حطموا رؤوس الفتنة
الجمعة، 04 ديسمبر 2020 01:27 م
لماذا نبدو في بعض الأحيان كأننا نخترع العجلة؟.. هناك قواعد عامة متفق عليها إنسانيًا، وذلك الاتفاق لا يخل بتنوع الثقافات والعادات والتقاليد، ومن تلك القواعد قاعدة تقول: إن الخطأ لن يصلحه خطأ، وأن الخطأ لا يبرر الخطأ.
أقول هذا وعيني على تلك الأحداث السخيفة التي وقعت بعد لقاء فريقي الزمالك والأهلي في نهائي دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم.
كانت مباراة في كرة القدم، تشهد الملاعب مئات مثلها يوميًا في مختلف ربوع العالم، بل قد تكون هناك مباريات أهم منها وأشد حساسية، ثم تنتهي بخسارة فريق وفوز آخر، وتمضي الحياة ولا تتوقف لثانية واحدة.
أما عندنا في مصر ولأننا ننوي اختراع العجلة فقد نجحنا في جعل المباراة ميدانًا لصراع اجتماعي ينذر بأسوأ العواقب.
ليس في كلامي تهويل يجعل من النملة فيلًا، ما أعتقد صحته سأكتبه غير ملتفت لرضا البعض وسخط آخرين.
انتهت المباراة بفوز النادي الأهلي وتتويجه بالبطولة للمرة التاسعة في تاريخه، هنا كان يجب أن نضع نقطة ونبدأ من سطر جديد، يحتفل الفائز بطريقة لائقة ويلملم الخاسر شتات نفسه ويستعد لجولة جديدة، ولكن بعضهم (وما أكثر هؤلاء البعض) يعز عليهم أن تمضي الأمور في سياقها الطبيعي الذي تعارف عليه الناس.
هناك لاعب بعينه من فريق الزمالك وهو شيكابالا يناصبه جمهور الأهلي العداء، وهو لبساطة تفكيره وضع نفسه هدفًا سهلًا لعداء جماهيري كاسح، وظن أن خطأ الجماهير في حقه سيصلحه خطأ منه، وهذا تفكير تعجيب لا يوافق عليه من كان في قلبه ذرة إيمان بأهمية هذا البلد الذي يحتضننا جميعًا ويعلمنا جميعًا ونعيش جميعًا من خيراته.
الفرد لن يهزم الحشود، والذي يظن في نفسه القدرة على هزيمة الحشود هو واهم لا أكثر ولا أقل.
وقد رأينا بعيوننا كيف سخر بعض جمهور الأهلي من شيكابالا في فيديوهات لا أظن من اللائق العودة للحديث عنها، لأنها فيديوهات جارحة بكل معنى الكلمة وهادمة لأسس أخلاقية تنهار الأمم عندما تتخلى عنها أو تستهين بها.
هنا تدخل عقلاء من الجانبين واستنكروا بأدب وأخلاق رفيعة سيل الفيديوهات، وتحركت بسرعة أجهزة معنية لوأد ظاهرة الفيديوهات المسيئة، وكاد الأمر ينجح لكي تعود الأمور إلى سياقها الطبيعي، فما هي إلا مباراة في كرة القدم، ولكن هناك من يخطط وينتهز أدنى الفرص لصنع أكبر فتنة ممكنة.
ذلك البعض فتش في الدفاتر القديمة وليس في نيته سوى صب الزيت على النار لتظل مشتعلة، تقول لهم: ما حدث معيب ويجب الكف عنه.
يسكتون لحظة ثم يردون عليك قائلين: ولكن في سنة كذا أنتم صنعتم كذا وكذا، وفي مناسبة كذا قلتم كذا.
تلك الطريقة في التعامل مع الأمر لن تقود إلا إلى هاوية لا يستحقها الوطن الذي لديه أجندة متخمة بمشكلات حقيقية يحاول جاهدًا حلها.
الحل ببساطة لمن يرغب في حل حقيقي وجاد ونهائي هو أن يتبادل الجانبان الاعتذار مع التعهد بعدم العودة لأي فعل مشين ومعيب.
وقد سبق وفعلها سيد الخلق جميعًا عندما فتح الله عليه مكة المكرمة وعاد إلى وطنه منتصرًا مرفوع الرأس، لقد أهدر كل دم أريق قبل فتح مكة وبدأ بدم ابن عم له، لكي يقضي على ظاهرة الثأر القبلي، ثم أهدر كل مال جاء من الربا وبدأ بمال عمه العباس بن عبد المطلب ليقضي على الظلم الاجتماعي ولينظف الاقتصاد من كل الأدران.
بالمعنى المعاصر فكأن سيد الخلق قال: نقطة ومن أول السطر، لأنه أدرك عليه الصلاة والسلام أن الاستسلام لحالة نبش الدفاتر القديمة لن يقود إلا إلى حالة جهنمية من العداء المقيم الذي لا يزحزح ولا ينتهي أبد الدهر.
هناك ـ وأكتب هذا عن يقين ـ من يتحين الفرص لإشعال النار، وكلنا نعرف أن أكبر الحرائق تبدأ من مستصغر الشرر، فما كاد الوضع يهدأ قليلًا حتى رأينا شيئًا عجيبًا بل مريبًا، لقد رأينا في فيديوهات جماعة من جمهور الأهلي وقد ذهبت إلى مقابر عائلة شيكابالا لكي تقرأ له الفاتحة بوصفه من الموتى كما يزعمون!
ما هذا؟ هل نحن أهل مصر وقد هانت علينا حرمة الموت وحرمة المقابر حتى جعلناها مسرحًا لعبث سخيف؟
هذا الفيديو إما أن يكون حقيقيًا أو مختلقًا، فأن كان حقيقيًا فيجب معاقبة أبطاله فورًا، وإن كان مختلقًا فيجب معاقبة مختلقيه فورًا لكي يكونوا عبرة لمن يعتبر، لأن ترك الأمور لهوى النفوس ومرض القلوب لا يبشر بخير أي خير.
لقد أصبحت لقاءات الفريقين مسرحًا لفتن اجتماعية، وعلى الدولة أن تضرب بيد من حديد رؤوس الفتنة، ولا أظن أن الدولة التي بنت الأهرام والسد العالي وأممت قناة السويس وحطمت خط بارليف ستقف عاجزة أمام فئران الفتنة، يجب التصدي لتلك الفتنة السخيفة وإجبار الجميع على وضع نقطة في نهاية سطر السخائف لكي نبدأ من جديد في صفحة تنافس حر نزيه نربح متعته لا سخافته وعبثه.