إعلان نوفمبر 2012 "اللادستوري".. من هنا بدأت الثورة على الإخواني محمد مرسي
السبت، 27 يونيو 2020 08:00 مكتب رضا عوض
لن ينسى الثوار يوم 22 نوفمبر 2012، اليوم الذي شهد انطلاق شرارة ثورة 30 يونيو 2013، بعد أن أصدر المعزول محمد مرسي الإعلان الدستوري الذي منح لنفسه ولجماعة الإخوان المسلمين بموجبه صلاحيات مطلقة، أزعجت المصريين ودفعتهم للخروج في مظاهرات حاشدة منذ اليوم التالي للإعلان الدستوري، لتكون بداية النهاية للفترة المظلمة في تاريخ مصر.
كان الهدف من الإعلان الدستوري الباطل تعزيز صلاحيات مرسي، وجماعته من خلفه وتوسيع سلطاته وتحصين قراراته في مواجهة القضاء، ما أثار سخط وتنديد كل فئات الشعب المصري الذين عادوا لميدان التحرير ولكافة الميادين المصرية بعد نحو عامين من الإطاحة بنظام مبارك.
منح مرسي لنفسه بمقتضى هذا الإعلان الدستوري حق تعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، علي أن يسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري، كما يحق له اتخاذ أية تدابير أو قرارات لحماية الثورة، على النحو الذي يضمنه القانون.
حصن مرسي هذا الإعلان الدستوري والقوانين والقرارات الصادرة منه أو بالأحرى من مكتب الارشاد التابع لجماعة الاخوان المسلمين حتى نفاذ الدستور بجعلها نهائية ونافذة ولا يجوز الطعن عليها، كما منع أي جهة قضائية من حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، مع تمديد عمل الجمعية التأسيسية لمدة شهرين إضافيين لتنتهي بعد 8 أشهر من تاريخ تشكيلها لا 6 أشهر.
ومنح مرسي لنفسه حق اتخاذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة أي خطر يهدد حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة، على النحو الذي ينظمه القانون، وهو ما أعطى لمرسي صلاحيات مطلقة لإصدار قرارات صارمة في مواجهة تلك الأخطار، والتي لم يسمها الإعلان بشكل دقيق، وهو ما فتح الباب علي مصراعيه للتنكيل بمعارضي جماعة الإخوان المسلمين.
ظهر بعد ذلك أن المشروع أعده مكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان المسلمين لتكريس الصلاحيات في يد الجماعة ولحماية أنفسهم من معارضيهم.
رد فعل القوى السياسية
فور صدور هذا الإعلان المشبوه اجتمعت القوي السياسية داخل حزب الوفد للإعلان عن رفضها هذا الإعلان، واصفة إياه بالجريمة الكاملة التي ارتكبها مرسي وجماعته، وبعد اجتماع دام عدة ساعات أصدرت القوي السياسة بيانًا مشتركًا قالت فيه إن هذا الإعلان يمثل انقلابًا رسميًا على الشرعية التي أتت به إلى الحكم وتمثل استحواذا غاشما على كل سلطات الدولة وتصنع ديكتاتورا لم تعرف مصر نظيرا له.
وأضاف البيان، أن مرسي الذى يستحوذ على السلطتين التشريعية والتنفيذية يلغي السلطة الثالثة وهي السلطة القضائية، وينهى دورها فى رقابة السلطتين لتحصين قراراته بأثر رجعى من أى طعن أو نقد، وهو ما يعد إعداما كاملا لاستقلال القضاء ومن قبلها إعداما تاما لدولة القانون، وشددت القوى السياسية على أن مرسي اختصر الثورة المصرية بالتمهيد لحكم مصر بالأحكام العرفية والطوارئ التى قامت الثورة من أجل إلغائها، وأسقط الزيت على النار، وبالتالى أشعل البلد كلها بجحيم سياسى قد يؤدى إلى تهديد السلم الاجتماعى.
وطالبت القوى السياسية في بيانها بعدد من المطالب كان على رأسها، إسقاط الإعلان الدستوري الغاشم واعتباره كأن لم يكن، وشطبه تماما من ذاكرة الثورة وذاكرة مصر، واعتبار انتهاء شرعية مرسى فى الحكم ثوريا وشعبيا ودستوريا ما لم يتراجع عن هذا الاستبداد، والدعوة إلى حوار وطنى للتوافق على معايير وآليات وطنية لبناء تأسيسية جديدة تضم كل التيارات والقوى الوطنية.
ودعت القوى السياسية الشعب المصري إلي النزول في مليونية حاشدة بميدان التحرير وبكل الميادين لإسقاط الاعلان الدستورى، والضغط من أجل إصدار قانون للعدالة الاجتماعية وحل الجمعية التأسيسية، وردد المشاركون في ختام الاجتماع بعض الهتافات التي تندد بالقرارات منها "يسقط يسقط حكم المرشد".
