لقاءات مشبوهة في بروكسيل.. صحيفة ألمانية تكشف بالأدلة تورط قطر في تمويل مليشيا "حزب الله"
الخميس، 06 أغسطس 2020 09:00 م
كشفت صحيفة ” دي تسايت” الألمانية، في تقرير من ثلاث صفحات، حقائق جديدة حول تورط الدوحة في تمويل “حزب الله” والدور الذي تلعبه أحد شركات العلاقات العامة الألمانية المستفيدة ماديا من هذه العملية.
وأعد التقرير، المعنون بـ “هل يمول القطريون حزب الله”، كل من الباحثين ياسين مشربش وهولجر ستراك وقد نشرته الصحيفة في الـ 17 من يوليو الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى السرية التي تحيط عالم العملاء والعمليات الاستخباراتية في العادة إلا أنه في بعض الأحيان تتكشف بعض الخيوط للعلن على عكس المعتاد وهو ما حدث بين كل من برلين، بروكسل، والعاصمة القطرية الدوحة فيما يخص ما قام به العميل المسمى رمزيا باسم ” جيسون جي”، وفي مقدمتها طرحت الصحيفة تساؤلا صريحا وهو إلى أي مدى يمكن أن تذهب شركة علاقات عامة ألمانية سعيا خلف المكاسب؟
ذكرت الصحيفة أن الدوحة وبرغم من صغر حجمها تلعب دورا متعاظما في عالم الظل والعمليات السرية كما أن الدوحة وجهت لها الكثير من الانتقادات بسبب دعمها للجماعات الإسلامية.
تبدأ القصة التي تكشفها الصحيفة الألمانية من العميل ” جيسون جي” الذي يعمل بشكل خاص لعدد من الوكالات الأمنية والاستخباراتية حول العالم.
ووفقا للصحيفة فقد وقع تحت يدي العميل ” جيسون جي” ملف سري يوضح أن صفقة أسلحة ومواد حربية من أوروبا الشرقية كان من المفترض أن تتعامل معها شركة في قطر، كما يكشف الملف الذي أطلعت الصحيفة على أجزاء منه أن دعما ماديا سخيا حصل عليه “حزب الله” اللبناني المحظور في ألمانيا من إبريل الماضي ومعترف به دوليا كمنظمة إرهابية من العديد من القطريين الأثرياء واللبنانيين في الخارج على شكل تبرعات خيرية لأحد المؤسسات القطرية حيث تم معالجة هذه التبرعات وإيصالها لحزب الله بمعرفة شخصيات حكومية مؤثرة في النظام القطري.
وتجادل الصحيفة أن المعلومات الموثوقة الواردة بالملف السري بها العديد من الأدلة الدامغة لتدفق الأموال من قطر إلى حزب الله وتتسأل هل تؤدي هذه المعلومات الجديدة لعقوبات على النظام القطري من قبل الولايات المتحدة التي طالما سعت مع إسرائيل لتجفيف مصادر تمويل حزب الله؟
تقول الصحيفة إن ” جيسون جي” التقى بمحام ألماني واسع المعارف والعلاقات الذي عرفه على ميكيل إينكير وهو المستشار سياسي ذو علاقات نافذة في برلين ورئيس مجلس إدارة مركز ” دبليو أم بي ” للاستشارات السياسية منذ عام 2015 وعمل بعدد من المؤسسات والوكالات الإعلامية الكبرى في ألمانيا، وعرض العميل “جيسون جي” الملف السري والذي يحوي دلائل دامغة على التمويل القطري على كل من المحامي وإينكير.
ويرى إينكير أن الملف وكتقدير أولي وصلت قيمته إلى عشرات الملايين من اليورو هات أي أن من سيبيعه سيحصل على ثروة طائلة بالفعل، مشيرا إلى أن العميل كان برغب في كسب الثروة من وراء بيع الملف الذي سيهتم به أعداء قطر وقطر نفسها لإخفاء الدلائل على يدها السوداء التي تعبث بالمنطقة في الخفاء.
وترى صحيفة ” دي زيت” أن اختيار إينكير رئيس مجلس إدارة ” دبليو أم بي” للاستشارات كان منطقيا حيث قدمت الشركة استشارات سابقة لإمارة قطر يقول إينكير أنها كانت ” بخصوص محاربة شبكات معادية لإسرائيل”.
في بداية العام 2019 التقى كل من ”جيسون جي” ومايكل إينكير ودبلوماسي قطري رفيع المستوى على مائدة الغداء في بروكسيل للتناقش حول تفاصيل الصفقة.
ووفقا ل “جيسون جي” فقد عقد ستة اجتماعات مع الدبلوماسي القطري “الذي اكتشف فيما بعد أنه السفير القطري لدى بروكسيل ورئيس بعثتها لحلف الناتو عبد الرحمن بن محمد الخليفي” بسبب وساطة مايكل إينكير.
