عن أي حرية يتحدثون؟

السبت، 19 سبتمبر 2020 03:05 م
عن أي حرية يتحدثون؟
السعيد حامد يكتب:

ليست مجرد دعوات للخروج على نظام يحكم لا يتفقون معه في إدارته وسياسته، ليست دعوات لإرساء الإنسانية والعدل والمساواة بين الجميع أمام القانون، ليست دعوات لإنقاذ مستقبل المصريين، كما يدعون ويزعمون، بل دعوات للانتقام والقتل، دعوات لتحطيم معنويات وطموحات وآمال المصريين، وتقزيم البلاد، صانعة الحضارة، أمام دول إقليمية وعربية مارقة، أمعنت في الاستبداد والديكتاتورية والفساد، دعوات لاقتتال أهلي، وساحات للرصاص العشوائي، وشهداء وقتلى، وقتلى وشهداء، فقط، لإعادة التجار والبقالين، والمراهقين الثوريين، وشيوخ العمائم، إلى ماضيهم الذي كان.
 
لأكثر من تسعة أعوام، لا تزال ثورة (25 يناير- 30 يونيو)، الفريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية- كما يقول دستور البلاد، تثير الجدل على ما يبدو، بقدرتها الفائقة على تجاوز الطبقات والأيدولجيات، وأحمق مجرم، في حق بلاده وثورة بلاده، من يصدق أو يفكر في تصديق، أن جماعات حكم الـ 300 عام من الخلافة، برفقة رجال المسدسات الصوتية، دينية أو يسارية كانت، يريدون الحرية والكرامة الإنسانية، والديمقراطية.
 
إن أكثر ما يعاديه ذلك الجمع البائس، في الحقيقة، هو الحرية والكرامة الإنسانية، لا يريدون سوى حرية في القتل والبلطجة والتكفير، والجلد، والإقصاء، حرية في رقابة وفتح، وغلق، الأعضاء الجنسية. وكرامة إنسانية تشبه، أن لا تنسى قراءة أدعيتك الروحية، وأنت تجز الرقاب والأعناق والأوصال، أو إنسانية تشبه إنسانية أسامة بن لادن، وهتلر، وفي راوية أخرى، إنسانية تشبه أن تعاير وتوافق وتفرح وتتواطأ، على قتل الجنود والضباط والعساكر، ومهاجمة الأقسام والمعسكرات، وزرع القنابل اليدوية، والسجود لله شكرا على احتلال أرضك، نكاية في نظام لا تشجعه ولا تريده، وأن تثور وتغضب كل الغضب لأجل الإنسانية المهدرة، حين تظهر صور قتلى المجرمين وقاطعي الطرق واللصوص، للملأ.
 
وبينما من منحوا أنفسهم لقب ونيشان رجال ثورة 25 يناير، حاكموا الجميع في البلاد، ونصبوا محكام التفتيش الشعبية والسياسية والدينية، متوعدون مبشرون، بالعذاب والهوان والبؤس، والفضح والتجريس، لكل الخصوم والأعداء وحتى الحلفاء، لا يزالون يرفضون ويقاومون، مراجعة ونقض ونقد، أخطائهم واختياراتهم وآثامهم وجرائهم في حق الثورة وشعاراتها النبيلة، فثمة من يحلم بالعودة إلى المسيرات الفوضوية والشاشات والأضواء، لقيادة الجماهير الغاضبة البريئة الساذجة، تحت لواء تنظيم الإخوان، الذين لم يشبعوا قط، من محاولات تعرية ونهش وتمزيق جسد الثورة، ووأد ديمقراطيتها الناشئة، وتفخيخ شوارعها واستهداف أبنائها ومستقبل أبنائها.
 
لكن، حين خرج الجميع في 25 يناير مطالبا بالحرية، رافعا لواءها، مناديا هاتفا باسمها في الميادين والشوارع، بدا أنهم لم يحددوا أي حرية يريدونها حقا، فما تبين بعد كل تلك السنوات، أن لا معنى ثابت واضح محدد لشيء واحد هنا، فحين تتحدث عن الحرية، فسر ووضح ما تقصده، أتقصد حرية المذهب والعقيدة والجسد، أم حرية الزواج بأربع ومضاجعة الأطفال، وفرض الحجاب والنقاب والسراويل؟ حرية الفن والتعبير أم حرية أناشيد الدفوف وهدم أثار الفراعنة؟ حرية المرأة في قرارها واختيارها وجسدها، أم حرية الضرب والتكسير والتأديب والتحرش والإذلال؟
 
ثم، أي حرية كان يهتف لها وبها في الميادين، حرية إسلامية واسطية مزعومة تقبل وترحب وتمدح، شريك الوطن فقط في المؤتمرات وأمام الكاميرات دون أن يكون له حق حكم الوطن أو التحدث باسم الوطن، أم حرية تقبل بالرذيلة والمعصية والنذالات والآثام طالما ارتكتب في الخفاء؟ أم لعلها حرية إخوانية أستاذية نهضوية عالمية، تعيد أخلاق وأمجاد السيف المنسية التي كانت، وتعيد أيضا فتوحات وغزوات الخلافة المزعومة؟ أم حرية سلفية بنقاب وسروال أبيض، فيها أطيب وألذ النساء والجواري والأرامل وأطفال السمنة، وكثير من أحاديث ووعيد ونذير رفقاء المقابر، فيها الوطن حفنة من تراب لا يمكن إدارته بقوانين مدنية وضعية كافرة؟
 
أي حرية، حرية ناصرية قومية؟ ترمي الأعداء ودعاة الإمبريالية الرأسمالية البربرية المتوحشة في البحر، وتبني لأعدائها وخصومها خوازيق الرفض والكبرياء؟ أم حرية ينارجية، تهدم وتحطم مؤسسات البلاد، وتسجن وتشرد وتقصي ملايين المصريين بدعوى التطهير والفلول، تفتش عن الخلايا الثورية الجسدية في حلقات ذكر وسط البلد السياسة؟ أم حرية يسارية يكون الفقر والمرمطة للجميع شعار المرحلة؟
 
حين خرج المصريون في الشوارع ليطالبوا بالحرية، هل اتفقوا حقا على معنى واحد للحرية؟ إن كل من يطالب بالحرية الآن، لا يبحث سوى عن حريته التي في مخيلته وأفكاره وأهوائه وأحلامه وتفاسيره، لا يبحث سوى عن حريته في دهس وهزم الخصوم والأعداء والمنافسين المحتملين، في المنزل والشارع والورشة والشركة، دون عقاب أو محاسبة أو مسئولية، لا يبحث سوى عن حريته في مغازلة ومراودة ومضاجعة ولقاء كل فتاة وامرأة يريدها، دون أن يكون لأي أحد، الحق في مغازلة أومراودة أو مضاجعة أو لقاء نسوته، أو لعله يبحث عن حريته في مشاركة الفاسدين فسادهم. للحديث بقية
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة