يوسف أيوب يكتب: السلام الإماراتي الإسرائيلي لم يكن مفاجئاً
السبت، 22 أغسطس 2020 09:00 م
زيارة نتانياهو لمسقط ولقاءه البرهان والإعلان عن تعاون بين أبو ظبى وتل أبيب في مكافحة فيروس كورونا كانت مقدمات لتغيرات جذرية في المنقطة
الفلسطينيين تجاهلوا أساس الأزمة وهو استمرار الانقسام الداخلى وحولوا دفة الهجوم للخارج ورفضوا الاستفادة من تجربة "ياسر عرفات"
لم نكن بحاجة ليقف الرئيس الأمريكي وسط طاقم عمله ليعلن تدشين مرحلة تاريخية جديدة باتفاق دولة الإمارات على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، فكل المؤشرات كانت تقول أن هذه اللحظة قادمة، إن لم يكن اليوم فغداً، كما ان هذه المؤشرات تقول أن دولاً عربية أخرى ستسير مع الإمارات في هذا الاتجاه، وتابعنا تصريحات المتحدث باسم الخارجية السودانية حيدر بدوى صادق، الثلاثاء الماضى بأن بلاده تتطلع لاتفاق سلام مع إسرائيل قائم على الندية ومصلحة الخرطوم دون التضحية بالقيم والثوابت، وقوله أيضاً أنه "ما من سبب لاستمرار العداء بين السودان وإسرائيل"، وأن السودان وإسرائيل سيجنيان فوائد وثمارا من عقد اتفاق سلام.
الأسبوع الماضى كان ملئ بالتعليقات على الاتفاق الإماراتى الإسرائيلي، ما بين مرحب ومتحفظ ورافض، ولكل سببه في تعليقه وموقفه، لكن هذا لا ينفى حقيقة مهمة، وهى أن الخطوة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبو ظبى، جريئة، أيا كان تقيم أيا منا لها، فردود الفعل الخارجية لن تؤثر على الموقف الإماراتى والمسار الذى اتخذته نحو تطبيع العلاقات مع تل ابيب، لإن أبو ظبى بكل تأكيد لم تقدم على هذه الخطوة دون تفكير او دراسة متأنية، فالواقع يؤكد أن الاتصالات بين أبو ظبى وتل أبيب مستمر منذ فترة، إلى أن نضجت الأمور وبات واضحاً امام الجانبين ان التوقيت أصبحا ملائماً للإعلان، أخذا في الاعتبار أن الأسابيع الماضية تابعنا أخبار كانت تعد من نتاج الحوارات والنقاشات المستمرة بين البلدين، ففي الأسبوع الأخير من يونيو الماضى، أعلنت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" أن إسرائيل والإمارات سيتعاونان في مكافحة فيروس كورونا، وأن شركتين من القطاع الخاص الإماراتي ستتعاونان مع شركتين إسرائيليتين في مشاريع طبية، منها ما يتعلق بمكافحة فيروس كورونا المستجد، وقالت الوكالة "تأتي هذه الشراكة العلمية والطبية لتتجاوز التحديات السياسية التاريخية في المنطقة ضمن أولوية إنسانية وتعاون بناء يهدف إلى التصدي لجائحة كوفيد-19 والتعاون لأجل صحة مواطني المنطقة". وأضافت "وفي ظل هذه الجائحة التي انتشرت في جميع دول العالم فإنه من الواجب وضع مصلحة الإنسان والبشرية وحمايتها في مقدمة الأولويات، للعمل معاً من أجل التخلص من جائحة لم يشهد العالم مثيلا لها"، وهو الخبر الذى سبقه تصريح لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بإن بلاده يمكنها العمل مع إسرائيل في بعض المجالات، ومنها مكافحة كورونا والتكنولوجيا، رغم الخلافات السياسية.
أذن الاتصالات والمناقشات بين الإمارات وإسرائيل كانت قائمة ومعلنة في أجزاء منها، وغير خافية على أحد، وهو ما يؤكد ان أبو ظبى تدرك ما تفعله، وإنها حينما أقدمت على هذه الخطوة كانت مقتنعة تمام الاقتناع بأن مصلحتها تسير في هذا الاتجاه.
