رحلة الياسمين من «شبرا بلولة» بالغربية إلى أكبر شركات العطور الفرنسية
الأحد، 06 سبتمبر 2020 07:37 مكتبت.. إيمان محجوب
بين طرق ترابية وضوء القمر تتناثر زهرات مضيئة على الشجر تمتد أيادي طيبه لقطف الزهرات ووضعها في سلال، من منتصف الليل وحتى الساعات الأولى من الصباح.. هذه ليست مقدمة قصة رومانسية إنها حدوتة أرض مصرية تراعها أيادي الطيبين طوال العام، ليبدأ موسم حصاد الياسمين بقري محافظة الغربية «شبرا بلولة» مركز قطور، وبعض قرى مركز بسيون من يوليو وحتى نوفمبر، وتصدر مصر 50% من عجينة الياسمين في العالم لمصانع العطور في فرنسا.
قصص وحكايات عاشها أبناء محافظة الغربية طوال 100 عام مع شجرة الياسمين المعمرة زهرة الحب الحساسة جدا لأشعة الشمس، فأتقن الأهالي رعايتها حتى أطلقوا على كل مولدة أنثى من قريتهم «ياسمين» فأصبح ياسمين قرية شبرا بلولة يحتل مكانة عالمية بارزة بسبب جودته العالية وبسبب طقس مصر المعتدل، الذي يسمح بزراعة زهور الياسمين، لأنها تحتاج لمناخ معتدل الحرارة ورطوبة منخفضة، لذلك اقتصرت زراعته على قرية شبرا بلولة وبعض قرى محافظة الغربية بوسط الدلتا.
وتنتج قرية «شبرا بلولة» مركز قطور وحدها نحو 10 أطنان يوميا، ويباع طن الياسمين بنحو 12 ألف جنيه- 800 دولار- ليستخلص منه ما يتراوح ما بين 2 إلى 3 كيلوغرامات من عجينة الياسمين، يتم تصدير الكيلو منها مقابل 15 ألف دولار. ويعمل بهذه المهنة نحو 10 آلاف عامل ومزارع، ووفقا إحصائية رسمية وتوصيات مؤتمر عن زراعة الياسمين في أميركا صدرت مؤخرا فإن ما تنتجه القرية من الياسمين يصل إلى 50% من إنتاج العالم منه، كما أصبحت الأولى في العالم في زراعته.
سر ارتباط قرية شبرا بلولة بزراعة وتصنيع الياسمين
القصة بدأت عندما قام أحد كبار ملاك الأراضي وهو أحمد باشا فخري باستيراد زهرة الياسمين من فرنسا لزراعتها في مصر، واكتشف أن أراضي القرية هي الأنسب والأجود والمتوافر بها كل الشروط اللازمة للزراعة، وبدأ بالفعل بزراعتها على مساحات شاسعة من الأراضي بالقرية، ثم قام بإنشاء مصنع مع شريكة فرنسية تدعى سيسيل يوسف، ليتولى المصنع استخلاص عجينة الياسمين وتصديرها لفرنسا تحديدا، ومع مرور الوقت انتشرت زراعة الياسمين في القرية وزاد المحصول بوفرة كبيرة، واحتاج الأمر لمصنع جديد يستوعب المحصول الإضافي والزائد. ولهذا السبب انفصلت الشريكة الفرنسية وشيدت مصنعا جديدا حمل اسمها ومازال المصنعان يعملان حتى الآن في القرية.
مراحل تصنيع عجينة الياسمين التي يتم تصديرها للخارج بملايين الدولارات
تبدأ من مرحلة الزراعة وهي مرحلة تستمر لشهور طويلة في السنة، وكل شجرة تطرح زهرات الياسمين التي تجمع يوميا وخلال المساء فقط، لأن زهرة الياسمين شديدة الحساسية لضوء الشمس، فهي مغطاه بمادة شمعية تعزلها عن حرارة الشمس ومليئة بالزيوت الطيارة، ولو تم جمعها أثناء النهار وفي ضوء الشمس، فسيتعرض الشمع للإذابة، ومن ثم نفاذ الزيوت الطيارة وبالتالي تموت الزهرة ولا يستفاد منها.
عقب انتهاء مرحلة الحصاد يتم تجميع زهور الياسمين فيما يعرف بالمجمع، الذي يقوم بتجميع حصاد كل يوم، ثم يدفع به إلى المصنعين القائمين في القرية، وهناك يتم وضع الزهور بعد غسلها جيدا في حلة كبيرة يتم خلالها فصل الشمع عن الياسمين بواسطة البخار الناتج عن التعرض لغاز الهيكسان ، ويقول فهمي إن الزهور تنتقل بعد ذلك إلى ما يعرف بالقابلة لاستخلاص الزيت من الزهرة، ليدخل بعد ذلك إلى المعمل العجينة التي تصدر للخارج لاستخدامها في تصنيع العطور والأدوية الطبية.
وزيت زهرة الياسمين، هو زيت عبق شعبي جدا، يحتوي على خلات البنزيل، والتيربينول، والياسمون، وبنزوات البنزيل، والينالول، والكحول ومركبات أخرى. كما يستخرج زيت زهرة الياسمين، من نوعين من الياسمين وهما جاسمينوم أوفيسينال وغرانديفلوروم، ويستخدم في العطور عالية الجودة ومستحضرات التجميل، مثل الكريمات والزيوت والصابون والشامبو.
وقد استخدمت زهرة الياسمين لبعض الاغراض الطبيعة، في الطب الايورفيدا تستخدم زهرة الياسمين لتهدئة الأعصاب، وتهدئة المشاكل العاطفية، والمساعدة على التخلص من التوتر والصداع، ولأن زهرة الياسمين لها خصائص مضادة للتشنج يمكن أن تساعد على تخفيف تشنجات الرحم والألم أثناء الولادة. وفي الطب الصيني تستخدم زهرة الياسمين لتبريد الدم ولها خصائص مضادة للجراثيم قوية ومضادة للفيروسات ومكافحة للورم، ولأنها تبرد الدم فهى تساعد في الحد من الحمى أو تخفض درجة حرارة الشخص المحموم (من الشمس).
وزهرة الياسمين لها خصائص قابضة تساعد في علاج العيون الملتهبة والجلد، وتستخدم كغرغرة لتخفيف التهاب الحلق وقرح الفم، تستخدم زهرة الياسمين في الروائح لتهدئة العواطف، بل هي علاج جيد في حالات الاكتئاب لأنها تنتج شعور من الثقة والتفاؤل والنشوة و ينشط ويعيد توازن الطاقة.
وأطلق على زهرة الياسمين اسم «ملكة الليل» ويرتدي النساء فى جنوب شرق آسيا زهور الياسمين فى شعرهن، وهناك عدة دول تعتبر زهرة الياسمين رمزا وطنيا لهم، وهم هاواي، وأندونيسيا، وباكستان والفلبين، وفي تايلاند زهرة الياسمين هى رمز للأم وتدل على الحب والاحترام.