بلا أب ولا أم ولا زوج أو أبناء، فقط هي وحدها، تعيش «الحاجة فتحية» في هذه الدنيا تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة؛ فلا سند لها، سوى عكاز تتكئ عليها، قبل أن تبدأ رحلتها اليومية الشاقة، في جر «عربة الثلج» لتوزعه على الزبائن، علاها تحصل على ما يسد رمقها، ويمكنها من مواصلة المشوار.
في قلب مدينة المنصور التابعة لمحافظة الدقهلية، اختارت السيدة «فتحية»- صاحبة السبعين عاما- التصدي لمتاعب الحياة بالعمل والاجتهاد والكفاح المستمر، بدلا من طلب المساعدة من أحد، وكواحدة من عظيمات المحروسة، تحمل السيدة العجوز، الثلج على ظهرها لتكسب قوت يومها.
في صباح كل يوم، تخرج «فتحية» من منزلها لتجر عربة الثلج راضية مبتسمة، إذ أنها تعمل في مهنة صيفية سرعان ما ستختفي عند حلول الشتاء، على أمل أن تدخر جزء من مكسبها الضئيل لفصل الشتاء.
تقول «فتحية»: «لو ليك نقطة مياه مكتوبالك تشربها هتشربها لو في آخر الدنيا.. ليك نصيب تأكل رغيف هتاكله.. أنا عندي 70 سنة.. اتجوزت وسبت جوزي، ونزلت بعد كده اشتغلت وسعيت ورا لقمة عيشي عشان متحوجش لحد أو أمد إيدي لحد اللي هيسلفني النهاردة مش هيسلفني بكرة».
تعمل السيدة فتحية في بيع الثلج منذ ما يقرب من 40 عاما، وتحاول أن تدخر ما يكفيها لفصل الشتاء، حتى لا تضطر إلى الاستدانة من أحد. تقول فتحية: «وقفت على الثلاجة وبقيت أوزع الثلج على العربية للزبائن بتوعي كل يوم على كده واشترى أكلى وأنا مروحه بقالي فوق الـ 40 سنة شغالة على الوضع ده ومبروحش لحد أقوله اديني، ولا ليا معاش يسندني في الدنيا، وبعد ما أخلص شغلي اشترى الأكلة اللي هاكلها واروح بيتي وكل يوم على هذا الحال».
«من ساعة ما عييت من4 سنين وأنا واقفة على التلاجة وربنا بيراضيني وحمداه وشكراه.. بتفرج عليا في الـ 3 أو 4 شهور الصيف وبعمل حسابي وبمشي على قد حالي، وأحوش منهم للشتا لأن الشغلانة ديه صيفية وإن بعت لو اتنين في الشتا يبقى رضا من عند ربنا مبكسبش فيهم حاجة بس عشان زبوني ميروحش مني»، تضيف «فتحية».
تعيش السيدة «فتحية»- كما قالت- بمبدأ «دع الخلق للخالق»، وربما يفسر هذا، الحب الذي يكنه سكان المنطقة لسيدة الثلج العجوز، تقول «فتحية» عن ذلك: «عايشة في حالي هنا في المنطقة، لا ليا دعوة باللي راح ولا اللي جه بحب كل الناس والناس بتحبني لأن معاملتي حلوة معاهم ماشية على مقولة دع الخلق للخالق».
لا تخشى السيدة «فتحية» أن توافيها المنية وحدها، لكنها تتمنى في الوقت ذاته ألا تتعذب خلال سنواتها الباقية، وأن تحصل على غذاء نظيف وعلاج يوقف ألمها وأناتها. تقول «فتحية» عن ذلك: «مفيش مسلم بيخاف من الموت، وأنا ما بخفش من الموت أنا كل اللي طالبها من ربنا إني ما تعذبش الكام سنة اللي فاضلين من عمري، طالبة كفن وافر وما تعذبش بقية أيامي ولقمة نضيفة وعلاج نضيف.. لأن الألم اللي بتألمه وأنا نايمة صعب وصعب كمان أعمل عملية هفتح على نفسي أبواب صعبة لأني وحدانية».
ورغم المشاقة التي تتحملها سيدة الثلج العجوز، كل يوم وهي تجر العربة، إلا أن عزيمتها لم تلن، راضية بحكم القدر الذي حرمها من الأبناء والأقارب، لكن لم يحرمها من العزيمة والمثابرة.