تحذير مصري أخير ومراوغة تركية.. ماذا يحدث في ليبيا؟
الثلاثاء، 21 يوليو 2020 12:03 ممحمود على
تطورات عديدة تشهدها ليبيا مؤخرا سياسية وعسكرية، تشير إلى مواجهات إقليمية ربما لم تمر على المنطقة العربية منذ سنوات عدة، تصدرتها تركيا التي تطمح في توسيع نفوذها بالشرق الأوسط وإعادة إحياء تاريخ العثمانية على أجساد الشعب الليبي لنهب موارده وثرواته، في الوقت الذي يطرح فيه مقاربات سياسية من أجل التصدي للتوغل التركي وما يشيعه من فوضى أمنية في الغرب الليبي، وعلى رأسها مبادرة مصر المتمثلة في إعلان القاهرة لوقف إطلاق النار.
في عام 2015 ومع بدء التحضير لوصول حكومة الوفاق إلى العاصمة طرابلس من أجل استلام السلطة المؤقتة على خلفية اتفاق الصخيرات، بدأت تركيا في الظهور من جديد في الملف الليبي بعد الاختفاء لسنوات في أعقاب الأحداث التي أدت إلى إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذفي، وقتها ضبط غفر السواحل اليوناني سفينة تركية محملة بالأسلحة كانت متجهة إلى الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس، فيما بدا أن هذه الخطوة تمثل التحرك التركي الأول بعد أحداث فبراير للتدخل في ليبيا عبر دعم الطرف التابع لجماعة الإخوان المسلمين والقريب من إيدلوجية الحزب الحاكم في تركيا الذي يترأسه رجب طيب أردوغان.
ولكن مع مرور الأعوام، وإسقاط شرعية حكومة الوفاق بسبب عدم نيلها ثقة البرلمان واعتبار اتفاق الصخيرات حبر على ورق بسبب الأنقسام السياسي الشديد بشأنه، أستغلت تركيا هذا الوضع ومن هنا بدأت أن تستقطب عناصر من حكومة الوفاق خاصة المرتبطين بجماعة الإخوان في ليبيا، ليكونوا واجهة للتدخل في ليبيا.
بدأ التدخل الرسمي في أول العام الجاري بعدما وقعت تركيا مع حكومة الوفاق اتفاقيتين أمنية وأخرى بحرية لترسيم الحدود فيما بينهما، ورغم عدم وجود حدود بحرية بين الدولتين أرادت تركيا من هذا الاتفاق تصفية حسابات مع اليونان وقبرص بسبب رفضهما لتنقيب أنقرة بطريقة غير شرعية عن الغاز في الحدود البحرية لنقوسيا (عاصمة قبرص).
وبخلاف ما هو معروف عن حلم إعادة الدولة العثمانية والتوسع الإقليمي الذي تحدث عنه الرئيس التركي في أكثر من مناسبة وما يدار في البحر المتوسط من خلافات على نفوذ الغاز، فأن للتدخلات التركية أهداف اقتصادية عديدة ، وهو ما ظهر في تصريحات المسئولين الأتراك وعلى رأسهم أردوغان الذي أشار في أكثر من مناسبة إلى أهمية النفط الليبي خاصة عند الحديث عن استعدادات ميليشياته ومرتزقته لاقتحام مدينتي سرت والجفرة.
وبالإضافة إلى النفط فأن هناك تحركات تركية مشبوهة لاستثمار الدعم المقدم لحكومة الوفاق الليبية، فمن جانب تطمح أنقرة في الحصول على عقود الاستثمار في المنشأت وإعادة الأعمار، من الجانب الآخر هناك أطماع للاستحواذ على عقود إنشاء محطات كهرباء.
