يوسف أيوب يكتب: حدودنا الغربية آمنة.. الأمن القومى المصرى مرتبط بليبيا.. وحماقة أردوغان وأطماعه تشعل نيران الحرب
السبت، 18 يوليو 2020 07:30 م
نقلا عن العدد الورقي
مصر ليست داعية حرب أو صدام لكنها جاهزة وقادرة على التعامل مع كل السيناريوهات لحماية الأمن الامن الاقليمى ومساعدة اشقائنا الليبيين في مواجهة المحتل التركى
لماذا ليبيا؟.. وهل مصر مستعدة للتورط في الأزمة الليبية؟.. هل سنتدخل عسكرياً؟.. وكيف ستكون النتيجة حال حدوث المواجهة مع تركيا على الأراضى الليبية؟.. أسئلة كثيرة تتردد هنا وهناك، في ضوء الكثير من المعطيات على الأرض التي استدعت إلى الذكرة مفاهيم ربما حاول البعض طمسها لتسهل على قوى اقليمية وأخرى دولية التغلغل بيسر داخل المنطقة العربية بلدة تلو الأخرى، وأهم مفهوم حاولوا طمسه هو الأمن القومى العربى.
هذا المفهوم الذى تربينا جميعاً عليه، ونعرف أنه مرادف للأمن القومى المصرى، فلا انفصال ما بينهما، خاصة إذا كان الحديث يدور حول دور الجوار المصرى، وليبيا في مقدمة هذه الدول التي ترتبط مع مصر بأكبر شريط حدودى يمتد لأكثر من 1200 كيلو متر، فضلاً عن علاقات اجتماعية ممتدة منذ مئات السنين، وهو ما يؤكد بداية أن ليبيا ليست فقط مجرد دولة جوار، وإنما هي الأقرب للعقل والقلب المصرى.
هناك من ينظر إلى ليبيا على أنها دولة ممتدة الصحارى وتعيش على بترول يكفى لتلبية احتياجات دول كثيرة حولنا، وهو مالا يتناسب مع عدد سكان ليبيا الصغير نسيبا مقارنة بدول أخرى تعانى من كثافة سكانية وندرة في الموارد البترولية، وتسعى في المقابل أن يكون لها الزعامة الاقليمية.
هكذا ينظرون إلى ليبيا، بينما تنظر لها مصر نظرة أخرى، فليبيا التي تحتل القبائل المرتبة الأولى فيها، تتداخل مع القبائل المصرية على الحدود الغربية، في علاقات نسب ومصاهرة، لدرجة أن غالبية هذه القبائل موزعة ما بين البلدين، دون أن تستطيع التفرقة بينهما، أيهما ليبى وأيهما مصري!.
كل هذا وغيره الكثير يمكن وضعه في الاعتبار حينما نتحدث عن أهمية ليبيا بالنسبة لمصر، كما أهمية مصر بالنسبة لليبيا، وهو ما يمكن الاستناد إليه ونحن نشخص حالة الاهتمام السياسى والشعبى المصرى بكل ما يحدث على الأراضى الليبية في الوقت الراهن، فهذا الاهتمام يستند لقواعد ثابتة وراسخة كانت ولاتزال المنطلق للدعم المتبادل بين البلدين.
الشاهد أن مصر لم تترك ليبيا في أيا من أزماتها، كما أن ليبيا كانت سنداً لمصر في أوقات العثرة، مثلما حدث على سبيل المثال في حرب أكتوبر 1973، التي شهدت تواجدا ليبيا عسكريا وبشريا ومالياً، كان ولازال محل تقدير من كل المصريين.
لذلك وغيره لا يمكن أن نسأل لماذا ليبيا، بل أن السؤال الآن، لماذا تركيا؟.
الأسبوع الماضى كتبت مجلة فورين بوليسى الأمريكية، تقريراً عن سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا ووصفتها بالتوسعية، لكنها بلا أفق أو هدف استراتيجي ومغامرة محفوفة بالمخاطر، وقالت أنه منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في نوفمبر الماضي، المخالفة للقانون الدولي لجهة رسم خطوط تعسفية على خريطة تقسم البحر الأبيض المتوسط، بدأ التدخل التركي يتوسع أكثر في ليبيا، وتساءلت المجلة الأمريكية عن سبب قيام أردوغان - الذي يعاني من مشاكل اقتصادية وتحديات شتى بمغامرة عسكرية على بعد 1200 ميل من أنقرة، مضيفة: ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها تركيا من ذلك؟..
