"إيمان" عذبها والدها حتى الموت.. خبراء علم نفس واجتماع يفسرون أسباب الجريمة الأسرية
الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020 01:30 م
خلال الفترة الماضية وقعت جرائم عديدة داخل بعض الأسر، ارتكبها آباء بحق أبنائهم، بدوافع متعددة مثل تأديب الابن أو البنت عن طريق الضرب المبرح، والتعذيب حتى الموت، ليتحول بعدها الآب إلى قاتل، وأبنائه هم الضحايا والمجنى عليهم.
هذه الوقائع، ارتكبت من بعض الآباء عمدًا أو دون قصد، حسب اعترافاتهم بعد ضبطهم وتقديمهم للعدالة، لكنها تسلط الضوء على مدى زيادة معدلات العنف والجريمة الأسرية فى الشارع المصرى، وهو ما نحاول البحث فى هذا التقرير عن أسبابه وكيفية معالجته.
وكان آخر هذه الجرائم، ما شهدته قرية فى محافظة قنا خلال اليومين الماضيين، كان ضحيتها "إيمان" 20 عامًا، بعدما أقدم والدها على تكبيلها بالمنزل لمدة 3 أشهر، واعتدى عليها بالعصا، حتى فارقت الحياة متأثرة بإصابتها نتيجة الضرب المبرح، واعترف المتهم بعد ضبطه أنه تعدى على نجلته بالضرب المبرح بعد تكبيلها لمدة 3 أشهر، ظنا منه أنها "وش شؤم" بعد وفاة ابنه توأمها منذ عام فى حريق.
واقعة "إيمان"، الأخيرة، هى واحدة من ضمن سجل طويل من جرائم الآباء ضد أبنائهم، التى تقشعر لها الأبدان، ومن أبرز هذه الحوادث، ما شهدته منطقة أوسيم، خلال الأيام الماضية، بعدما تلقى مركز شرطة أوسيم، بلاغا يفيد وفاة فتاة ووجود شبهة جنائية في وفاتها، وبإجراء التحريات، تبين أن والد الفتاة وراء الاعتداء عليها بالضرب، حيث تم العثور على إصابات بأنحاء جسدها.
وألقى رجال المباحث القبض على المتهم، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة، لرفضها الزواج بشاب تقدم للارتباط بها، مؤكدا أنه لم يقصد قتلها، وكان يهدف إلى تأديبها. فيما جدد قاضى المعارضات بمحكمة شمال الجيزة، مؤخرًا، حبس العامل 15 يومًا على ذمة التحقيقات؛ لاتهامه بالتسبب فى وفاة ابنته فى أوسيم، بعدما اعتدى عليها بالضرب، لرفضها الزواج من شاب تقدم لخطبتها.
هناك أيضًا فى قائمة الجرائم، الجريمة البشعة التى وقعت نهاية شهر أكتوبر الماضى، وهى وفاة "رضيع طوخ" جوعًا الذى تركاه والداه لمدة 9 أيام وحيدا، والتى هزت الرأى العام وأحدثت صدمة فى المجتمع، وتركاه بمفرده 9 أيام بشقته السكنية بقرية بمدينة طوخ، حتى لفظ الطفل أنفاسه الأخيرة.
وألقى القبض على المتهمين، وخضعا للتحقيق، لاتهامهما بقتلهما عمدًا نجلَهما الرضيع البالغ ثلاثة أشهر بتركه دون رعاية حتى وفاته، وتعريض حياته بذلك للخطر الذى أودى بحياته، ومؤخرًا أمر قاضي المعارضات بمحكمة طوخ الجزئية، بتجديد حبس عاطف جودة وشيماء عنتر، والدى الطفل "أنس" ضحية الموت جوعا، 15 يوما للمرة الثانية.
حادثة أخرى تنضم لقائمة جرائم الآباء وجحودهم، تتمثل فى وفاة طفل معاق على يد والده بعدما تعدى عليه بالضرب، حيث اعترف المتهم في التحقيقات بأنه صفع ابنه على وجهه بسبب صراخه المستمر وشكوى الجيران منه.
وقررت نيابة مدينة نصر، يوم 29 أكتوبر الماضى، إحالة الأب المتهم بضرب ابنه حتى الموت لمحكمة الجنايات.
وأنكر المتهم في بداية التحقيق ارتكابه للواقعة وادعى أن ابنه سقط على الأرض بسبب ظروفه الصحية كونه معاقا ذهنيا ما أدى لوفاته، وبانتقال النيابة لمناظرة جثة الطفل تبين وجود آثار ضرب على جثته.
وقال المتهم إن جيرانه شكت له من صراخ ابنه المستمر، مما دفعه لمحاولة تأديبه بصفعه على وجهه فسقط على الأرض.
وفى تعليقه على هذه الجرائم، يوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسى، أن هناك انحدار ثقافى وقيمى، ولا بد من وقفة للتقليل من حجم هذه الجرائم.
وقال فرويز تعرضنا لهجمة ثقافية، ونوع من التردى الثقافى منذ فترة السبعينات ويزداد كل فترة، مشيرًا إلى أن الانحدار الثقافي يتمثل فى الازدواجية الدينية ما بين الشكل الدينى الخارجى وبين التصرفات الداخلية السيئة المنتشرة فى المجتمع.
كما أشار إلى الانحدار فى العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع؛ فالانحدار داخل الأسرة بين الزوجين وبينهم وبين الأولاد، والأشقاء بين بعضهم، أما داخل المجتمع، علق قائلا:"الناس خايفة من بعض وخايفة تساعد بعض، وفى تنافر اجتماعى للأسف".
واستطرد استشارى الطب النفسى: "كل هذا يضعنا أمام علامات استرشادية للانتباه والالتفات إلى هذه المشاكل، فهناك انحدار قيمى داخل المجتمع مثل زيادة نسب الطلاق والإلحاد.
فى السياق ذاته، أرجع الدكتور أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية، زيادة الجرائم الأسرية فى مصر، بسبب التفكك الأسرى والخلافات بين الوالدين التى تدفع أحدهم سواء الأب أو الأم للضغط على الطرف الآخر مستخدمًا الأبناء فى المشاحنات بينهما.
وأوضح أن هناك نوع من الضغط يلجأ إليه أحد الوالدين، متمثلًا فى الطفل أثناء الخلافات، إذ تتركه الأم على سبيل المثال لزوجها ليكون مسؤولا عنه ويرعاه أو العكس.
ولفت إلى أن هناك نوع آخر من الجرائم والعنف الأسرى يقف وراءه آباء غير مؤهلين نفسيا، ربما قد تعرضوا هم أيضًا لعنف من آبائهم، فيكرر ذلك ويمكن أن يكونوا أكثر عنفًا مع أبنائهم ما يتسبب عنه جرائم غير متوقعة.
كما نوه استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية، إلى وجود نسبة أمية فى المجتمع تساهم فى عدم الوعى لدى الآباء بكيفية التعامل مع الخلافات الأسرية، مطالبًا بضرورة أن يكون هناك تأهيل نفسى للأزواج، ودورات توعوية للمقبلين على الزواج.
وأشار إلى أن ما حدث فى واقعة الطفل الرضيع بطوخ أن الأم تركت والأب أهمل نتيجة عناد والديه اللذان تركاه 9 أيام، وهذه الحالات كثيرة، لكن ما حدث أن الطفل توفى، مضيفًا أن الأم والأب تحولا مجرمين وهم بالأساس ليسا كذلك، ولكن وصلوا إلى ذلك لعدم وعيهم وعدم تثقيفهم ونتيجة الإهمال.