأردنية ثم إلى مدينة العقبة، يتم عن طريقه نقل النفط الخام إلى مصر للتكرير أو التصدير، بجانب مجالات البنى التحتية، وخاصة دعم عملية إعادة الإعمار في العراق بالتعاون مع شركات المقاولات المصرية.
تعزيز التعاون مع العراق
وتعد العراق قوة عربية وإقليمية كبرى، لها ثقلها في رسم سياسات المنطقة، ودورها الفّعال على الصعيدين العربي والإسلامى، ولكن ما ألم ببغداد في الآونة الأخيرة صاحبه تراجع في هذا الدور، إلا أن العراق بدأ يستعيد عافيته، ودوره وثقله في الساحات الإقليمية، بعد أن استطاع هزيمة تنظيم داعش الإرهابى وتكونت لديه ملامح لسياسة داخلية مستقرة، ساهمت في عودته إلى محيطه العربي.
ودللت على ذلك تصريحات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حول اتباع العراق سياسة متوازنة مع الجميع ، بالإضافة إلى رغبة العراق في تعزيز التعاون مع كلا من الأردن ومصر، تجلت في توقيع بغداد وعمان اتفاقية للتجارة الحرة فى مطلع العام الماضي، وحرص العراق على الاستفادة من الخبرات المصرية في مجالات البنى التحتية لإعادة إعمارالبلاد بعد القضاء على تنظيم داعش.
مصالح كبرى مع عّمان
انطلاقا من علاقة الجوار التي تربط الأردن بمصر، تشهد العلاقات المصرية الأردنية تطوًرا كبيًرا مع القيادة السياسية الحالية للبلدين، وتنسيًقا سياسًيا إزاء مختلف القضايا الإقليمية وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
بالإضافة إلى فأن التنسيق الأردني العراقي بات أكثر تطوًرا من أي وقت مضى، إذ زار العاهل الأردنى الملك عبد الله الثاني العراق في مطلع العام الماضي بعد عشر سنوات من آخر زيارة له، وقبلها زيارة رئيس الوزراء الأردنى عمر الرزاز إلى العراق في ديسمبر 2018 ، والتي نتج عنها توقيع 15 اتفاقية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، بالإضافة إلى بدء عمل البلدين بآلية النقل "Door To Door "بين البلدين والتي تقضي بدخول شاحنات النفط الأردنية إلى داخل العراق والعكس، كبديل عن الآلية السابقة التي تم فرضها نتيجة الأوضاع الأمنية في العراق في السنوات الماضية.