الصدام بين روسيا والناتو قادم في البلطيق
السبت، 20 يونيو 2020 02:01 م
تعد منطقة بحر البلطيق، من أسخن مناطق الصراع بين روسيا من جهة وحلف الناتو وواشنطن من جهة أخرى، خاصة بعد هرولة الجمهوريات السوفيتية الثلاثة "أستونيا ولاتفيا وليتوانيا" إلى الانضمام لحلف الناتو فور انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم يتردد الحلف في ضمهما بسرعة، على الرغم من مماطلته لجمهوريات سوفيتية أخرى طلبت الانضمام ولم يقبل طلبها حتى الآن، مثل جورجيا وأوكرانيا.
ويعود الأمر في ذلك لأهمية موقع جمهوريات البلطيق الثلاثة مباشرة على حدود حلف الناتو مع روسيا، وعدم وجود خلافات سياسية على ضمهما بعد انضمامهما للاتحاد الأوروبي بدون أية مشاكل، كما أن الجمهوريات الثلاثة كانت من أخر الجمهوريات التي انضمت غصبا للاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت هناك نزعة دائمة لدى شعوب الجمهوريات الثلاثة للخروج من عباءة موسكو.
وتشكل توسعات وتحركات حلف الناتو في جمهوريات البلطيق مصدر إزعاج وقلق كبير لدى موسكو، خاصة مع نشر قواعد الحلف وأسلحته الاستراتيجية على أراضي الجمهوريات الثلاث، ومن الواضح أن التدريبات والمناورات العسكرية المكثفة للقوات العسكرية الروسية على مدى السنوات الماضية كانت مركزة على منطقة البلطيق، نظراً لنشاط حلف الناتو المتصاعد هناك، وفي 14 يونيو الجاري نفذ الجيش الروسي تدريبات مكثفة على توجيه ضربات صاروخية ماحقة من منظومات "اسكندر"، بمنطقة كالينينجراد الواقعة على حدود أوروبا الغربية، ردا على تدريبات الناتو في بحر البلطيق القريب.
وأبلغت مديرية التوجيه في المنطقة العسكرية الغربية في الجيش الروسي الصحفيين، أنه: “كجزء من أنشطة التدريب القتالي المخطط لها مسبقا لقوات أسطول البلطيق في منطقة كالينينجراد، نفذت الأنظمة الصاروخية التكتيكية "اسكندر" مناورات حية على شن هجمات صاروخية تقليدية ماحقة".
ويذكر أن الوحدات القتالية الصاروخية الروسية توجهت سرا إلى منطقة إطلاق النار، حيث نفذت المناورات التدريبية، فقامت القوات بإعداد مراكز الإطلاق الفردية والجماعية، ونفذت الإطلاق الإلكتروني على أهداف تحاكي أنظمة الصواريخ المعادية، والمطارات والقواعد المحمية ومراكز القيادة الافتراضية لقوات العدو. ثم تدرب الجيش الروسي على مهمة توجيه ضربة انتقامية محتملة عن طريق تغيير مواقع التمركز الآني، آخذا في الاعتبار رد العدو الانتقامي.
وأعلنت القيادة العسكرية الروسية في المنطقة الغربية أن هذه المناورات والتدريبات تأتي رداً على التدريبات العسكرية التي أجراها حلف الناتو قبل أيام قليلة في نفس المنطقة، والتي شارك فيها حوالي 30 سفينة حربية، وما يصل إلى 30 طائرة وطائرة هليكوبتر، وأيضا حوالي 3 آلاف من العسكريين في التدريبات البحرية للناتو التي كانت تجري في بحر البلطيق المحاذي لمنطقة المناورات الروسية في جيب كالينينجراد في أقصى الغرب الروسي.
وعلى جانب أخر من التصعيد بين حلف الناتو وروسيا، تبنى حلف الناتو، الأربعاء 17 يونيو الجاري، حزمة إجراءات قال إنها تأتي ردا على "تعزيز القدرات الصاروخية النووية لروسيا"، وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستوبتنبيرج، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع افتراضي لوزراء الدفاع لدول الناتو، أن الحلف أقر "حزمة إجراءات سياسية وعسكرية متوازنة ردا على ما أعلنه الرئيس الروسي بوتين عن تقوية القدرات الصاروخية النووية لروسيا".