الأكيد أن ليبيا لا تمثل أبداً اى عمق استراتيجى لتركيا، ولا تهديداً لها، وليست على علاقة جوار معها، فلماذا تصمم تركيا على أن يكون لها وجود عسكرى داخل الاراضى الليبية؟.. هذا سؤال احتار الجميع في تحديد إجابة واحدة لها، فقد يكون الطمع التركى في الثروات النفطية الليبية، وهذا أمر تؤكده كل الشواهد، منها على سبيل المثال ما نقرأه يومياً في التقارير الاخبارية التركية عن شركات تسعى ليكون لها تواجد في ليبيا والعمل في مشروعات البنية التحتية هناك من خلال عقود يتم الاتفاق على توقيعها ما بين أنقرة وحكومة الوفاق، التى سيحصل رئيسها فائز السراج عن نسبة من هذه العقود.
وقد يكون الهدف هو مناكفة مصر، وهذا أمر وارد، بل أن كل التحركات التركية على الأرض تؤكده، خاصة الدفع بهذا العدد الكبير من الإرهابيين والمرتزقة إلى داخل الاراضى الليبية، بالإضافة إلى تمويل بعض التنظيمات الإرهابية خاصة في الشرق الليبي، لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل المصرى، وبالتالي العمل على أن تكون المنطقة الحدودية المصرية الليبية وما خلفها داخل العمق المصرى مسرح عمليات تنهك من خلالها الدولة المصرية ومؤسساتها وتحديداً قواتها المسلحة.
وقد تفكر تركيا في أن تكون ليبيا مسمار جحا الذى تسيطر من خلاله على منطقة شرق المتوسط، وما أدراك بهذه المنطقة وما تضمه من ثروات بترولية وغاز طبيعى أثار غيرة الاتراك وجعلها يفقدون أعصابهم، ويبحثون عن أي وسيلة لسرقة هذه الثروات، ومشاكسة اليونان وقبرص، ومعهم مصر أيضاً، وما حدث خلال الأشهر الماضية يؤكد هذا المسعى، فتركيا التي فشلت في التوصل إلى أتفاق مع اليونان وقبرص ومصر لترسيم الحدود البحرية، لانها ببساطة لديها أطماع في أن أن يكون لها السيطرة الأكبر على هذه المنطقة من خلال الادعاء بتركنة قبرص، وبالتالي فهى تريد أن تستحوذ على نصيب قبرص، وجزء من نصيب اليونان، ولا مانع أن تناكف وتشاكس مصر علها تحصل على القليل منها، المهم أن تخرج بأكبر حصيلة، لسد الفجوة الكبيرة التي ظهرت مؤخراً في ميزانيتها، وكان لها تأثير كبير على اقتصادها وزيادة معدلات البطالة وانهيار الليرة التركية.
قد تكون هذه الأسباب الثلاثة مجمعة هي السبب في أن تركيا فكرة في احتلال ليبيا من بوابة الميليشيات الإخوانية، وفائز السراج، وقد تكون هناك أسباب أخرى كثيرة، منها على سبيل المثال أن الرغبة في الزعامة لاتزال تراود أردوغان، حتى وإن كانت دفاتر الماضى تم طيها بالكامل!.
إذن كل الشواهد تؤكد أننا أمام احتلال تركى رسمي للاراضى الليبية وانتهاك لسيادة الليبيين على أراضيهم تحت مسميات مختلفة، فقد يرتكن الأتراك لاتفاق "مشبوه" مع السراج، وقد يقولون الكثير والكثير من المبررات، لكن الحقيقة المؤكدة أنه احتلال غير مبرر وغير شرعى، واحتلال مرفوض ليس فقط من الليبيين بل من كل العرب الشرفاء وأيضاً المجتمع الدولى الذى أعلن رفضه لكل هذه التحركات التركية غير الشرعية.
