هل يأكل المصريون «لحوم حرام»؟.. أحكام شرعية وجب توافرها في الأضحية
الجمعة، 24 يوليو 2020 01:00 ممحمد الشرقاوي
أسفل الطريق الدائري بمنطقة صفط اللبن، وتحديداً عند منطقة كفر طهرمس التابعة لحي بولاق الدكرور، يتواجد حظيرة بهائم وأغنام، تتغذى على القمامة وتعيش بينها، وهو مشهد يتكرر كثيراً في نطاقات أحياء محافظتي القاهرة والجيزة.
كم مرة شاهدت أغنام تتغذى على القاذورات في الشارع؟.. أنت وحدك من تستطيع الإجابة، ومع دخول موسم الأضحية باتت تلك الأغنام معروضة للشراء من أجل الذبح، وإتمام الشعيرة في عيد الأضحى المبارك.
في حديث بإحدى سيارات الميكروباص، القاطعة لشارع كفر طهرمس والمتجهه إلى محطة الطالبية بشارع الملك فيصل بالجيزة، قالت سيدة خمسينية حال مشاهدتها لأغنام غارقة في القاذورات: "مش حرام ناكل اللحمة دي في العيد!".
دار حديث بين الركاب، ما بين ضحك وامتعاض، قال أحدهم: "هي جت على دي اللي حرام"، غير أن شيخ أربعيني، فاجأ الجميع بحرمة أكل مثل تلك اللحوم، خاصة للدواب التي تتغذى على القاذورات.
فند الشيخ –إمام بأحد مساجد الأوقاف وخريج كلية الدعوة جامعة الأزهر- فتواه بأن الشريعة الإسلامية تضع تلك الحيوانات تحت حكم "الجلالة"، وهي الحيوانات التي تتغذى على القاذورات من النجاسات، وليس فضلات الطعام كما يحدث في الأرياف، وهي بل علفت بنجس.
قال الشيخ إن مذهب الإمام الشافعي- المعمول به في مصر- حرم أكل الجلالة لكون غلب على علفها النجاسة.
حكم أكل الماشية التي تأكل القاذروات
بالرجوع إلى مصادر الفتوى (الفقه الميسر – فتاوى دار الإفتاء المصرية)، فإن حكم أكل مثل تلك الأضاحي، فالحكم "غير جائز"، وهناك البعض من أوصله للحرمانية، تقول الأمانة العامة لدار الإفتاء المصرية، في فتوى لها 2019، قالت إنه لا يجوز ذبحها والتضحية بها إلا بشرط، وهى أن تتطهر من تلك النجاسات بأن تحبس لمدة اختلف في زمانها ولكن المستقر عند معظم أهل العلم والخبرة أن تحبس الماشية أربعين يومًا سواء كانت من الإبل أو عشرين يومًا إن كانت من البقر أو عشرة أيام إن كانت من الغنم.
وعَنْ عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَعَنْ الْجَلَّالَةِ، وَعَنْ رُكُوبِهَا، وَعَنْ أَكْلِ لَحْمِهَا)، فالجلالة: اسم يشمل أي حيوان يتغذى على النجاسات، سواء كان من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الدجاج، أو الأوز، أو غيرها من الحيوانات المأكولة.
ويرى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل "الحنابلة" بحرمة الأكل، واختاره الصَّنعانيُّ هذا الاتجاه، والإمام الشوكاني، مستندين إلى مجموعة من الأحاديث.
وورد في صحيح الإمام مسلم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلّم عن لبن شاة الجلالة"، وورد حديث أخر، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جَدِّه، قال: "نهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ خيبرَ عَن لُحومِ الحُمُرِ الأهليَّة، وعن الجلَّالةِ؛ عن رُكوبِها، وأكْلِ لَحمِها".
ورغم أن نص الحديث النهي، إلا أن هناك قاعدة فقهية تقول: الأصل في النهي التّحريم".
هل تزول حرمة أكل الجلالة؟
وتزول حرمة أكل لحم الجلالة بمنعها من النجاسات، وحبسها على العلَف الطاهر، وهو ما أكده الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف: " من يضحى بالخراف والأبقار والبهائم التي تأكل القمامة فهو آثم، ومن يضحى بها دون علم بأن البهيمة تأكل من خبث الأرض، فلا وزر عليه ووزرها يقع على من باعها، ومن أضحى ببهيمة ويعلم أنها تأكل من خبث الأرض، فلا أضحية له ويتحمل وزرها".
وأوضح رئيس لجنة الفتوى، أنه إذا حُبِسَت هذه الدَّواب أيَّامًا حتَّى يذهب ما أكلته في بطونها صفت ونقت، وعند ذلك يجوز أكلها، وقال: إن أردت الإبل حصرتها وحبستها فلا تتركها تذهب تأكل من خشاش الأرض في هذه الأمكنة وإنَّما تقيّدها وتربطها أربعين يومًا حتَّى تستفرغ ما فى بطونها، والبقر دون ذلك، شهرٌ، والغنم دون ذلك، سبعة أيَّام، حتَّى لا يأكل المسلم إلاَّ طيبًا، ويبتعد عن النَّجاسات.
مدة حبس الجلالة في الشريعة الإسلامية
أجمع الفقهاء على زوال حرمة أكل لحم الجلالة بمنعها من النجاسات، وحبسها على العلَف الطاهر، وهو ما أكده ابنُ قُدامةَ، وابنُ تيميَّة، في حين قال آخرون إن الحَبسُ لا يُقيَّدُ بمدَّةٍ معيَّنةٍ؛ فمتى ما زالَت نجاسَتُها، وذهب أثَرُ نَتْنِها، طهُرَت، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ، والشَّافعيَّة، واختاره ابنُ حَزمٍ.