وقال ستولتنبيرج إنه يعتبر خطوات روسيا لتحديث قدراتها العسكرية "مهددة وغير مسؤولة"، زاعما أنها "تمارس خطابا يهدف إلى ترهيب دول الحلف خاصة في منطقة بحر البلطيق"، لافتاً إلى أن دول الناتو قررت شراء دفعات إضافية لمنظومات الدفاع الجوي من طرازي "Patriot" و"SAMP/T"، وكذلك مقاتلات من الجيل الخامس، لكنه شدد على أن الإجراءات الجديدة لا تشمل نصب صواريخ برية نووية منتشرة برا في أوروبا.
وعلى جانب التصعيد الميداني بين روسيا من جهة وواشنطن وحلف الناتو من جهة، والذي يرى مراقبون أنه تصعيد خطير وغير مسبوق ويمكن أن يؤدي إلى صدام عسكري في منطقة البلطيق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الاثنين 15 يونيو الجاري، أن مجموعة من مقاتلاتها من طراز "سو-27" اعترضت قاذفات أمريكية وطائرات استطلاع للناتو فوق المياه الدولية لبحر البلطيق، وقالت الوزارة، في بيان لها: "رصدت القوات الدورية للدفاع الجوي في الدائرة العسكرية الغربية، يوم 15 يونيو 2020، في الوقت المناسب تحركات قاذفات استراتيجية تابعة للقوات الجوية الأمريكية من نوع B-52H وطائرات استطلاع لقوى أجنبية فوق المياه الدولية لبحر البلطيق، وتم تنفيذ عملية لمرافقتها من قبل مقاتلات روسية". وأضاف البيان: "جرت مرافقة طائرات القوى الأجنبية دون انقطاع على بعد ملموس عن حدود الاتحاد الروسي من قبل وسائل المراقبة الإلكترونية الروسية، وتم من أجل اعتراض الأهداف إقلاع مقاتلات من طراز سو-27 للقوات الجوية لأسطول البلطيق".
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن القاذفات الأمريكية وطائرات الاستطلاع لدول الناتو التي تم اعتراضها كانت تنفذ تحليقات فوق بحر البلطيق في إطار تدريبات "Baltops 2020" لحلف شمال الأطلسي، مشددة على أن مقاتلات "سو-27" منعت من وقوع أي انتهاك لحدود الدولة الروسية، مشيرة إلى أن أطقم الطائرات الروسية نفذت تحليقاتها بالتوافق التام مع القواعد الدولية لاستخدام المجال الجوي.
وسبق أن أكدت وزارة الدفاع الروسية أن قوات أسطول البلطيق الروسي تراقب سير مناورات الناتو في المنطقة والتي تشارك فيها 19 دولة بينها 17 عضوا في الحلف و2 بصفة الدولة الشريكة.
وترافق هذا التصعيد مع استعراض للرئيس الروسي بوتين لتطوير القوات العسكرية الاستراتيجية الروسية، حيث أعرب بوتين، عن قناعته بأن بلاده ستنجح في تطوير وسيلة ستتيح لها مواجهة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بأضعاف، قبل أن تصبح هذه الأسلحة في أيدي دول أخرى.
وأكد الرئيس الروسي على عجز جميع دول العالم الآن عن التصدي للصواريخ الروسية فرط الصوتية بسبب سرعتها البالغة، وتابع: "أكرر مرة أخرى: من المرجح جدا أننا سنحصل على وسيلة لمواجهة الأسلحة فرط الصوتية قبل ذلك الحين الذي ستحصل فيه أكبر دول العالم على مثل هذه الأسلحة".
المراقبون الدوليون يرون أن التصعيد العسكري بين روسيا وحلف الناتو وواشنطن في منطقة البلطيق ليس أمراً عادياً، وأن أي تجاوز أو خطأ من جانب الحلف وواشنطن ممكن أن يؤدي لصدام عسكري لا تحمد عقباه، خاصة وأن روسيا بقيادة الرئيس بوتين تحذر دائماً من أي تصعيد في هذه المنطقة التي تمس بشكل مباشر الأمن القومي الروسي، وتحذيرات الرئيس بوتين واستعراضه الدائم للقوة العسكرية الروسية ينذر بعدم تردده في اتخاذ موقف حاسم تجاه هذه التصعيدات.