سرت والجفرة.. خط النار المصري لأطماع أردوغان والإخوان في ليبيا
الأحد، 21 يونيو 2020 01:36 م
بدت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول مدينة سرت الليبية وقاعدة الجفرة الجوية، صارمة للغاية، لما لهما من أهمية استراتيجية هامة، فقد اعتبرهما الرئيس بمثابة خط أحمر للأمن القومي المصري.
وخلال تفقد الرئيس للمنطقة الغربية العسكرية، السبت، دعا إلى وقف إطلاق النار في ليبيا عند نقطة الاشتبالك الحالية على حدود مدينة سرت، وتحديداً منتصف الساحل الليبي وقاعدة الجفرة الحصينة، قائلاً: "لنتوقف عند الخط الذي وصل إليه طرفي المنطقة الغربية والشرقية ونبدأ وقف إطلاق النار.. خط سرت والجفرة، وهذا خط أحمر بالنسبة لمصر وأمنها القومي".
لماذا سرت والجفرة؟ سؤال طرح بقوة على الساحة السياسية، حول علاقة الأمن القومي المصري بتلك المنطقتين، والإجابة في عدة أمور نستعرضها في التحليل التالي.
قد تبدو الإجابة واضحة في رد تركيا على تصريحات الرئيس السيسي، حيث اعتبرت أنقرة أن أي وقف لإطلاق النار في ليبيا مرتبط بانسحاب قوات الجيش الوطني الليبي من سرت، والتي تسعى ميليشيات حكومة الوفاق، مدعومة بطيران تركي وأسلحة ومرتزقة سوريين إلى السيطرة عليها.
النفط "عشم" أردوغان
وفي 8 يونيو الجاري، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات له، صراحة عن مساعي بلاده للسيطرة على سرت، بقوله:"إن مدينة سرت ومحيطها مهمة لوجود آبار النفط، وبعد ذلك ستكون العمليات أكثر سهولة، لكن وجود آبار النفط والغاز يجعل هذه العمليات حساسة".
لا يفصل هذه الموانئ عن مدينة سرت، سوى 150 كيلو متر باتجاه الشرق، ما يفسر الاستماتة في الدفاع عنها، والهجوم عليها في المعركة الحالية من الطرفين ، فسقوطها يفتح أبواب المنطقة التي تمثل عماد الاقتصاد الليبي، وشريانه الرئيس .
ومنذ انسحاب قوات الجيش الليبي من محاور العاصمة طرابلس، استجابة للضغوط الدولية وإتمام وقف إطلاق النار، كثفت الميليشيات معاركها في محيط مدينة سرت، غير أن قوات الجيش نجحت في ردها، وتنفيذ ضربات استباقية كبدتها وتركيا خسائر فادحة في المعدات والأشخاص.
ويأتي سعي حكومة الوفاق للسيطرة على سرت، لما لها من أهمية استراتيجية كبيرة، فالسيطرة على المدينة تفتح الطريق للسيطرة على الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي في الشرق الليبي، التي تضم أكبر مخزون للنفط في البلاد.
وتحوي منطقة الهلال النفطي أهم أربعة موانئ نفطية في البلاد، التي تصدر 80 % من النفط الخام، الذي تنتجه ليبيا يومياً، وهذه الموانئ هي "رأس لانوف والبريقة، والسدرة، والزويتينة ".
عسكرياً وجيوسياساً
وفقاً للخريطة الليبية، تبعد مدينة سرت نحو 1000 كيلومتر عن الحدود المصرية، وهي تنتصف المسافة بين طرابلس وبنغازي على الساحل الليبي، فهي تقع على بعد نحو 450 كيلومتراً من العاصمة طرابلس و600 كلم من بنغازي، وتوجد فيها قواعد عسكرية مهمة، مثل: قاعدة القرضابية الجوية، والتي تبعد عن جنوب سرت 16 كيلومترا، وغير بعيد عنها تقع قاعدة الجفرة الجوية أيضاً وهي من أكبر القواعد العسكرية الليبية.
اقرأ أيضاً: "لنا الشرعية الدولية والمحلية".. لهذه الأسباب تحركت مصر "صراحة" تجاه الأوضاع في ليبيا
وبالتالي فإن السيطرة على تلك القواعد يعطي التفوق الميداني لميليشيات الوفاق على الأرض، بالنظر للإمكانيات التي تتوفر في القاعدتين من أسلحة وذخائر وبنية تحتية مجهزة للأسلحة المتطورة وهو ما لن يسمح به الجيش الليبي، كذلك القيادة المصرية، في ظل عزم ميليشيات الوفاق على التحرك تجاه الحدود المصرية، والأدهى الإعلان عن دخولها وتهديد أمنها.
