يا أسود يا أبيض لكن مش رمادي!
الأربعاء، 09 ديسمبر 2020 03:06 م
منذ فترة كنت قد قرأت كلمات حول كيفية جعل الإنسان حياته أصعب بسبب حصر قراراته واختياراته بين أمرين لا ثالث لهما، مع عدم القبول باختيار وسط يحقق به بعض المرغوب ويتنازل عن البعض الآخر.
بعد قراءتي لتك الكلمات تذكرت نصيحة غالية من أستاذ فاضل رحمه الله نصحني إياها يوما ما وكان لها عظيم الأثر في حياتي إلى يومنا هذا بشكل إيجابي جدا، وحققت فارقا كبيرا في اختياراتي حين قال لي " لا تخسر الممكن من أجل المستحيل "، وكنت حينها في حيرة بين أمرين وعقلي متشبث بأحدهما فقط، فإما هو وإما لا!، مع أنني كان يمكنني البحث عن خيار وسط حتى وإن لم يحقق كامل طموحي، إلا أنه سيشبع بعضا منه إلى أن تسنح الظروف أو حتى لا تسنح فعلى الأقل يكون هناك بعض المكسب بدلا من الخسارة الكاملة.
بالفعل البعض قد يخسر كل شئ لرغبته في كسب كل شئ فتجده يحصر اختياراته ما بين "الأسود والأبيض" فقط، بالرغم من وجود لون يمزج بين الاثنين هو "الرمادي" فيشعر في النهاية بالضجروالملل وربما الخسارة لكن بعد فوات الأوان، بسبب إصراره على الأسود أو الأبيض في حين أنه لو تحلى ببعض المرونة واختار لونا وسط لاستطاع إمساك العصا من منتصفها، فلا هو خسر خسارة كاملة ولا استفاد الفائدة الكاملة، لكنه استطاع الحصول على الممكن عملا بمبدأ " ما لا تدركه كله لا تخسره كله".
فتجد مثلا شابا وفتاة يرغبان في الزواج لكنهما يصعبان الأمر على نفسيهما، إما الزواج إذا كانت كل المقومات المادية متاحة، أو عدم الزواج وتأجيله بسبب بعض الظروف كعدم إمتلاكه شقة مثلا، فيصبح الأمر محصورا بين الأبيض والأسود مع أن هناك لونا رماديا إذ يمكنهما البدء في شقة بنظام الإيجار إلى أن تصبح الأمور ميسرة للتملك، وبذلك يكونان قد حققا معادلة وسط دون خسارة بعضهما البعض للأبد.
وكثيرا ما تجد الزوجة في حيرة بين خيارين محددين لا ثالث لهما إما أن تصبح امرأة عاملة كي تحقق ذاتها فتهمل بيتها وأبناءها بسبب طول يوم العمل والإجهاد، أو أن تختار التخلي عن طموحها العملي وتبقى سيدة منزل فقط، مع أن الخيارات كانت أمامها أكثر من تصورها المحدود بين خيارين، فكان يمكنها العمل مع تنظيم وقتها وظروفها بشكل يجعلها تستطيع التوفيق بين الأمرين، أو اختيار عمل بمواعيد أقل تساعدها على تحقيق المعادلة في الاهتمام بأسرتها وإيجاد مساحة خاصة بها إذا كان أمر تحقيقها لذاتها حتميا بالنسبة لها.
وهناك خريج يرفض وظيفة براتب لايرضي طموحه، فيختار خسارة أي دخل ولو بسيط ويقضي يومه منفقا للأموال بجلوسه على المقاهي ومضيعة الوقت، حتى في أبسط الأمور قد نصعب الأمر على أنفسنا فأحيانا نشعر بضرورة الحفاظ على الوزن أو خسارة بعضه، ونضع خيارين إما حرمان أنفسنا بشكل قاس حتى من قطعة حلوى صغيرة نشتهيها كي نلتزم بالنظام الغذائي فنشعر بالحرمان وكره الحمية والدخول في دائرة الاكتئاب، أو الضعف أمام شهواتنا فنأكل فطيرة كاملة غارقة في السمن مع القشطة والعسل بحجة أننا لا نستطيع اتباع أنظمة الحمية، وكأن الأمر محصورا بين الأبيض والأسود إما حرمان تام أو إفراط دون حساب فإما أبيض جسد "ممشوق " أو أسود جسد " بدين" في حين كان يمكننا الوصول للرمادي بجسد "معتدل" بين الاثنين .
لو دقق كل منا في حياته وحياة من حوله لوجد الأمثلة كثيرة لا حصر لها ولا عدد، وما توصلت إليه أنا شخصيا بعد التجارب الحياتية وبمرور السنوات هو أن الأمور يمكن أن تصبح أيسر كثيرا وأن تحقق النتائج المرجوة أو حتى جزءا منها، إذا تحلينا بالمرونة وتقبلنا الخيار الوسطي، ومَرَنّا أنفسنا على التنازل عن بعض المكاسب بدلا من الإصرار على تحقيقها كلها بأصعب الطرق أو عدم تحقيقها على الإطلاق، وأن يكون خيارنا في بعض الأحيان هو اللون الرمادي .