قطر تخسر رهان الوقت.. 3 سنوات من الإرهاب والسيادة الوهمية
الجمعة، 05 يونيو 2020 04:00 ممحمد فزاع
3 سنوات مرت بالتمام وبدأ العام الرابع على بدء أزمة قطر ومقاطعتها لإصرارها على دعم الإرهاب، تقربت خلالها الدوحة أكثر من تركيا وإيران، واستمرت في عنادها بدعم خطاب التطرف وتمويل الجماعات المتشددة، وهو السبب الإساسي في مقاطعتها من قبل مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
مقاطعة دول الرباعي العربي لقطر، جاءت من محصلة امتدت منذ منتصف التسعينات، حاولت خلالها السعودية والإمارات إقناع قطر بالتخلي عن سياسة استعداء جيرانها ووقف التحريض الإعلامي ضد دول الخليج، دون جدوى.
إرهاب الماضي
قمم ولقاءات رسمية بين قطر وجيرانها نعقدت على مدى هذه السنوات، على أمل ثنيها عن تدخلاتها خصوصا في سنوات ما سمي بالربيع العربي الذي قدمت فيه قطر دعمًا مباشرًا ماليا ومنابر إعلامية للجماعات المتطرفة، لا سيما القاعدة وجماعة الإخوان الإرهابية.
»» نزيف الاقتصاد القطري يتزايد.. دعم الإرهاب يزيد إصدار السندات في عام 2019
استخدم النظام القطري خلال تلك الفترة مصطلح بأنه داعم للثورات، لكن الوقائع على الأرض كشفت نيته الخبيثة في نشره للخطاب التحريضي الانقسامي ومحاولة زرع الفوضى في مثل مصر وسوريا وليبيا.
وبدلًا من اتخاذ إجراءات لمنع إرهابييها ووقف أعمالها العدائية، أجرت قطر محاولات جاهدة لتلميع صورتها في العالم عبر حملة دبلوماسية موسعة بدأها أمير قطر تميم بن حمد في الأسابيع الأولى التي تلت إعلان المقاطعة يوم الخامس من يونيو 2017.
واعتمدت قطر في تجميل صورتها بشكل رئيسي، على عقود الغاز والنفط والتطوير العقاري أو ما يسمى "دبلوماسية العقود" في العديد من الدول الغربية، وانفقت مليارات الدولارات على مراكز بحث ودراسات لتقديم النظام القطري الى العالم.
وزار أمير قطر الكثير من الدول الغربية والعربية لإقناعها بالتوسط لإجراء مصالحة لكن دون تغيير موقفه أو إبداء أي استعداد جدي لتلبية مطالب الدول الأربع، أبرزها وقف دعم وتمويل الجماعات الإرهابية بما فيها القاعدة وداعش والإخوان والحرس الثوري الإيراني.
معظم هذه المطالب ظلت مطروحة على قطر رسميا منذ 2013 حين تعهدت الدوحة بتنفيذها وتراجعت، كما تنصلت أيضا من الاتفاق الذي انعقد في الرياض عام 2014.
ارتماء في حضن تركيا وإيران
وخلال السنوات الثلاث الماضية ارتمت قطر في أحضان إيران وفتحت تجارتها معها، وعززت علاقتها الإرهابية مع النظام التركي حيث أرسلت إسطنبول آلاف الجنود إلى الدوحة بعد إيام من اعلان المقاطعة.
ورغم النفوذ التركي والإيراني في مراكز صنع القرار في قطر، لا تزال الدوحة ترفض مطالب الدول المقاطعة بحجة السيادة والاستقلال.
كل هذه العزلة التي فرضتها قطر على نفسها كانت نتيجة للآمال التي علقتها على إيران، وتركيا، وكلاهما تتدخل مباشرة في صراعات سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وبمنطق الربح والخسارة بغض النظر عن سبب ومسببات الأزمة، وجدت الدوحة نفسها فريسة للأطماع الإيرانية والتركية، فإيران التي تئن تحت ضغوط اقتصادية ومالية شديدة بفعل العقوبات الأمريكية، كانت في حاجة ملحة لمنفذ مالي ينفس أزمتها الاقتصادية.
أما تركيا التي يواجه اقتصادها حالة من الركود وتعرضت عملتها الوطنية (الليرة) لموجة هزات عنيفة خلال السنوات الأخيرة بفعل سياسات رئيسها رجب طيب أردوغان، المتهور وتدخلاته العسكرية الخارجية في كل من سوريا وليبيا وخصومات مجانية مع الحلفاء والشركاء الغربيين، فكانت بحاجة إلى إنعاش اقتصادها وتمويل حروبها الخارجية.
