ركبت جماعة الإخوان وقنواتها والمرتزقة العاملون فيها موجة التجارة المحببة لهم، ورقصوا على إيقاع ديكتاتور تركيا رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الصغير تميم بن حمد، اللذين يحاولون تصفية حسابات سياسية مع باريس منذ اندلعت أزمة الرسوم المسيئة للرسول فى فرنسا للمرة الثانية.
موجة رقص الإرهابية تخص موقف فرنسا الداعم لليونان وقبرص فى شرق المتوسط، وبعد العجز عن مواجهة الضربات القوية من الإعلام المصرى بالمنطق والحجة. والتغطية على الدعوات العربية المتصاعدة لمقاطعة المنتجات التركية فى ضوء سياسة أنقرة العدائية وجرائمها المفتوحة بحق عدد من دول المنطقة، لكن إلى جانب ذلك وجدت الجماعة الإرهابية فى تلك اللعبة التى تجيدها منذ تأسيسها على يد حسن البنا أواخر عشرينيات القرن الماضى، فرصة للمزايدة على خصومها والمتصدين لها من الإعلاميين وداعمى الدولة المصرية، ولأن الجماعة تدمن اللعب بورقة الفتنة الطائفية، وتستهدف شق الصف وضرب التماسك الاجتماعى والوطنى بين المصريين، بحثت عن خصم قبطى وبدأت العزف الرخيص.
المرتزق ناصر الفتنة
جاءت اللعبة المشبوهة تلك المرة من خلال مرتزق قنوات الإخوان محمد ناصر، إذ هاجم فى حلقة اليوم من برنامجه على قناة مكملين الإخوانية، الإعلامى المصرى البارز ألبرت شفيق، رئيس قناة ON والمشرف على قناة إكسترا الإخبارية، محاولا تشويهه عبر الحديث عن عقيدته وربط الأمر بالرسوم الفرنسية المسيئة، مع اعتماد لهجة خشنة فى استهداف واضح لاستعداء المصريين ضد الأقباط، وهو تكرار للسيناريو نفسه الذى اعتمدته الجماعة مرات عديدة طوال تاريخها، وأسفرت فى اللجوء إليه بعد يناير 2011، ثم بعد ثورة 30 يونيو قبل 7 سنوات.
لم يذكر محمد ناصر وقائع إساءة من ألبرت شفيق أو قناة ON، لأنها لم تحدث بالتأكيد، لكن العودة قليلا إلى الوراء ربما تفسر سر هذا الموقف.. فقبل نحو شهر من الآن كانت القناة ورئيسها شريكين أساسيين فى ضربة قوية وجهتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إلى الجزيرة القطرية وقنوات الإخوان، عبر تصوير مظاهرة مصطنعة فى أحد الاستوديوهات السينمائية، لتتلقفها كل تلك القنوات وتكثف إذاعتها باعتبارها مظاهرة حاشدة فى منطقة نزلة السمان بالجيزة. فى حلقة خالد صلاح ويوسف الحسينى التى كشفت تفاصيل الضربة وفضحت قنوات قطر والجماعة الإرهابية، ومنها "مكملين" التى أذاعت الفيديو نفسه، كانت قناة ON الذراع الإعلامية لتعرية مرتزقة الإعلام المعادى، وكان رئيسها ألبرت شفيق شريكا مباشرا فى الأمر بإشرافه على ON واكسترا اللتين أذاعتا الحلقة بالتزامن، ووجوده فى استوديو الهواء ومتابعته اللحظية لخروج هذا المشهد الاستثنائى الكاشف إلى النور ووصوله للملايين.
فضلا عن هذا الموقف، فإن ON تلعب دورا مباشرا فى التصدى للهجمات الإعلامية المكثفة من قطر وتركيا والإخوان، عبر خريطة شاملة من البرامج والتغطيات والمُعالجات المعمقة والمواد النوعية، وبالمثل فإن "إكسترا" التى يشرف عليها ألبرت تمثل الذراع الأكثر قوة بين القنوات المصرية التى تتصدى للإعلام المعادى، إذ تقدم متابعات إخبارية وتحليلية نوعية على مدار الساعة لكل جرائم الجماعة، وما يحدث من تركيا وقطر إقليميا وعالميا، مع أوسع تغطية مباشرة من المحافظات والشوارع لنقل واقع الأحداث ونسف أكاذيب الجماعة الإرهابية وأخبارها الملفقة ومظاهراتها الوهمية. وأمام هذا الدور الذى يلعبه ألبرت شفيق، من المؤكد أن جماعة الإخوان وسادتها فى تركيا وقطر لا يحبونه، وأنهم لن يدخروا أى جهد فى محاولة تشويهه، حتى لو وصل الأمر إلى استعادة لعبة الفتنة الطائفية واستهداف الأقباط ومحاولة ترويعهم أو إرهابهم بالقول والفعل.