ما يجب أن ننتبه له هنا في مسألة تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، أنه جاء وسط تغيرات جذرية تشهدها المنطقة، فالأمر ليس كما كان قبل عشر سنوات، بل تبدلت التحديات وتغيرت معها طموحات كل دولة، وهو ما استدعى أن تعيد الدول تفكيرها وسياساتها الخارجية، ووضعها وسط الاقليم الذى تعيش فيه، وإذا نظرنا إلى الشرق الأوسط، سنجد أنه المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم، وكل يوم يشهد جديد، سواء في الأحداث او المتغيرات، بداية من 2011 وحتى اليوم، وسيظل الوضع على تقلباته لفترة طويلة، وكان من نتاج هذه التغيرات السياسية أن رأينا بنيامين نتانياهو يزور العاصمة العمانية مسقط العام الماضى، وفى استقباله سلطان عمان الراحل، السلطان قابوس، رغم إن السلطنة ليست بينها وبين إسرائيل علاقات، كما تابعنا الإعلان عن اللقاء الذى جمع نتانياهو برئيس مجلس السيادة السودانى عبد الفتاح البرهان في أوغندا قبل عدة أشهر، فكل هذه كانت مؤشرات أن المنطقة تتغير، وان القواعد تتبدل.
الغريب في الأمر أن كل هذا كان يحدث في حين أن الاشقاء الفلسطينيين باتوا في موقف المتفرج والرافض فقط، دون أن يحاولوا ولو لمرة قراءة الواقع بشكل صحيح، وهنا لا اتحدث عن الرغبة في أن يدخل الفلسطينيين سباق التطبيع، لكن أن تكون لديهم قراءة صحيحة للمشهد، والا يقفوا في مكانهم جامدين، بل في أحيان كثيرة نراهم يرددوا نفس المبررات الواهية التي تنطلق من انقرة والدوحة، رغم يقين الفلسطينيين أن هذه المبررات كاذبة، لأن الدولتان اللتان أعلنتا رفضهما للخطوة الإماراتية، يربطهما بتل أبيب علاقات سياسية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية قوية، وهو ما جعلهما محل استعجاب من المتابعين للأحداث، فكيف لتركيا على سبيل المثال التي لها تمثيل دبلوماسي بتل أبيب، وبينهما أكبر تعاون عسكرى واقتصادى، ان يخرج رئيسها أردوغان ليهدد بقطع العلاقات مع أبو ظبى إذا لم تتراجع عن خطوة التطبيع مع إسرائيل، وكأن تركيا هي المتحكمة بالأقليم ودوله، وتحرم لغيرها ما تحله لنفسها!.
بالعودة إلى الاشقاء الفلسطينيين، فأقول أن لديهم الحق في أن الغضب بل الاستياء من الخطوة الإماراتية، لكن ألم يكن أولى بهم أن يحددوا لداية وجهتهم واستراتيجيتهم بدلاً من توجيه اللوم للآخرين؟.. ألم يكن أولى بالقيادة الفلسطينية بدلاً من أن تخرج وتوجه الاتهامات يمينا ويساراً أن تهدأ وتسأل نفسها أولاً ماذا قدمت للقضية حتى تتهم الآخرين؟
المعضلة الأساسية كما أراها تكمن في غزة ورام الله، وليست في أي مكان أخر، فطالما الفلسطينيين مستمرين على انقسامهم فلا يحق لهم توجيه اللوم لأحد، لذلك فإن الحل للقضية بدايته من داخل فلسطين وليس من خارجها، وهى الحقيقة التي على الاشقاء إدراكها.
ما حدث الأسبوع الماضى، في وجهة نظرى تكرار لما حدث في يناير الماضى، حينما اعلنت الإدارة الأمريكية عن خطة السلام، فوقتها قلت أن المتابع للحوارات والنقاشات حول الخطة سيتأكد أن القضية الفلسطينية تعانى مأزقا شديد الخطورة، مرجعه الأساسى أن العرب وفى القلب منهم الفلسطينيين فضّلوا السير وفق النهج القديم، دون البحث عن طرق وآليات جديدة، يستطيعون من خلالها إعادة طرح القضية دوليا بشكل يحقق الهدف النهائى الذى نربو إليه جميعا، وهو دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، فضلا عن حل للمشاكل العالقة مثل اللاجئين، وغيرها.
