مختار محمود يكتب:
ما بين الإزالات وقانون الإيجار القديم
السبت، 25 يوليو 2020 03:00 م
لا يتعامل مجلس النواب، مع الشعب بمكاييل واحدة، فقد يتعامل مع فئة بمنطق "الأم الرؤوم"، ومع فئة أخرى بعقلية: "زوجة الأب المفترية".
تلك حقيقة لا تقبل تشكيكًا ولا مزايدة من أحد، والمواقف كثيرة ومتعددة، وآخرها أسلوب التعامل مع أصحاب وملاك العقارات المُخالفة، وهو أسلوب خلا من أدنى درجات الإنسانية ولم يعترض عليه المجلس من قريب أو بعيد؛ حيث تمت عمليات الإزالة المفاجئة والمباغتة فى كثير من الحالات بوتيرة متسارعة ودون منح المخالفين وقتًا لتدبير أمورهم.
خلال إجازة عيد الفطر الماضى مثلاً ..عاد بعض المغتربين من إجازاتهم بمحافظاتهم إلى القاهرة والجيزة، وبعضهم كان حديثى الزواج، ليجدوا مساكنهم وقد غدت أثرًا بعد عين! معظم من يتم التعامل معهم فى هذا الملف باعتبارهم مخالفين هم فى الأصل ضحايا؛ لأنهم اشتروا شققهم بـ"شقى العمر والغربة" من مافيا المقاولين الذين شيدوا عقاراتهم المخالفة تحت سمع وبصر موظفى المحليات وما أدراك ما المحليات!!
المريب.. أنه بالتزامن مع عمليات الإزالة التى يفتخر بها وزير التنمية المحلية ومساعدوه والمحافظون كل مساء باعتبارها نصرًا مجيدًا، فإن مجلس النواب تراجع للعام الخامس على التوالى عن مناقشة قانون الإيجار القديم، وهو قانون- لمن لا يعلم- ينطوى على ظلم وغبن كبيرين لملاك العقارات المؤجرة!
وزير شؤون المجالس النيابية علاء فؤاد برر عدم انتهاء الحكومة من القانون المذكور بأنها "حريصة كل الحرص على أن يخرج القانون بشكل توافقى يرضى جميع الأطراف، لا سيما وأنه من القوانين التى لها آثار اجتماعية واقتصادية، ويحتاج إلى حوار مجتمعى موسع"، مضيفًا: "هناك تصور بأن يتم تطبيق قانون الإيجارات على مراحل لأنه يتعلق بملايين الأسر المصرية، وإن كانت الآلية لم يتم تحديدها بعد، لكن الفكر يتجه نحو تطبيقه بشكل تدريجى".
وبطبيعة الحال.. تضامن معه عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب معتز محمود، عضو لجنة الإسكان فى مجلس النواب، مشددًا على أن "القوانين الضخمة التى تهم ملايين المواطنين لابد أن يتم مناقشتها بدقة وإجراء حوارات مجتمعية بشأنها "، وهو ما يعنى أن البرلمان القادر على تمرير أى قانون فى جلسة خاطفة وقبل أن يرتد إليك طرفك، لن يكون معنيًا بقانون الإيجار القديم.
التعبيرات التى ساقها الوزير والنائب تعكس الطبيعة الإنسانية لحكومتنا الرشيدة فى تعاملها مع القانون المذكور، وأنها لا تتعجل فى اتخاذ بعض الخطوات التى قد تلحق آثارًا سيئة بالمواطنين، ولكن لماذا لم يتم التعامل بنفس النهج والأسلوب الإنسانى والراقى مع قاطنى العقارات المخالفة، بل إنه لم يتم إمهال ساكنيها لإخلائها من الأجهزة الكهربية والأثاث فى كثير من الحالات المأساوية. الحكومة تعلم أن المضارين من هذه الإزالات بالملايين أيضًا فلماذا لم تتعامل مع بالرفق واللين والعطف والرحمة الذى تعاملت به عند مناقشة قانون الإيجار القديم، رغم أن الأخير أوجب من الأول، أم أن العائد المادى الكبير من التصالح هو السبب الوحيد فى هذا الاندفاع فى تنفيذ الإزالات؟
بعيدًا عن حسابات المكسب والخسارة ولعبة المصالح.. فإن مجلس النواب يتكاسل عن مناقشة قانون الإيجار القديم؛ لأن قطاعًا كبيرًا من المستفيدين من دوام واستمرار هذا القانون هم من المسؤولين السابقين والحاليين وبعض وجهاء المجتمع الذين يدفعون جنيهات معدودة لقاء الإقامة فى شقة مترامية الأطراف فى وسط البلاد مثلًا. يُقال: إن رئيس وزراء سابقًا لا يزال محتفظًا بشقة مؤجرة بنظام الإيجار القديم بـ 19 جنيهًا فقط فى الشهر، رغم ثرائه من عمله الخاص، وقس على هذا المسؤول الرفيع مسؤولين آخرين وشخصيات نافذة وعامة لا تزال تمارس ضغوطًا لتعطيل القانون الذى يتضرر من بقائه أيضًا ملايين آخرون لا يشعر بهم أحد ولا يقدر الآثار الاجتماعية الواقعة عليهم.
وإجمالاً.. فإنه لا يصح ولا ينبغى الاستئساد على فئة من الشعب دون أخرى، ولا على قطاع دون آخر، ويجب التعامل مع جميع أفراد الشعب بمكيال واحد، وليس مكاييل عددًا. جميعنا يحلم بأن تخلو مصر من العشوائية، عشوائية المساكن، وعشوائية التعامل مع عموم الشعب دون تمييز، وعشوائية القرارات المفاجئة. المصريون يحلمون بسيادة قيم العدالة والمساواة، وليس بمبادئ الخيار والفقوس، ولا شك أن الفارق هذا وذاك لو تعلمون عظيم!