السؤال الآن، هل تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال علينا اولاً العودة إلى البيان الذى أصدره مجلس النـواب الليبي مساء الأثنين الماضى وحمل رقم "02" لسنة 2020، والذى قال فيه أنه " في ظل ما تتعرض له بلادنا من تدخل تركي سافر وانتهاك لسيادة ليبيا بمباركة المليشيات المسلحة المسيطرة على غرب البلاد وسلطة الأمر الواقع الخاضعة لهم، ولما تمثله جمهورية مصر العربية من عمق استراتيجي لليبيا على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على مر التاريخ، ولما تمثله المخاطر الناجمة عن الاحتلال التركي من تهديد مباشر لبلادنا ودول الجوار في مقدمتها الشقيقة جمهورية مصر العربية، والتي لن تتوقف إلا بتكاتف الجهود من دول الجوار العربي، فإن مجلس النواب الليبي الممثل الشرعي الوحيد المُنتخب من الشعب الليبي والُممثل لإرادته الحرة ، يؤكد على ترحيبه بما جاء في كلمة فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحضور ممثلين عن القبائل الليبية وندعو إلى تظافر الجهود بين الشقيقتين ليبيا ومصر بما يضمن دحر الُمحتل الغازي ويحفظ أمننا القومي المشترك ويُحقق الأمن والاستقرار في بلادنا والمنطقة وللقوات المسلحة المصرية التدخل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري إذا رأت هناك خطر داهم وشيك يطال أمن بلدينا ، إن تصدينا للغزاة يضمن استقلالية القرار الوطني الليبي ويحفظ سيادة ليبيا ووحدتها ، ويحفظ ثروات ومقدرات الشعب الليبي من أطماع الغزاة المستعمرين ، وتكون الكلمة الُعليا للشعب الليبي وفقاً لإرادته الحرة ومصالحه العليا ، كما يؤكد مجلس النواب الليبي على أن ضمان التوزيع العادل لثروات شعبنا وعائدات النفط الليبي وضمان عدم العبث بثروات الليبيين لصالح المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون مطلب شرعي لكافة أبناء الشعب الليبي".
قصدت أن اضع نص البيان لأنه يلخص الكثير الذى يجب أن يقال في هذا الشأن، فنحن اليوم أمام دعوة ليبية صريحة يحملها البرلمان الذى يمثل الشعب الليبيى، للقوات المسلحة المصرية للتدخل لحماية الأمن القومى الليبى والمصرى من التدخل السافر من جانب المحتل التركى.. إذن فاسباب التدخل المصرى موجودة، وشرعية لأنها صادرة عن ممثلين للشعب الليبى.
وهنا ايضاً يجب التأكيد على ما قاله الرئيس السيسى قبل أسابيع قليلة بأن الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة، لكنه جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، يؤمّن ولا يعتدي، مؤكدا أن هذه هي استراتيجية مصر وعقيدتها وثوابتها التي لا تتغير.
إذن مصر لم ولن تكون مطلقا داعية للحرب، بل أنها تؤمن بان السلام هو الطريق الذى يجب أن يسلكه الجميع لحل الخلافات، والعمل على إحداث التوافق، ومن هنا أطلقت الشهر الماضى "إعلان القاهرة" الذى حدد خارطة طريق للحل في ليبيا، لكن للأسف الشديد كانت الأطماع التركية أكبر من أن تجعلها متجاوبة مع الدعوة المصرية التي لاقت تجاوباً دولياً كبيراً.
رفضت مصر منذ البداية العمل العسكرى، وطرحت الكثير من الحلول، لكن دون تجاوب من المعنين بهذه الحلول، بل زادت التهديدات للأمن القومى المصرى وللحدود المصرية، وزادت وتيرة التهديدات التركية ومرتزقتها لأمن وسلامة أشقائنا الليبيين، وزاد على ذلك أن هؤلاء المرتزقة المأمورين من السلطات التركية بدأوا في استهداف المصريين العاملين في ليبيا.
كل الشواهد تؤكد أن تركيا هي من تسعى لإشعال المنطقة وفى القلب منها ليبيا، من خلال تحويلها إلى بؤرة تجمع للإرهابيين والمرتزقة وتهديد أمن واستقرار مصر وليبيا، وهو ما لن ترضاه مصر ولا الدول الكبرى التي تتابع ما يحدث حالياً وتحاول إثناء أردوغان عن أطماعه لكن دون جدوى حتى الآن.
بالتأكيد فإن مصر وهى تسعى للسلام والهدوء فإنها في نفس الوقت مستعدة لأى سيناريو بما فيها المواجهة، لذلك شهدت الأسبوع الأيام الماضية المنطقة الاستراتيجية الغربية مناورة "حسم 2020"، التى نفذتها تشكيلات من القوات البحرية والجوية والقوات الخاصة من الصاعقة والمظلات والقوات الخاصة البحرية بأحد المناطق الحدودية على الاتجاه الاستراتيجى الغربى، هذه المناورة أكدت جاهزية القوات المصرية للدفاع عن الاراضى المصرية، وأيضاً حماية المصالح المصرية خارج الحدود.
نعم.. الوضع في ليبيا يتجه للاشتعال بسبب حماقة وطمع إردوغان، لكن الأكيد أيضاً أن مصر قادرة على التعامل مع هذا الوضع أيا كانت النتائج، لحماية أولاً الأمن القومى المصرى وحدودنا الغربية، وثانياً مساعدة اشقائنا الليبيين في مواجهة المحتل التركى.