وقد عبر السفير القطري عن امتنانه لمساعدة ” جيسون جي ” لبلاده على إعادة ” الترتيب”، وهو ما قصد به استخدام المعلومات الواردة بالملف السري للتخلص وإزالة ” الأشخاص المشبوهين في صفوفهم ” كما ووفقا للعميل ” جيسون جي” فقد أساء السفير القطري لإسرائيل خلال أحد الاجتماعات بينهما من خلال تعليقات وصفها ” بالقبيحة والمسيئة”
ويقول ” جيسون جي” بطل الملف السري القطري أن القطريين استمروا في إعطائه مبلغ 10 ألاف يورو في كل اجتماع يحضره بعد ذلك بأشهر حصل على 100 ألف يورو إضافية ولكن لا يوجد أي دليل مكتوب على تلقيه تلك الأموال في بداية يوليو من العام 2019 توصل ” جيسون جي” إلى صفقة مع القطريين.
وتمكنت صحيفة ” دي زييت” الألمانية من الاطلاع على مذكرة التفاهم الخاصة بهذا الاتفاق وتفيد المذكرة بتلقي ” جيسون جي” مبلغ 10 ألاف يورو شهرياً من إمارة قطر لمدة عام واحد قابل للتجديد كمستشار لها بالإضافة لذلك ينص العقد على التزام قطر بعدم مقاضاة ” جيسون جي ” بتهمة التجسس عليها والحصول على معلومات حساسة كما وعدم مشاركة معلوماته مع دول أخرى.
وبناء على ذلك قدم ” جيسون جي ” للقطرين أسماء المتبرعين والداعمين القطريين بما فيهم لواء واسع التأثير كان الجيش القطري على تواصل معه.
وتأكدت الصحيفة من صحة الاتفاق بين القطريين وجيسون جي من خلال التواصل مع محامي الأخير الذي أكد صحة الاتفاق من خلال إفادة خطية.
في أغسطس 2019 دخلت شركة مملوكة لجيسون جي في اتفاقية رسمية مع شركة ” دبليو أم بي” للاستشارات والعلاقات العامة وقعها الرئيس التنفيذي للشركة ورئيس مجلس إدارتها مايكل إينكير وتنص الاتفاقية التي اطلعت عليها الصحيفة الألمانية أن شركة جيسون جي “مهتمة بتطوير علاقات تجارية في قطر ” وستقوم شركة ” دبليو أم بي” بـــ “تمكين وتعزيز الاتصالات والعقود التجارية بين الطرفين ” وفقاً للعقد والذي نص على حصول ” دبليو أم بي” على 20 % من إجمالي الصفقة كعمولة لها.
ويقول جيسون جي أنه التقى إينكير بشكل معتاد لإعطائه حصته من الأموال القطرية وقد أعتاد دفعها له نقداً وفي ظرف مغلق، يظهر إيصال تحويل بنكي تلقي “جيسون جي” مبلغ 15 ألف يورو في شهر مارس فقط من قبل أحد المسؤولين بالجيش القطري.
مايكل إينكير المدير التنفيذي لـــ ” دبليو أم بي” دافع عن شركته وقال إن اتفاقه مع شركة ” جيسون جي” هو اتفاق عمولة معتاد نظير ” بدء أعمال تجارية ناجحة مع شركات في منطقة الخليج”.
وأضاف أن جيسون جي طرح فكرة تقسم النسبة المئوية للأرباح بين الطرفين شفهياً لكن لم يحدث اتفاق بهذا الخصوص، كما أنكر تلقي أي أموال سواء من ” جيسون جي” أو شركته.
وتحققت الصحيفة الألمانية من نفي إينكير وتوصلت لاتفاق ثاني مبرم بين الطرفين ينص على أن لشركة ” جيسون جي” علاقات واسعة مع عملاء محتملين لــ ” دبليو أم بي” المهتمة بالحصول على عملاء جدد.
وفقا للعقد تلتزم شركة ” جيسون جي” بتعزيز وتمكين قنوات الاتصال وإبرام العقود المناسبة مع العملاء الجدد وبناء عليه تحصل شركة “جيسون جي” على 27.5% من الأرباح كما يحق لشركة “دبليو أم بي ” الحصول على نفس النسبة من مبيعات شركة جيسون جي حال تعاونها بنفس الشروط السابقة “في مجال تحليل المخاطر”.
وبحسب تقرير صحيفة ” دي زييت” الألمانية رفضت الحكومة القطرية والسفير القطري ببروكسل التعليق على هذه التفاصيل بينما ذكر متحدث باسم الحكومة القطرية أن بلاده ” تلعب دورا محورياً في المساعي الدولية لمكافحة الإرهاب” كما أن قطر ” لديها قوانين مشددة لمنع أي مؤسسة خاصة أو أفراد من تمويل الإرهاب” كما أن أي شخص يقوم بذلك ” يعاقب تحت سيادة القانون”.