تشويه يستعيد صحيفة السوابق
قد يبدو منطقيا أن تلجأ قنوات الإخوان لتشويه إعلامى بارز يمثل عقبة ضخمة فى طريق تمرير رسائلهم المشوهة. لكن ربما يستغرب البعض أن تستعير الجماعة مفردات الفتنة الطائفية والشحن على الهوية والعقيدة لتحقيق هذا الثأر أو تصفية الحسابات العالقة من وجهة نظرهم مع ألبرت، لكن الحقيقة أن واقع الجماعة وتاريخها لا يتركان أية مساحة للدهشة أو الاستغراب.
محمد ناصر نفسه حرض ضد الأقباط فى حلقات عديدة من برنامجه على "مكملين"، والقناة تفتح أبوابها على آخرها لهذا الخطاب المتطرف فى برامج عديدة ولوجوه غارقة فى الأخونة والتبعية للأجندة التركية، والأمر نفسه فى قناتى الشرق ووطن بإسطنبول، وفى قناة الحوار بلندن، بل إن الجزيرة التى تدعى المهنية تورطت فى المسار نفسه مرات عديدة. ويمكن بالبحث الوصول إلى مئات الفيديوهات لعناصر الجماعة وحلفائها: وجدى غنيم، وآيات عرابى، وأحمد سمير، وعماد البحيرى، وأحمد عطوان، وحمزة زوبع، وهشام عبد الله، وعشرات غيرهم تمتلئ بالشحن والطائفية والاستعداء وإهانة الأقباط والتحريض عليهم.
بعيدا من الرسائل الدعائية المتطرفة، فإن الممارسات العملية للتنظيم طوال تاريخه لا تخلو من عنف طائفى منظم. خلال وجود مؤسس الإخوان حسن البنا نفذ التنظيم الخاص "المسلح" للجماعة عمليات تفجير وحرائق لحارة اليهود وعدد من المعابد والكنائس، وحاولوا اغتيال سياسيين أقباط، وطعنوا فى مثقفين ورموز وشخصيات عامة انطلاقا من ديانتهم المسيحية، وامتد الأمر إلى التحريض المباشر ضد الأقباط بعد ثورة يناير، وتمرير تعديلات الدستور فى مارس 2011 وغيرها من الأجندات السياسية بدعوى أن الأقباط يعارضون تلك المواقف ويجب أن يدعمها المسلمون، ثم اتهموا ثورة 30 يونيو الشعبية الكاسحة بأنها ثورة أقباط، وصولا إلى قتل المسيحيين وإحراق مئات الكنائس فى الجيزة والفيوم وبنى سويف والمنيا وعدد كبير من المحافظات والمدن يعد فض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر الإرهابيين.
عاصفة الإرهاب الموجهة ضد مصر بأكملها منذ أغسطس 2013 حتى الآن، وجهت حصة كبيرة من طاقتها لاستهداف الكنائس، وترويع الأقباط ومحاولة فصلهم عن الثورة الوليدة وترويعهم حتى يتراجعوا عن دعم الدولة. وإلى جانب تورط عناصر تابعين للإخوان فى عشرات من تلك الجرائم واعترافهم ومحاكمتهم، أصدرت التنظيمات الإرهابية المنبثقة عن الجماعة، مثل حسم ولواء الثورة والعقاب الثورى، بيانات عديدة تعترف فيها بوقائع شبيهة وجرائم نُفذت ضد الأقباط، وشهدت عديد من الكنائس بالقاهرة والجيزة والصعيد والمنصورة حالات استهداف بالطعن أو التفجير أو إطلاق الرصاص، وصولا إلى حادث تفجير الكنيسة البطرسية فى محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فى جريمة راح ضحيتها عشرات الأبرياء من النساء والأطفال، وأثبتت المعلومات القاطعة ونتائج تحليل الحمض النووى أن الانتحارى المنفذ للعملية يرتبط بجماعة الإخوان، وحصل على تدريب وتأهيل داخل دوائر إرهابية قريبة للتنظيم، وسافر إلى السودان ضمن مجموعات الإخوان التى نزحت واتخذت من الجنوب مقرا لنشاطها إلى جانب المقرات الأخرى فى قطر وتركيا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية.
بالتاريخ والواقع يتأكد أن الإخوان يكرهون الأقباط، أو بالأحرى يكرهون عموم المصريين وبينهم الأقباط، وأنهم يترجمون تلك الكراهية إلى جرائم واستهداف مباشر يبدأ بالكذب وينتهى إلى التفجير والدم، ومع العمل تحت راية الأتراك وفى خدمة أجندة أردوغان، والخسائر المتتالية وتتابع الفضائح تحت ضغط التصدى الصلب من الإعلام المصرى، فإن الكراهية تتعمق تجاه مصر وأهلها، وتجاه الفاعلين فى الإعلام، وهكذا قد يبدو مفهوما موقف مرتزق مثل محمد ناصر على صعيد اللعب بورقة الفتنة الطائفية ومحاولات تصفية الحسابات مع قناة ON ورئيسها. قد يبدو مفهوما وغير غريب بالفعل، لكنه بالتأكيد يظل فعلا حقيرا ووضيعا، ككل أفعال المرتزقة والأجراء لدى الإخوان وفى حظائر الأتراك والقطريين.