علاقات تاريخية تجدد دماءها المواقف، ومصير مشترك وحده نهل النيل.. بهذه العبارة يمكن إيجاز ما يجمع مصر والسودان من تعاون يحميه التاريخ ويصونه الحاضر، فما بين تنسيق أمني وعلاقات تجارية عابرة للحدود وتضامن لا يعرف نقطة نهاية في أوقات الأزمات، كان طبيعياً أن تمتد ملفات التنسيق المشترك وتتشعب، وهو ما عكسه القرار الحاسم الذي أقدمت عليه الحكومة السودانية بالانسحاب من مفاوضات سد النهضة.
وجاء الانسحاب السوداني، ليؤكد وحدة المصير الذي يجمع القاهرة والخرطوم، ويقدم بما لا يدع مجالاً للشك صورة واقعية لحجم وطبيعة العلاقات التاريخية التي ربطت البلدين، حكومة وشعباً، وليكشف في الوقت نفسه حجم التلاعب الذي تمارسه أديس أبابا في مفاوضات السد، متجاهلة في ذلك كافة القوانين والأعراف الدولية.
وقالت الحكومة السودانية في قرارها الذي تم إعلانه السبت، إنه يأتي لاعتراضه السابق على طريقة سير المفاوضات بين الدول الثلاث.
وبحسب وكالة الأنباء السودانية، قالت وزارة الري السودانية في بيان أن "السودان قرر عدم المشاركة في الاجتماع الوزاري حول سد النهضة الذي تمت الدعوة لعقده بعد ظهر السبت".
وأكد وزير الري السوداني ياسر عباس، في رسالة بعث بها إلى بيكلي سليشي، نظيره الإثيوبي، "على موقف السودان الداعي لمنح دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي لتسهيل التفاوض وتقريب الشقة بين الأطراف الثلاثة، وأن الطريقة التي اتبعت في التفاوض خلال الجولات الماضية أثبتت أنها غير مجدية".
وجددت الرسالة التأكيد على تمسك السودان بالعملية التفاوضية برعاية الاتحاد الأفريقي للتوصل لاتفاق قانوني ملزم ومرضي للأطراف الثلاثة، إعمالا لمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الإفريقية.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، وثقت الحكومتين المصرية والسودانية تعاونهما في مجالات عدة، من بينها ملف الدفاع المشترك ومراقبة الحدود ، حيث أجري الجيشين المصري والسوداني تدريبات خاضتها قوات خاصة وجوية في أول مناورة قتالية مشتركة منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوداني عمر البشير.
وحضر اختتام المناورات التي أقيمت خلال الفترة من 11 نوفمبر الجارى وحتى 19 من ذات الشهر في قاعدة الفريق طيار عوض خلف الله الجوية بمروي شمالي السودان، رئيس أركان الجيش الفريق محمد حجازى، ورئيس هيئة الأركان السوداني الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، وعدد من المسؤولين.
ومن دائرة الأمن والتعاون العسكري، إلى ملفات الاقتصاد، حيث تعمل مصر على مواصلة التعاون والتنسيق مع السودان في الشأن الاقتصادي، والدفع نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية، من أجل شعبي البلدين، منها المشاريع المشتركة بين البلدين في مجالات النقل والطرق والرى، بناء الطريق الساحلي بين مصر والسودان بطول 280 كيلو مترا، مشروع طريق قسطل وادى حلفا،طريق أسوان - وادى حلفا – دنقلة، تطوير وإعادة هيكلة خطوط السكك الحديدية لتسهيل حركة نقل البضائع والأفرا، مد الشبكة الكهربائية إلى شمال السودان، استمرار التعاون في مجال الموارد المائية والري، بما في ذلك إحياء مشروع قناة جونجلى.
وتعمل مصر على تطهير الجزء الجنوبي من النيل، وتطوير شبكة الري والصرف في السودان.