أما عما دفع ” جيسون جي” للكشف عن هذه التفاصيل الأن تقول الصحيفة على لسان ” جيسون جي” أنه وقع فقط على الاتفاق المبدئي بينه وبين القطريين و ” دبليو أم بي” ورفض التوقيع على الاتفاق التوثيقي النهائي، ويؤكد ” جيسون جي” أنه وقع على الاتفاق المبدئي ظننا منه أن القطريين يسعون لمعرفة تلك المعلومات ” ليتخلصوا من ممولي الإرهاب” لكن ذلك لم يكن صحيحاً برغم من تأكيداتهم كما أثار اعتراف السفير القطري ببروكسل بأن إسرائيل عدو لبلاده حفيظة ” جيسون جي” الأمر الذي أدى به للتراجع عن الأمر.
وتقول الصحيفة إن جيسون جي في الوقت الراهن يعرض خدماته على السفارة الإسرائيلية من خلال محاميه في برلين.
وتكشف الصحيفة الألمانية في تقريرها القيمة الحقيقية للصفقة التي لم تتم، الحكومة القطرية قد رصدت مبلغا ضخما مقابل إخفاء تلك المعلومات للأبد لما لها من حساسية وضرر قد يقع عليها وعلى سمعتها حال تكشف تلك المعلومات الحساسة والتي تشير بتفصيل للأسماء والحسابات القطرية واللبنانية المتصلة بقطر التي من خلالها تتدفق الأموال إلى حزب الله.
في مايو التقى جيسون جي مع إينكير مجددا هذه المرة في المقر الرئيسي ل ” دبليو أم بي” في برلين للتناقش في عدة أمور كان من بينها موضوع ” إبرام اتفاقية سرية مع قطر ” لضمان التكتم والصمت حول موضوع تمويل مليشيا حزب الله ويؤكد محامي جيسون جي أن موكله تلقى حينها عرضاً ب 750 ألف يورو نظير ذلك من القطريين بالإضافة لعمولة شركة ” دبليو أم بي” من الصفقة.
هنا تتسأل الصحيفة الألمانية عن المعاير الحقيقة والأخلاقية لشركة ” دبليو بي أم” والتي قطعت علاقتها بالمملكة العربية السعودية وفسخت العقد المبرم بينها وبين حكومة المملكة في أعقاب حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي حيث ووفقاً لتصريحات إينكير في أكتوبر من العام 2018 للصحافة الألمانية حينها ” بعد هذا العمل الفظيع أتضح لنا أن وساطتنا وتعاوننا معهم (يقصد المملكة العربية السعودية) أصبح غير مقبول لدى المجتمع الألماني لذا لا يمكن أن نمثلهم “.
تتعجب صحيفة ” دي زيت ” الألمانية والتي كانت أول من كشف عن محاولة قطر إخفاء هذا الملف الفاضح لها ولتصرفاتها في المنطقة ودعمها الصريح للإرهاب في الخفاء، من أن نفس الشركة التي قطعت علاقتها بالسعودية على خلفية مقتل خاشقجي هي نفس الشركة التي سعت لعقد بين القطريين والعميل السري ” جيسون جي ” لإخفاء دلائل دامغة على دعم الإرهاب.
وبنهاية تقريرها أشارت الصحيفة الألمانية لجملة قالها المدير التنفيذي لــ ” دبليو أم بي” خلال اللقاء الذي جمعه ب ” جيسون جي” بمقر الشركة ببرلين في مايو من العام الجاري ، إن صحت فهي توضح مدى إدراك المدير التنفيذي ل” دبليو أم بي” للقنبلة السياسة التي كانت بين يديه ومدى الضرر الذي قد يلحق بقطر حال ظهور هذا الملف السري للعلن والذي يعتبر فضيحة مدوية للنظام القطري الذي لا يجد حرجا في دعم الإرهاب في الخفاء وإعلان الحرب عليه في العلن وهو ما يفسر سعيا الحثيث نحو عقد الصفقة مهما بلغ الثمن ، فخلال لقائهما قال مايكل إينكير ” إذا كان زبوننا عدواً لقطر فهو لن يرغب في قصص حول ظروف العمل في موقع البناء الخاصة بملاعب كأس العالم ، لكنني سأقدم هذه القصة ، قصة دعم قطر لمليشيا حزب الله مع دليل دامغ ، ستنشر هذه القصة على الصفحة الأولى لصحيفة بليد ( الصحيفة رقم 1 في ألمانيا) عند إذن ستواجه قطر المشكلات”.
مما سبق يتضح لنا أن النظام القطري لا يجد حرجاً في مد يد العون والدعم للمليشيات والعناصر والجماعات الإرهابية المختلفة سواء سرا كما هو الحال مع مليشيا حزب الله أو علناً كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين المصنفة كجماعة إرهابية بمصر وعدد من الدول العربية كما أنه (النظام القطري) على استعداد لدفع المبالغ الطائلة نظير الإبقاء على أنشطته في دعم الإرهاب طي الكتمان.