كمين نزلة لبنان المتحضر
الأحد، 15 نوفمبر 2020 10:00 ص
أهلي الصعايدة يقولون: "خيل الحكومة عرجا وتجري بين النخيل"، وفي رواية ثانية يقولون: "فرس الحكومة عرجا وتجري في الهبطة".
والهبطة ـ أعزك الله ـ هي الأرض الزلقة التي لا تستقر عليها قدم الصحيح السليم المعافى فكيف ستستقر قدم الذي أصابه العرج؟
ومعنى المثل بروايتيه، أن الحكومة قادرة على تحقيق ما تريد تحقيقه غير عابئة بأية صعوبات، رغم أهمية وخطورة تلك الصعوبات، والمثل لا يضخم من قدرات الحكومة ولا يجاملها أو ينافقها، وذلك لأن الأمثال هي ذاكرة الشعوب الحية وهي مخزونها الحضاري القائم على خبرات حقيقية.
الحكومة المصرية عريقة جدًا، والأكيد عندنا أن زمن نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم جميعًا السلام، قد شهد حكومة مركزية قوية تفرض سيطرتها على كامل التراب المصري، فقد كانت هناك حكومة لها نظامها القضائي بل والإعلامي والعسكري والاقتصادي، وقوة حكومة ذلك الزمان هي التي مكنت يوسف عليه السلام من تنفيذ خطته التي بها أنقذ مصر والعالم المحيط بها من مجاعة قاتلة.
قبل ساعة من عصر يوم الأحد، الثامن من شهرنا الجاري نوفمبر 2020 كنت شاهدًا على خيل الحكومة التي لا يصمد لقوتها شيء ولا يستطيع عائق إعاقتها.
وأصل القصة أن الحكومة المصرية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي قد بدأت تشعر بأن البلاد مهددة بموجة جديدة من فيروس كورونا، وقد عزز شعورها ما يصدر عن وزارة الصحة من بيانات، كان أحدثها: "تسجيل 239 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها معمليًا للفيروس، وذلك ضمن إجراءات الترصد والتقصي والفحوصات اللازمة التي تُجريها وزارة الصحة وفقًا لإرشادات منظمة الصحة العالمية، أما عن الوفيات فقد تم تسجيل وفاة 13 حالة جديدة".
فكيف عالجت الحكومة الموقف؟
بدأت في هدوء وبدون ضجيج في فرض الالتزام بالإجراءات الاحترازية المتفق عليها عالميًا، والذي أنا شاهد عليه يظهر أن الحكومة جادة جدًا، فقد أرسلت مجموعة من رجال الأمن إلى نزلة لبنان من طريق المحور، وهذه المنطقة بطبيعتها تشهد زحامًا أبديًا أزليًا وتتكدس السيارة الخاصة والأجرة في تلك المنطقة صانعة زحامًا كزحام يوم الحشر.
فريق الأمن الذي يقوده ضابط شاب مهذب، يعرف كيف يفرض القانون بدون توتر أو اصطدام سخيف مع الناس، يقوم بإيقاف كل السيارات ويفتش عن الكمامات، يصنع ذلك بأدب ورقي وتحضر وهدوء، وتلك السمات ضرورة جدًا في التعامل مع حشود تتباين أخلاقيات أفرادها، فمنا من يستجيب بإشارة ومنا من لا يستجيب إلا تحت عصا القانون.
كان الضابط الفاهم الواعي يقول بصوت خافت لكل الذين لا يضعون الكمامة: الذي يرفض سأجعله يدفع أربعة آلاف جنيه.
وكان لهدوئه فعل السحر فقد سارع الجميع إلى لبس الكمامة، والعجيب أنها كانت معهم ولكن لا يلتزمون بلبسها.
ثم توجه الضابط إلى سائقي سيارات الأجرة وقال لهم: لا تمكنوا الراكب الذي لا يرتدي الكمامة من الصعود إلى سياراتكم، ولو خالفتم القانون فسيتم توقيع الغرامة بدون أي استثناء ولا وجود لأي محسوبية.
في أقل من ثلاث دقائق وضع الجميع الكمامات في مشهد يصلح للسينما العالمية، مشهد نظيف لم تشبه شائبة من تشنج أو تطاول أو تعسف.
هل هذا المشهد الجميل كلف الحكومة شيئًا؟
بكل تأكيد لم يكلفها إلا اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، فلو كان الضابط بغير المواصفات والصفات التي ذكرتها لحدثت أزمة ولتداول الجميع الصور والفيديوهات على مواقع التواصل، ولتم الإفلات من القانون، ولكن رقي الضابط وتحضره ومعرفته بحدوده أبطلت كل الحجج، وعليه فالكرة دائمًا بين أقدام الحكومة التي يستطيع خيلها السابحة في الفضاء وليس الجري بين النخيل.