مشروع السكك الحديدية
إن خط السكك الحديدية الرابط بين مصر والسودان سيمتد بطول 900 كم تقريبا، وتمتد المرحلة الأولى من أسوان في مصر حتى وادى حلفا في السودان، كما أن هذا الخط سيمتد في الأراضي السودانية بأطوال حوالي 250 كم، وسيكون تنفيذ خط السكة الحديد في السودان وفقا لمواصفات شبكة السكك الحديدية المصرية، حيث أن شبكة السكة الحديدية السودانية الحالية قديمة ومتهالكة تختلف عن شبكة سكك حديد مصر.
وتم الاتفاق مبدئيا أن التنفيذ سيكون وفقا لمواصفات شبكة سكك حديد مصر الأحدث مقارنة بشبكة سكك حديد السودان، حيث خط سكة الحديد الممتد من أسوان حتى الخرطوم البد أن يكون متماثل في المواصفات من حيث عرضه وأبعاده والقضبان الحديدية ومواصفاتها.
وسيتم ربط السكك الحديدية بين مصر والسودان بحيث يمكن للراكب استقلال القطار من محطة سيدي جابر بالإسكندرية حتى الخرطوم مباشرة بدون توقف، وسيتم استخدام هذا الخط في نقل الركاب والبضائع معا بين البلدين، ومخطط مده مستقبلا ليربط هذا الخط مصر بكافة الأراضي السودانية.
ويعد خط سكة الحديد المصري الحالي الممتد من الإسكندرية حتى أسوان والجاري تحديثه وتطويره حاليا سيتم مده من أسوان في اتجاه الخرطوم، حيث ستمد المرحلة الأولى من أسوان حتى وادي حلفا ثم يمتد الخط في اتجاه الخرطوم حتى يتم ربط كافة الأراضي بالبلدين بخط سكة حديد مما سيزيد الترابط وحركة التجارة بين البلدين.
سيكون المشروع أحد أكبر المشروعات الاستراتيجية بين البلدين، وستبدأ أعمال التنفيذ مباشرة بعد إعداد دراسات الجدوى والدراسات الفنية التفصيلية لهذا الخط، وستحدد الدراسات الخريطة الزمنية للتنفيذ بناء على التمويل المتوفر وما ستؤدى إليه المفاوضات بين البلدين، حيث متوقع تشكيل لجنة عليا تضم وزيري النقل والخارجية في البلدين لمتابعة تنفيذ هذا المشروع.
مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان
ينفذ المشروع على ثلاثة محاور، وتبلغ قدرة المرحلة الأولى من المشروع 300 ميجا وات، ويدرس الجانبان التوسع في هذا المشروع ليصل إلى 3 آلاف ميجا وات في المرحلة الثانية من المشروع، يضم خط الربط 300 برج على الأراضي المصرية، وتبلغ التكلفة الاستثمارية المتوقعة لمشروع الربط الكهربائي مع السودان حوالي 56 مليون دولار التي تخص الجانب المصري، ويسمح خط الربط مع السودان لمصر بالربط مع باقي الدول بأفريقيا وتقديم لهم ما يحتاجونه من الكهرباء.
تم الانتهاء من خط الربط الهوائي المزدوج الدائرة توشكي )2 / )وادى حلفا جهد 220 ك.ف ، ويبلغ الجهد الكهربائي للمحطة 220/66 فولت وتعمل بنظام العزل بالهواء أو AIS ، حيث بلغت التكلفة الاستثمارية للتوسعات حوالى 550,32 مليون جنيه، وأعلنت سيمنز الانتهاء من بناء محطة توشكي.
وستحصل مصر على اللحوم وفول الصويا وعباد الشمس من السودان مقابل قيمة الربط الكهربائي، وتتمثل فائدة الربط في توفير التكاليف وقيمة الوقود المستخدم في المحطات والاستفادة من أوقات الذروة وتحقيق عائدات مالية للدول التي تمر بها خطوط الربط الكهربائي.
وبدأ الربط الكهربائي المصري عمليا في الثالث من أبريل الماضى في تغذية الشبكة القومية وتغذية المناطق الواقعة شمال السودان، وذلك في إطار السعي الحثيث لتطوير الإمداد الكهربائي.
التبادل التجاري بين البلدين
بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2019 ليصل إلى نحو 648 مليون دولار، بنسبة زيادة قدرها نحو 6 %مقارنة بذات الفترة من عام 2018.
ارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى السودان أيضًا لتصل إلى نحو 328 مليون دولار بنسبة زيادة 15 %عن الفترة نفسها من عام 2018.
وتعد اتفاقية الكوميسا التي تتم حالًيا في إطارها المعاملات التجارية بين البلدين، اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري وبرنامجها التنفيذي لإقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى، بروتوكول للتبادل التجاري بين البلدين ويتضمن أهم بنوده أن تتم المعاملات التجارية بالعملات الحرة القابلة للدفع وبنظام الصفقات المتكافئة، وتوقيع اتفاقية بين الجانبين في 2003 يقوم بمقتضاه الجانب المصري باستيراد اللحوم السودانية المبردة من السودان أبرز الاتفاقات بين الجانبين.
المساعدات الإنسانية
تأتي المساعدات الإنسانية تأكيدا على عمق الروابط والعالقات التاريخية الراسخة التي تجمع مصر والسودان الشقيق، وانطلاقا من دور مصر الرائد تجاه كافة دول قارة أفريقيا في أوقات المحن والأزمات، وتقديم الدعم والتضامن الكامل لهم.
قامت مصر بإرسال شحنة مساعدات طبية للسودان في مايو 2019 .المساعدات المقدمة عبارة عن 25 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية للمساهمة في تخفيف العبء عن كاهل الشعب السوداني، وقد تم إعداد وتجهيز شحنات المساعدات ونقلها عبر طائرات عسكرية إلى مطار الخرطوم بالسودان.
فيما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإرسال شحنة عاجلة من المستلزمات الطبية والأدوية إلى السودان الشقيق في مايو 2020 .وقد قامت القيادة العامة للقوات المسلحة بإعداد وتجهيز أربع طائرات عسكرية محملة بكمية كبيرة من المستلزمات الطبية العاجلة والأدوية مقدمة من جمهورية مصر العربية لمساعدة حكومة دولة السودان الشقيق في مواجهة خطر انتشار فيروس "كورونا".
تشمل شحنة المساعدات كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الطبية للمساهمة في تخفيف العبء عن كاهل الشعب السوداني في ظل نقص الأدوية ومستلزمات الحماية والوقاية اللازمة لمواجهة فيروس "كورونا" ومساعدتها في الحد من تزايد أعداد الإصابات والوفيات بها.
كما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقديم المعاونة الأشقاء في السودان في أغسطس2020 ،حيث أقلعت طائرتان نقل عسكريتان على متنهما كميات كبيرة من المواد الغذائية وألبان الأطفال مقدمة من مصر الى السودان
وفي إطار تضامن مصر مع شعب السودان الشقيق المتضرر من السيول التي اجتاحته في سبتمبر 2020 ،تم إعداد وتجهيز كميات كبيرة من المساعدات العاجلة لمتضرري السيول من الأشقاء بدولة السودان
كما قامت القوات المسلحة تجهيز وإرسال عدد من خطوط إنتاج الخبز نصف آلي الميداني في أكتوبر 2020 ،حيث أقلعت ثالث طائرات نقل عسكرية من قاعدة شرق في رحلتهم الثالثة متجه إلى مطار الخرطوم الدولي بجمهورية السودان محملة بخطوط إنتاج الخبز والفنيين القائمين بتركيب وتشغيل الخطوط.
التعاون في مجال الصحة
تم الاتفاق على التعاون في مجال مكافحة الأمراض ومراجعة إطار عمل إرسال القوافل الطبية المصرية المتخصصة، ودعم بناء القدرات في السودان، وتعزيز استفادة السودان من مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لعالج مليون افريقي من فيروس سي.
أعلنت مصر عن استعدادها للتنسيق مع الجانب السوداني للمساهمة في علاج 250 ألف سوداني من فيروس سي ضمن مبادرة الرئيس السيسي لعالج مليون أفريقى، إتاحة 10 منح دراسية سنوًيا للأطباء السودانيين ضمن برنامج الزمالة المصرية، إتاحة بروتوكولات عالج فيروس "سي" للجانب السوداني للاستفادة منها، تفعيل نظم الترصد والتحكم للأوبئة بين البلدين الشقيقين.