وكان مرجع ما قلته حينها أن البيانات التى صدرت على سبيل المثال عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، ومن بعدها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الإسلامى، كلها كانت تكرارا للغة ولهجة لم تتغير، ولم تُحدث فى الماضى أى أثر، دون أن نحاول ولو لمرة واحدة الوقوف مع أنفسنا لنحدد أين نحن، وإلى أين ذاهبون، وما هى الآليات التى نملكها فى أيدينا لمواجهة المستقبل الغامض للقضية الفلسطينية؟
فالجميع تحدث عن شعارات، دون إدراك أن الوضع الأقليمى والدولى يتغير، فلم يكن لقاء نتانياهو والبرهان أو زيارته لمسقط سوى جرس انذار للعرب بأن الوقت حان لنقف لحظة مع أنفسنا لنعرف أخطائنا قبل أن نتحدث عن المستقبل، أو إلقاء التهم على الآخرين، دون الاستماع لمبررات ودوافع هؤلاء.
في فبراير قلت أن التغيرات التى تدور فى دول المنطقة، كلها تشير إلى أن الأولويات تبدلت، وبدأت كل منها تبحث عن مصالحها، خاصة بعد تيقن الكثير منها أن الطعنة تأتيها من الشقيق، وأقرب مثال على ذلك، ما تقوم به إمارة قطر فى دول المنطقة، فهى أعطت صورة للجميع أنها الأكثر خطرا، بأموالها التى تنفقها على الميليشيات الإرهابية، التى تعيث فسادا فى المنطقة، ومن خلفها تركيا التى يحلم رئيسها بعودة مشهد الخليفة، غير عابئ بالنتائج، لأن المهم عنده أن تنجح خطته بأى وسيلة كانت، فمرة يظهر مرتميا فى أحضان تل أبيب، وفى اليوم الثانى مدافعا عن فلسطين، وثالثة يبحث عن نفوذ آخر فى التراب العربى، وهذا للأسف الشديد الوضع الذى نعيشه، والذى كان يحتم علينا أن نقرأه جيدا قبل سنوات، وليس اليوم، وأن نتوقع المزيد، وأن نكون مستعدين للسيناريوهات المتعددة التى يشهدها الإقليم فى الوقت الراهن، وإعداد السيناريوهات للتعامل معه، حتى لا نفاجأ بالمزيد خلال المستقبل القريب.
قلت ذلك قبل 8 أشهر، لإن الواقع حينها كان يشير ويؤكد هذه التغيرات، في حين أن الفلسطينيين بقوا كما هم دون تفكير في هذه التغيرات ولا إمكانية التعاطى معها أو التعامل مع نتائجها، أخذا في الاعتبار أنى حينما تحدثت عن الجمود غير المبرر في المواقف الفلسطينية لم ألمس الثوابت العربية الخاصة بالقضية الفلسطينية، ومنها على سبيل المثال مبادرة السلام العربية التى تم إقرارها رسميا فى 2002، وهى كما تؤكد دوما الدول العربية «الحد الأدنى المقبول عربيا لتحقيق السلام، من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لكامل الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، والتأكيد على أن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لن تحظى بالتطبيع مع الدول العربية ما لم تقبل وتنفذ مبادرة السلام العربية». كما يدخل من ضمن هذه الثوابت، أحد البنود المدرجة بشكل دائم على قرارات جامعة الدول العربية، «التأكيد على التمسك بالسلام كخيار استراتيجى لحل الصراع، وعلى ضرورة أن يكون أساس عملية السلام هو حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية والمرجعيات الدولية المعتمدة، والسبيل إلى ذلك من خلال مفاوضات جادة فى إطار دولى متعدد الأطراف، ليتحقق السلام الشامل الذى يجسد استقلال وسيادة دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل».
فهذه الثوابت ستظل قائمة مهما حدث، وسنظل كلنا مدافعين عنها ومتمسكين بها، لكن أتحدث عن التعامل السياسى مع ما يحدث على الأرض، ولنا في الماضى القريب أمثلة على ما أقوله، فحينما رأى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن المعادلة حوله تتغير، لم يقف جامداً، بل تابع ما يجرى وأعاد تموضع نفسه وفق ما يحدث ووفق قراءته للواقع، فذهب إلى اتفاق أوسلو وغيره من الاتفاقات التي وقعها مع الإسرائيليين متمسكاً بالثوابت الفلسطينية.
مرة أخرى، ليس مطلوبا من الفلسطينيين الآن أن يوافقوا أو يرفضوا أو يتحفظوا على خطة السلام الأمريكية او الاتفاق الإماراتى الإسرائيلي أو أي اتفاق أخر مستقبلى، لكن الأهم لهم وللقضية أن ينخرطوا فى مفاوضات داخلية تصلح ذات البين، لأنه طالما استمر هذه الانقسام، فلن يكون لفلسطين مستقبل.