وتعد المدينة الساحلية، غرفة عمليات رئيسة لقوات الجيش الليبي، وغرفة وصل بين مناطق شرق ليبيا وغربها. ويعد مطار وميناء المدينة من أهم المنافذ الرئيسية في ليبيا، ففيها تقع قاعدة الجفرة الجوية وتحديداً في الشمال، ولا يفصلها عنه سوى طريق مفتوح لا يتجاوز 300 كيلومتر.
وأما عن منطقة الجفرة، فهي تقع وسط البلاد، وهي تبعد بنحو 650 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس، ومحور ربط بين الشرق والغرب والجنوب، والسيطرة على قاعدة الجفرة تعني تقريبا السيطرة على النصف الليبي بالكامل.
الإجابة قد تتضح أيضاً في تصريحات قادة جماعة الإخوان الإرهابية وتمسكها بسرت، تقول تصريحات رئيس مجلس الدولة الاستشاري السابق، الإخواني عبد الرحمن السويحلي، رداً على تصريحات الرئيس السيسي: "إذا كان يعتقد البعض أنه يستطيع تجاوز الخط سرت الجفرة ده أمر بالنسبة لنا خط أحمر، وعمرنا ما كنا غزاة لحد ولا معتدين على سنة حد، وأن بسط السيطرة على سرت والجفرة هدفٌ لا تفاوض عليه ولا يخضع لإذن من أحد.
اقرأ أيضاً: "السيسي هيشنتح أردوغان".. هكذا تفاعل العرب مع تصريحات الرئيس حول ليبيا
الإخوان: لا وقف لإطلاق النار
وتسعى جماعة الإخوان إلى بسط سيطرة الدولة على كامل تراب الوطن وفى المقدمة سرت والجفرة وعودة كافة المنشآت النفطية وهو ما أكده السويحلي عبر صفحته على فيسبوك، بقوله إنه هدف لا تفاوض فيه، وأمن جيراننا القومي يتحقق فقط بالكف عن التدخل في شؤوننا الداخلية وتأييد الانقلابيين وتحويل بلادهم إلى قواعد للعدوان علينا.
وتوالت ردود الفعل الإخوانية وقال رئيس حزب العدالة والبناء، ذراع جماعة الإخوان الإرهابية السياسي في ليبيا، محمد صوان، إن تصريحات السيسي حول سرت والجفرة، تعد تدخل سافر في الشأن الليبي يجب الرد عليه بشكل حاسم، وعاجل من الجهات الرسمية. وزعم الإخواني، أن محاولة السيسي لاستعمال البرلمان الليبي محاولة باطلة، زاعماً أن الاتفاق السياسي يحدد مهام الأجسام وتستمد منه شرعيتها.
يقول مراقبون إن دخول ميليشيات الوفاق إلي سرت، يعني نقل المعركة من الغرب إلى داخل قواعد الجيش الوطني شرقاً، وهذا إن حدث سيغير تماماً قواعد اللعبة، وبالتالي باتت مصر في مهددة من قبل الميليشيات بشكل كبير، لاقتراب حدودها من تلك المنطقة، وبالتالي من حقها التدخل لحماية بعدها الاستراتيجي بما يزيد عن 1000 ألف كيلو متر داخل الحدود الليبية.
داعش على الخط
وخلال السنوات الماضية، وتحديدا قبل 4 أعوام في يونيو 2015، أعلن تظيم داعش عن عاصمته في سرت، لتكون محوراً لتوسع دولته المزعومة في شمال إفريقيا، وبالتالي تهديد دول الجوار، وهو ما تأكد من عمليات عسكرية نفذها بالقرب من الحدود المصرية.
وحاول التنظيم خلال فترة وجوده في ليبيا، جر الدولة المصرية لحرب في الساحة الليبية، بأمور كثيرة، منها حادثة ذبح المصريين الشهيرة، غير أن تعامل القيادة السياسية كان حاسماً، بضربات مكثفة على معاقل التنظيم الأم، وإدارة الأزمات بشكل جيد، وهو ما أكد مراقبون.
وختاماً تتضح أهمية سرت والجفرة للكيانات الإرهابية المدعومة من قبل تركيا جماعة الإخوان الإرهابية، في كونها خط ترتيب الصفوف لتهديد مصر عسكرياً، وفق ما صرح به مسؤولو حكومة الوفاق وقادة الإخوان، ومرتزقة سوريون.