من جانبها أعلنت القوى المدنية نزولها جميع ميادين مصر رفضًا للقرار، ودعت الشعب المصري للنزول إلى الميادين ورفض الاعتداء على السلطة القضائية، واحتشد آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير وبعدة ميادين أخرى في أنحاء الجمهورية ضد الاعلان الدستوري، وردد المتظاهرون هتافات ضد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها رافعين شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " و" ارحل ارحل "، كما علقت لافتات بيضاء ضخمة مكتوب عليها باللون الأحمر "يسقط الإعلان الدستوري" و "الرئيس يدفع الشعب إلى عصيان مدني" وأخرى كتب عليها " ممنوع دخول الإخوان".
ونظم آلاف الصحفيين والمحامين مسيرتين من مقر نقابتيهما في منطقة وسط القاهرة إلى ميدان التحرير، وانضموا إلى الآلاف الآخرين الذين توافدوا عليه كما نظم مئات من أعضاء النقابات الفنية مسيرة من أمام دار الأوبرا إلى الميدان، واستقبل الميدان مسيرات أخرى حاشدة انطلقت من عدة ميادين في القاهرة تحت شعار" للثورة شعب يحميها"، بمشاركة رموز للمعارضة في هذا الوقت، ودعت هذه التظاهرات الأحزاب والحركات السياسية غير الاسلامية التي شكلت منذ الجمعة الماضي، جبهة الإنقاذ الوطني.
كما انضم القضاة للمتظاهرين الرافضين للإعلان الدستوري حيث أعلنت الجمعية العمومية لقضاة محكمة النقض برئاسة المستشار محمد ممتاز، وقتها، تعليقها العمل بالمحكمة لحين إلغاء الإعلان الدستورى، واكتمل النصاب القانونى للجمعية العمومية لمحكمة النقض قبل الموعد المحدد لانعقادها لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى لمواجهة الإعلان الدستورى، وهو المطلب الرئيسى لقضاة مصر والمرفوع على واجهة ناديهم الرئيسي المجاور لدار القضاء العالى، الذين يواصلون الاعتصام بداخله منذ صدور هذا الإعلان المشبوه، كما علقت عموميات جميع المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف الثماني.
إلى جانب هذه المظاهرات حدثت بعض المسيرات إلى القصر الرئاسي، حيث رفضت قوات الأمن وقتها الاعتداء علي المتظاهرين، وهو ما أدى إلى فرار مرسي من الباب الخلفي لقصر الاتحادية متجها إلى منزله، وهو ما دفع الجماعة المحظورة لحشد ميليشياتها لمواجهة المتظاهرين فى صدامات عنيفة انتهت بسيطرة عناصر الجماعة على محيط القصر الرئاسي، وممارستهم لأعمال تعذيب واحتجاز بحق مواطنين مصريين عزل لم يفعلوا شيئا سوى أنهم خرجوا للتعبير عن رأيهم، وهو ما شهده محيط قصر الاتحادية وحصار الإخوان للمحكمة الدستورية العليا، وهو ما أثار الغضب لدى قطاعات الشعب المصري، وزاد إصرارا المصريين على الإطاحة بمرسى من السلطة، لتستمر بعدها حركة المتظاهرين في الشارع، والتي أدت لظهور حركة تمرد التي انضم إليها كل أطياف الشعب المصري، ليرفض المتظاهرين ترك الميادين حتي انتهى الأمر بإسقاط جماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو بعد احتشاد ملايين المتظاهرين في ميدان التحرير وباقي الميادين المصرية.
أمام هذا الفوران، اضطر مرسي لعقد سلسلة من الاجتماعات منها مع مجلس القضاء الأعلى، إلا أن الاجتماع فشل لتعلن جماعة الإخوان بعدها أنه لا تغيير في الإعلان الدستوري، مؤكدة في الوقت نفسه أن مرسي أوضح لأعضاء المجلس أن تحصين قرارات الرئيس تقتصر على أعمال السيادة، ولعل هذا ما دفع البعض للجوء إلى محكمة القضاء الإداري لتقديم طعون طالبت بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مرسي بإصدار الإعلان الدستوري، علاوة على توافد القضاة على مقر ناديهم في وسط القاهرة للاعتصام فيه تنفيذا لقرار جمعيته العمومية مع تعليق نادي القضاة للعمل في المحاكم والنيابات في كل أنحاء البلاد، حيث استمرت حالة الفوران في الشارع المصري، مع اشتعال حركة التوقيعات التي قادتها حركة تمرد لإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين.