إحتلونا.. ولكم الثواب
الخميس، 06 أغسطس 2020 05:43 م
لم أتخيل ان يأتي يوما أري فيه ثلة من شعب على درجة عالية من الوعي والتحضر والمستوى التعليمي والثقافي المنفتح، كالشعب اللبناني، يدعو لاحتلال بلاده، حيث وقع 36 ألف لبناني، غير معروف حتى الأن انتمائتهم السياسية أو المعطيات التي يستندون عليها، على وثيقة تطالب الرئيس الفرنسي "ماكرون" بعودة الانتداب الفرنسي، بعد أن عانوا من كوارث اقتصادية نتيجة الفساد الذي سقط فيه لبنان.
عندما قرأت الخبر غمرني الحزن، لكنه حزن مصحوب بشفقة على شعب تقطعت به السبل وفقد أدنى أمل في الإصلاح والحياة الكريمة، وبعيدًا عن الدافع الحقيقي وراء توقيع الوثيقة، حتى ولو كان مكيدة سياسية من فريق يستغل الأزمات، إلا أن تزامنه مع تلك الدعوات التي اطلقتها جماعة الإخوان الإرهابية، والتي تطالب بعودة الاحتلال التركي لمصر وليبيا، يجعلهما جرسا انذار يجب الانتباه له، حتى ولو كانت خطوة الـ36 ألف لبناني حسنة النية ولا تعدو كونها مجرد تعبير عن غضبهم.
لا ينكر عاقل حجم الفساد المستشري في لبنان، فلا يحتاج الأمر أكثر من مطالعة الأخبار لبنان الرسمية، لتقف على حجم الفساد والانهيار الاقتصادي والاحتراب السياسي المشتعل بالوكالة عن قوى إقليمية تستغل الدين والمذهب والعرق وقودا يزيد الأوضاع اشتعالا، على حساب مقدرات شعب كانت بلاده في يوم من الأيام قبلة الترف والمتع والسياحة والتجارة والازدها.
الإنتماء ليس مجرد غدة أو عضو حيوي يولد به الإنسان، إنه شعور يقوم علي عطاء ومسؤولية متبادلة بين الدولة والأفراد، وحين يخل الفرد بشرط الانتماء في وقت تحتاج الدولة أن يساندها أبنائها، يكون الفرد خائن للوطن، وحين يخل القائمون على الدولة بدورهم ومسؤولياتهم، نتيجة فسادهم حينها يتلاشي الشعور ويموت بالتدريج، ويصبحوا كذلك خونة للشعب والدولة، وفي الحالة اللبنانية أري الخيانة والمؤامرة تطل من تلك الدعوات وإن كنت احسبها ضغط سياسي لا أكثر، لكن أخشى أن تتحول إلى جائحة تضرب عمق المجتمع اللبناني، ونعيش كي نري من يخرج يستقبل الاحتلال مهللاً له وراجيًا إياه.
يتمدد لبنان مريضا باحثا عن الدواء، ويخرج من جسده الهذيل الدود يأكل في جسده وهو حي في الرمق الأخير، دود لبنان –منه فيه- الخيانة تفوح رائحتها من أصحاب العمائم والقومجية والمؤدلجين. الكل ينهش في لبنان واليوم يخرج منهم من يطالب بعودة الاحتلال.