كارثة علمية: رئيس جامعة المنصورة يجازي قسما بأكمله بعد رفضهم تمرير رسالة ماجستير لمعيدة.. والقضاء يتدخل
الثلاثاء، 16 يونيو 2020 11:58 صأحمد سامي
في واقعة وصفها كثيرون بالكارثية جرت داخل جامعة المنصورة بعد محاولة رئيس الجامعة فرض قراراته المخالفة للقانون على أعضاء قسم الأدوية والسموم بكلية الصيدلة وإحالة القسم بأكمله للتحقيق بعد رفض تنفيذ رغبته لمساندة معيدة بالكلية في مناقشة رسالة الماجستير بالمخالفة للقانون والأعراف العلمية.
تفاصيل الواقعة رصدها الحكم القضائي النهائي والبات من المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، في الدعوى القضائية المقامة من أعضاء القسم والذي قضي بإلغاء قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة المنصورة فيما قرره من مجازاة الطاعنين بتوقيع عقوبة اللوم لهم، بعد رفض قرار رئيس الجامعة ونائبه فى إسناد الإشراف الرئيسى على رسالة ماجستير معيدة بالقسم بالصيدلة تخصص فارماكولوجى لدكتورة أستاذ مساعد تخصص باثولوجى بكلية الطب ! بل وإجبارهم على الاسراع فى مناقشتها دون اعتراض.
وأوضحت الدعوى أن رئيس الجامعة لم يكتف بقراره بل سعى للتشهير بالأعضاء في وسائل الإعلام بنشر قرارات التحقيق بالجرائد قبل أن يخطرهم قاصدا إهانة أعضاء هيئة التدريس بالقسم بأكمله والتشهير بهم والتنكيل بهم لمجرد قيامهم بإبداء رأيهم الذى كان مخالفا لرغبته من غير شخصنة للموضوع وابتعد به عن مفهوم المصلحة العامة .
وذكر أعضاء مجلس قسم الأدوية والسموم بكلية الصيدلة للمحكمة أنهم ومجلس الكلية اعترضا على رغبة رئيس الجامعة ونائبه للدراسات العليا والبحوث بتعيين الدكتورة سيلفيا ألبير أستاذ مساعد بقسم الباثولوجى بكلية الطب مشرفا رئيسياً علي رسالة الماجستير للمعيدة سارة هشام حازم بالقسم بكلية الصيدلة على الرغم من أن الرسالة فى صميم تخصص الفارماكولوجى بينما من عينها رئيس الجامعة أستاذ مساعد تخصص الباثولوجى بكلية الطب الذى يبتعد فى التخصص العلمى الدقيق عن الفارماكولوجى
وأوضحت المحكمة أن رئيس الجامعة ترصد لمجلس القسم وأحالهم جميعاً إلى المحاكمة التأديبية لما رأه فى مسلكهم من كلمة حق تتجافى عنها طبيعته السلطوية، وكان يتعين على رئيس الجامعة أن يتوقف طويلاً عند اعتراض القسم والكلية احتراماً للعمل الجامعى وإصغاءً لرأى جمهرة من العلماء فى تخصصهم الدقيق، وأن مجلس الدراسات العليا بالجامعة أبى الرضوخ لمبدأ التخصص العلمى والانصياع لأحكامه وأصر على تعيين مشرف رئيسى على رسالة ماجستير بالمخالفة للمبدأ الحاكم للإشراف على الرسائل العلمية خارجا عن حدود القانون.
قالت المحكمة إن قانون تنظيم الجامعات نُظم على أساس ديمقراطى يبدأ بقاعدته الأساسية وهى مجلس القسم وينتهى بذروة سنامه وهو المجلس الأعلى للجامعات وبينها مجلس الكلية ومجلس الجامعة، لكي يكون إدارة التعليم الجامعى لحمته حرية التفكير العلمى وسداه الابتكار وتنمية المواهب به وأن يكون القرار فى كافة مؤسسات الجامعة ووحداتها العلمية وليد المناقشة والمدارسة والمجادلة وإعمال الفكر وليس وليد الاستماع والانصياع والاتضاع وتنفيذ الأمر .