ولا يخفي على أحد، استيلاء تركيا على مليارات من النقد الأجنبي المودعة في مصرف ليبيا المركزي بتحويلها إلى البنك المركزي التركي، في صورة ودائع ليبية بدون فوائد، رأى مراقبون إنها ليست مفيدة للجانب الليبي بقدر ما هى ستكون مؤثرة في سبيل إنقاذ الاقتصاد التركي المنهار.
كيف ردت مصر على هذا التهديد؟
كان الرد المصري حاضرا بقوة ولكن بطرق كافة الأبواب الدبلوماسية عبر الدعوة لحوار سياسي وإيقاف التصعيد العسكري، وعلى الطاولة قدمت مبادرة القاهرة التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتكون فرصة قوية لوضع حد للاقتتال والعودة إلى المفاوضات السياسية بين الأطراف الليبية تحت رعاية الأمم المتحدة.
وأعطى المجتمع الدولي لهذه المبادرة الزخم الكبير نتيجة دعم وترحيب وتفاعل أكثر الدول الفاعلة في ليبيا، لتكون نقطة انطلاق لعدم التصعيد العسكري والوقوف عند خط سرت الجفرة الذي يمثل تجاوزه تهديدا للأمن القومي المصري والعربي.
وماذا حدث ؟
تصريحات تركية عديدة تلمح إلى الاستعداد لمعركة سرت لاقتحامها بدعم الطيران التركي والمرتزقة السوريين، فيما بدت حكومة الوفاق وميليشياتها مستسلمة للمطالب التركية وعبر أبواق جماعة الإخوان وحزبها السياسية العدالة والبناء استمر التحريض على القتال.
وكشفت تصريحات المسؤولين الأتراك عن الوضع في ليبيا، أن النظام التركي هو المتحكم في قرار حكومة الوفاق، ووصل الأمر إلى حد تحديد الطرف التركي شروطه لوقف المعركة، وقال مسؤوليين أتراك من بينهم وزير الخارجية تشاويش أوغلو أن وقف القتال يتطلب انسحاب الجيش الوطني الليبي من سرت ما يعني أنه الفترة المقبلة ستشهد تصعيدا عسكريا من جانب تركيا وميليشياتها العسكرية.
وفي الخلفية بدأ التحضير والاستعداد، وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يلتقي الأمير القطري تميم بن حمد في الدوحة، والحديث عن نقل مرتزقة صوماليين إلى طرابلس للتحشيد لمعركة سرت، وبعد يوم توجه وزير الداخلية التابع للوفاق فتحي باشاغا إلى أنقرة لعقد لقاء سريع مع وزيري الدفاع التركي والقطري، في وقت رجح المراقبون أن يكون الاتفاق وقع على تمويل قطر العملية وتسليح المرتزقة بينما يشرف الجانب التركي بقواته على الأرض وتنجر حكومة الوفاق بميليشياتها إلى حرب أشبه بالمغامرة لم تحسب عقباها.
ماذا يعني قرار البرلمان المصري بالتفويض لإرسال قوات خارج الحدود؟
الموقف بدا واضحا لمصر أكثر من أي وقت مضى، تحشيدات عسكرية من جانب الأتراك وميليشياتها لتجاوز الخطوط التي وضعت للتهدئة والسلام كما قال الرئيس السيسي، في المقابل تحركت القاهرة وبدعوة من البرلمان الليبي والجيش الوطني للاستعداد لحماية أمنها القومي بالتدخل عسكريا في ليبيا إذا تطلب الأمر ذلك.
وجاءت موافقة البرلمان على تفويض الرئيس بإرسال عناصر من القوات المسلحة إلى الخارج، ليكون التحذير الأخير للقيادة المصرية بأنها لا تزال تؤمن بالحل السياسي للأزمة، وأنه في حال تم تجاوز أي خط موضوع في ليبيا سيمثل ذلك تهديدا للأمن المصري، وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب عندما أكدا الجانبين على توافقهما لتثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، وتفهم الجانب الأمريكي لشواغل القيادة المصرية وما يمثله التدخلات الأجنبية من تهديدات على المنطقة.