مــولانـا
الأحد، 28 يونيو 2020 03:35 م
بسيارته الفارهة، التي يتجاوز ثمنها الأصفار الستة، والمزودة بزجاج «فاميه» يتيح له رؤية البشر، ولا يسمح للمتطفلين برؤيته.. وصل إلى الاستديو قبل موعد بث برنامجه المباشر على الهواء بأكثر من ساعة.
ما إن وطئت قدم «مولانا»- كما يطلقون عليه- الأرض، حتى استقبله الأتباع و«المريدون».. أقبلوا عليه، وبعضهم انكبوا على يده يقبلونها، ويتبركون بالتمسح في جلبابه الأبيض، الذي حرص «فضيلته» على غمسه في العطر الباريسي الأخاذ..
اتجه «مولانا» مباشرة إلى القناة الفضائية التي يمتلك أسهمها بالكامل هو وبعض نفر من أهله والمقربين منه.. ثم دخل إلى مكتبه الملحق بالاستوديو؛ ليضع اللمسات الأخيرة قبل إذاعة حلقة «الزهد والتقشف»، التي سيقدمها لجمهوره، بعد قليل.
دقائق وكانت هناك أصابع تخدش حياء باب غرفة مولانا.. عامل الديليفري أحضر لـ«فضيلته» وجبة ساخنة من المطعم الإيطالي.. امر مساعده باستلام الوجبة، وأخرج من جيبه عدة ورقات مالية من فئة «200 جنيه»، وناول بعضها للعامل.
أعاد عامل «الديليفري» الباقي إلى «مولانا»، الذي استثنى ورقة نقدية ومنحها إياه، فدسها العامل في جيبه مباشرة، دون أن يتبين فئتها، هل هي ورقة نقدية من فئة الجنيهات الخمسة، أم العشرة، أم العشرين؟.. لا لا.. لابد أنها من فئة الخمسين أو المائة؟! ولِمَ لا؟ وهل يكون «مولانا» أقل كرمًا وسخاءً من الراقصة «الخمسينية»؟ لكنه اكتشف أن مولانا كالفنان الراحل الذي كان مضرب المثل في البخل في الوسط الفني!
استفرد مولانا بـ«البيتزا» الفاخرة، من نوع «C6.. سي سكس»، المكونة من سرطان سكامبي، والثوم المحمص والسلمون المدخن، وكائنات بحرية وأعشاب طازجة، ذي قيمة غذائية عالية، وتحسن القدرة الجنسية، وتشحن الجسم بمزيد من الطاقة والنشاط.
ما إن انتهى من التهام البيتزا، حتى رفع زجاجة مياه معدنية على فمه، ولم ينزلها إلا بعد أن أفرغ محتواها في جوفه.. ثم تناول بعدها علبة من المياه الغازية المستوردة، فـ«تجشأ»، وراح يداعب «كرشه الصغير»: «صحتين وعافية».
استدعى مولانا «الحلاق» إلى غرفته.. وترك له رأسه؛ ليهذب بعض الشعرات التي خرجت على النص.. ثم استسلم لأنامل «الماكيير» الذي غطى وجه فضيلته بـ«المساحيق»؛ ليخفي عيوبًا ناتجة عن حب الشباب، وآثار جرح غائر تعرض له «مولانا» في طفولته، وصار ملازمًا له إلى الآن.. فزادت بشرة «مولانا» بياضًا، وبدت أكثر إشراقًا، ونضارة!
بمجرد انتهاء «الماكيير» من مهمته.. وقف «مولانا» أمام المرآة، ليُلقي نظرة أخيرة على هيئته.. سحب الشال الأبيض الناصع إلى منتصف جبهته.. داعب لحيته بأصابعه التي غرسها في برطمان كريم مغذي للشعر، ويمنحه نعومة وبريقًا.. وراح يستعرض مهارته في التمثيل.. يبتسم هنا، ويُكشر هناك.. يقضب جبينه في موضع ويبسطه في موضع آخر.. يرفع صوته في موقف، ويخفضه في آخر.. هنا يخشع.. هنا يتباكي.. هنا يهدهد صوته، وهنا ينقطع..
وبعد أن اطمأن على موهبته التمثيلية تعطر وخرج إلى الاستوديو؛ ليطمئن على كل شيء قبل الخروج على الهواء.. تنسيق الديكور، زوايا التصوير، مستوى الإضاءة، «السويتش» الذي يستقبل اتصالات جمهوره..
اتصالات الجمهور؟! وكأن «مولانا» وقع على الكنز؛ فاستدعى مدير القناة، ومدير التسويق، ووجه إليهما اللوم بسبب قلة اتصالات المشاهدين الحلقة السابقة؛ ما انعكس سلبًا على حسابات القناة في البنوك؛ وطالبهما بسرعة التصرف، وإلا..
«ستاند بااااي.. ثري، تو، وان»، قالها المخرج، قبل أن يشير إلى «مولانا» ببدء الحلقة.. فبسمل «فضيلته» وحوقل.. وحمد الله وأثنى على رسوله.. ثم دخل في مقدمة طويلة، انتهى منها إلى قراءة قول الله- تعالى: «وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً»..!
أسهب «مولانا» في توضيح مخاطر الإسراف والتبذير، وحذَّر جمهوره من الإنفاق فيما لا يرضي الله ورسوله.. ثم طالب المشاهدين بـ«الزهد والتقشف»، والاستغناء عن ملذات الدنيا، في المسكن، والمأكل، والمشرب، والملبس.. ألا تريدون أن تكونوا كنبيكم- صلى الله عليه وسلم- الذي كان إمام الزاهدين، والمتقشفين؟ أين أنتم من رسول الله؟
وقبل نهاية الحلقة كانت الكاميرا تقترب أكثر وأكثر من وجه «فضيلته»، مركزة على «دمعة» تنتظر الإذن للسقوط من عين «مولانا»، قبل أن يختم بالدعاء: «اللهم اجعلني من الزاهدين، المتقشفين، يا رب العالمين»!