وذكرت المحكمة أن مبدأ التخصص العلمى يقتضى تقسيم العمل العلمى بين الأقسام العلمية المختلفة بحسبانه ضرورة فرضتها تكاثر المعارف وتعقد مجالات التنظيم الإدارى للعمل العلمى، وهى أمور تفرض على المجتمع العلمى ضرورة استيعاب حقائقها وتحقيق مناطها ويجب احترامها والنزول على مقتضياتها، وهذا المبدأ أدى تطبيقه فى كافة فروع البحث العلمى إلى إحراز تقدم ملحوظ أخذت أهميته تتزايد كلما اتسع نطاق المعرفة التى تحصلها البشرية , وأن إهدار مبدأ التخصص العلمى بالجامعات هو تراجع غير حميد عن عجلة التقدم العلمى، وانعزال عن حقائق العصر الذى أحرزته المدنية الحديثة .
وأوضحت المحكمة إن تشكيل لجنة الحكم وتعيين المشرف الرئيسى لرسالة الماجستير معقود أصلا لمجلس كلية الصيدلة بناء على اقتراح مجلس قسم الأدوية والسموم بالكلية , وقد اتفقا اقتراحا وقرارا - بحق – على رفض تعيين الدكتورة سيلفيا ألبير عشم الله الأستاذ المساعد بكلية الطب مشرفا رئيسيا على رسالة الماجستير للباحثة المذكورة لكون تخصصها باثولوجى حال أن موضوع الرسالة فى نطاق التخصص العلمى لمادة الفارماكولوجى وأنه لا مانع من وجودها كمشرف ثان وليس رئيسيا , فقد كان يتعين على مجلس الدراسات العليا والبحوث بالجامعة الرضوخ لمبدأ التخصص العلمى والانصياع لأحكامه وقواعده التى استقرت فى العمل الجامعى, إلا أنه أبى وخرج على مبدأ التخصص العلمى وأصر على تعيين مشرف رئيسى على رسالة ماجستير بالمخالفة للمبدأ الحاكم للإشراف على الرسائل العلمية خارجا عن حدود القانون من ناحية، وعن دائرة اختصاصه التى تلزم بتتويج قرار مجلس الكلية الصادر بناء على اقتراح مجلس القسم الذى تدثر بعباءة حماية القانون .
وسجلت المحكمة فى حكمها أن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات اناطت بنائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث فى المادة (20/6) منها اعتماد تشكيل لجان الحكم على الرسائل المقدمة للحصول على درجتى الماجتسير والدكتوراه، إلا أن هذا الاختصاص ليس مطلقا وإنما يقوم على أساس موضوعى قوامه استيفاء الإجراءات السابقة على هذا الاعتماد من اقتراح مجلس القسم وهو الجهة ذات الاختصاص الدقيق ووافقه على ذلك مجلس الكلية تعين على نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث ومن بعده رئيس الجامعة أن يتوقف طويلاً عند هذا الاعتراض ويتثبت من سلامته ليس إدارياً فحسب وإنما علمياً فى المقام الأول احتراماً للعمل الجامعى وإصغاءً لرأى جمهرة من العلماء فى تخصصهم الدقيق
واختتمت المحكمة أنه لا يغير من ذلك ما ذكرته الجامعة المطعون ضدها من أن مجلس القسم ومجلس الكلية فى كل الأحوال وبصفة مطلقة ملزما كلاهما بما تقرره المجالس الأعلى منه كمجلس الدراسات العليا والبحوث بالجامعة ،فذلك مردود بأن المشرع فى المادة 14 من قانون تنظيم الجامعات المشار إليه، أناط بالمجالس والقيادات المبينة في هذا القانون كل في دائرة اختصاصه مسئولية تسيير العمل الجماعي وانطلاقه بما يحقق أهداف الجامعة , ورسم بذلك حدود الطاعة فلم يشأ أن يجعلها عمياء بل مبصرة بحدود القوانين واللوائح والنظم المقررة، وإمعانا من المشرع فى ملازمة تخوم القانون لجميع وثانيها حدود الاختصاص الذى ينظمه القانون، وهو ما ثبت في الطعون الماثلة من سلامة تصرفات كافة أعضاء مجلس قسم الأدوية والسموم بكلية الصيدلة ومجلس الكلية ذاته مما يتعين براءة أساتذة القسم بأكمله.