إثيوبيا تتهرب
السبت، 20 يونيو 2020 02:09 م
المماطلة والتسويف والتهرب من التزامات وقعت عليها اثيوبيا فى "اتفاق المبادئ"، وعلى مدى سنوات عدة من المفاوضات، والمتعلقة بأمن مصر والسودان المائى، وتهربها من المباحثات التى جرت برعاية أمريكية بواشنطن والمتعلقة بقواعد ملء سد النهضة، هو ما دفع الدولة المصرية إلى إحالة الملف إلى مجلس الأمن، بعد اصرار أثيوبى على ملئ السد فى قرار أحادي يحمل تحديا للإرادة الدولية بتحذير البنك الدولى إلى أثيوبيا من وقف التمويل للسد.
ما قامت به اثيوبيا بإصرارها ملئ سد النهضة اعتبارا من أول يوليو المقبل كشف حقيقة عنجهية ووقاحة وزير خارجيتها "جيدو أندارجاشو"، بإن بلاده ستملأ بحيرة سد النهضة باتفاق أو بدونه، وليعيد تاريخها المعروف فى القرن الأفريقى من انتهاك لحقوق جيرانها، والإضرار بهم، وعدم التزامها بالاتفاقيات التي وقعتها معهم، وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع.
المؤكد أن أثيوبيا بموقفها التفاوضى الرافض والمتعنت فى ابرام اتفاقية ملزمة للجميع، أضعف موقفها بتكرارها التهرب من كل الالتزامات، وأسقطت من جانبها كافه البنود التى وقعت عليها فى "اتفاق المبادئ"، وبما اعطى مصر والسودان كل الحقوق من التحلل من كافة الالتزامات التى قطعتها على نفسها بما فيها البحث فى كل الخيارات المتاحة أمامها للدفاع والحفاظ على حقوقها التاريخية فى مياه النيل، والتوجه إل مجلس الأمن بوصفها خطوة شديدة الأهمية لها ما بعدها فى حقها الدفاع عن النفس والوجود وفقا للمادة ٣٥ وتطبيق الفصل السابع لما تشكله أثيوبيا من خطر يهد الامن والسلم الدوليين.
فقدت اثيوبيا بموقفها المعلن والرسمى كل القواعد الأخلاقية والانسانية، كما فقدت الأدراك أن مصر والسودان ومن خلفهما ما يزيد على 150 مليون فى البلدين لن يقفا مكتوفي اليدين لتتحكم أثيوبيا فى مصادر وحصص مياه نهر النيل، وأن مصر لا تخضع لأية ضغوط تفرض عليها، فمصر اليوم ليست مصر الأمس، ولن تسمح لأثيوبيا باتخاذ قرارا احادي يشكل ضررا على شعبى السودان ومصر.
قدمت مصر من جانبها وعلى مدى السنوات الماضية حسن النوايا الكاملة والمخلصة والداعمة لمصلحة الجميع فى الاستفادة من مياه نهر النيل، ووفق الحصص القانونية والدولية فى مياه نهر النيل دون انتقاص نقطة مياه من شأنها أن توثر على مقدرات الملايين من المصريين والسودانيين، ولم تغفل فى الوقت ذاته حقوق إثيوبيا فى انتاج الكهرباء وبما لا يتعارض مع حقوق البلدين التاريخية .
وإذا كانت اثيوبيا تتصور أنه بموقفها الخاطئء تستغل الأوضاع الإقليمية الراهنة كمؤثر على أمن مصر القومى فهى واهمة، لأن مصر كفيله بحماية أمنها القومى سواء فى منابع النيل ولن تسمح للطامعين استغلال ثرواتها المائية والطبيعية، وأن الخاسر الوحيد فى ذلك الصراع إثيوبيا بالدرجة الأولى، بعد أن أخلصت مصر النوايا فى إبراء ذمتها لتنفض يدها أمام العالم والمجتمع الدولى ومجلس الأمن والولايات المتحدة الراعية للاتفاق الثلاثى، بحقها فى حماية أمنها المائى وأنه ليس أمام إثيوبيا سوى الامتثال للقواعد والقوانين الدولية وأن على مجلس الأمن القيام بمسئولياته.
التعنت الإثيوبى باتباع سياسة الاستفزاز بات واضحا فى استعجالها لتنفيذ المشروع قبل اتمام الدراسات الفنية والقياسات الضرورية، وهو ما كشف أخطاء في التصميم حتى قبل اتمام ٥٠٪ من المشروع، وكان سببا في استقالة رئيس الوزراء السابق ديسيلين رئيس الوزراء السابق، وانتحار مدير السد بإطلاق النار على نفسه، وايقاف العمل لمدة عامين واعلان الشركة الايطالية أنه لا يمكن تركيب التوربينات في معظم فتحات السد لأسباب فنية، علاوة على تقارير خبراء سدود أجروا فحصا فنيا سريا من جانب أثيوبيا وكانت نتيجته جاءت على غير هوى الأثيوبيين بما يشكل خطرا داهما، وبما سيضع أثيوبيا في مأزق حقيقي بشأن الأخطاء الفنية، وهوما فسر استمرارها في المماطلة والتهرب من الخطورة المتوقعة من عمليات المليء للسد.
الغريب فى الأمر أن إثيوبيا صعدت من لهجتها العدائية بتغيير سلوك ولغة مسئوليها الفج، وبرفضهم القاطع للجنة الفنية الاستشارية، وهو ما يفسر توترهم الشديد من احتمالية الفشل فى المليء والانتقال بالحديث عن لغة الحشد والتعبئة والحرب، أملا فى أن تتجاوب مصر مع تلك اللغة بجرها لحرب، وهو الموقف الذى قابلته مصر بكل هدوء دون انفعال على أى من المستويات فى أى مرحلة من مراحل التفاوض على مدى عقد كامل، بل اتبعت سياسة اتسمت بالتعاون والمشاركة من أجل تنمية شعوب الدول الثلاث، وقوبلت بالتعنت والرفض لافتقاد إثيوبيا الإرادة السياسية المرهونة لقوى خارجية.