وقد أضعفت الأعوام الثلاثة الماضية قطر اقتصاديًا، وبدا يشكل الحليف التركي عبئاً على الدوحة، وهو الأمر الذي تجلى مؤخراً في اتفاق المصرفيْن المركزييْن التركي والقطري على رفع حجم المبادلة بينهما بعملة البلدين إلى خمسة عشر مليار دولار، وسط حاجة تركيا الملحّة إلى سيولة؛ من أجل توفير نوع من الاستقرار النقدي في البلاد، بحسب "راديو مونت كارلو".
دعم متواصل للإرهاب
لكن اللافت أيضا أن قطر لم تتوقف عن أنشطتها في مجال دعم وتمويل الأصوات المتشددة في خصوصا الدول الغربية وصلت إلى تمويل مساجد بعينها في أوروبا ومحاولات التأثير على النظام التعليمي في الولايات المتحدة وأيطاليا.
ويقوم تنظيم الحمدين باستخدام أموال وثروات الشعب القطري المغلوب على أمره لدعم وتمويل الإرهاب، ومن أبرز الجماعات الإرهابية التي ثبت تورط تنظيم الحمدين في دعمها، جبهة النصرة في سوريا التي ظهر زعيمها أبومحمد الجولاني على شاشة "الجزيرة" القطرية، في وقت سابق، وحزب الله في لبنان وحركة الشباب في الصومال.
وفي أبريل 2017 أبرمت قطر صفقة مع "حزب الله" –الذي قام بدور الوسيط- للإفراج عن 26 صيادا، عدد منهم ينتمي للأسرة الحاكمة، تم اختطافهم أثناء رحلة صيد على الحدود السورية-العراقية في يناير 2016، ودفعت أكبر فدية في التاريخ لجماعات إرهابية بلغت مليار دولار.
ومن بين هذه الجماعات والأفراد، كتائب حزب الله في العراق -التي قتلت عسكريين أمريكيين باستخدام عبوات ناسفة- والجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي قتل في غارة أمريكية يناير الماضي، وكذلك هيئة تحرير الشام، التي كان يطلق عليها اسم جبهة النصرة عندما كانت فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا.
وفي مصر، قدمت قطر شيكا على بياض لجماعة الإخوان الإرهابية، وهي العباءة التي تظلل العديد من الجماعات الإرهابية.
وتشير تقارير عدة إلى أن حجم التمويل القطري "المبدئي" للإرهاب بلغ نحو 65 مليار دولار منذ عام 2010 حتى 2015.
خسائر اقتصادية
ومع العناد القطري المتواصل تشير مؤشرات وبيانات رسمية وتقارير هيئات مالية دولية إلى ارتفاع قياسي في ديون قطر الخارجية، حيث طالت الخسائر معظم قطاعاتها الحيوية من الطيران إلى السياحة إلى القطاع المصرفي وهبوطا في الإيرادات وارتفاعا في النفقات وتعثرا للعديد من المشاريع نتيجة أزمة سيولة واستنزاف للمالية العامة بسبب نفقات منشآت مونديال 2022 وحملة علاقات عامة مكلفة للغاية لتلميع صورتها في الخارج التي لطختها الارتباطات المشبوهة بجماعات إسلامية متطرفة.
وتؤكد الإمارة الخليجية الصغيرة أن اقتصادها نجح في التكيف مع المقاطعة وأنه قادر على الصمود، لكن الواقع بمنطق الأرقام يشير إلى عكس ذلك ويؤكد وفق بيانات محلية ودولية صادرة في العام الماضي وبدايات العام الحالي أن الوضع أسوأ بكثير مما تقدمه الرواية الرسمية.
اقرأ أيضا:
واضطرت قطر بعد قرار المقاطعة العربية والخليجية للبحث عن مسارات جوية وبحرية بعيدة ومكلفة جدا لتأمين حاجاتها الأساسية وتسيير رحلاتها الجوية والبحرية.
وأقرت الخطوط القطرية على لسان رئيسها التنفيذي أكبر الباكر بأنها تواجه وضعا صعبا مع استمرار تسجيلها لخسائر لم تتوقف منذ قرار المقاطعة العربية في الخامس من يونيو 2017.
وأظهرت بيانات البنك المركزي القطري ارتفاعا في ديون الدوحة الخارجية خلال السنوات الماضية، وهي واحدة من المؤشرات على حجم الضغوط المالية التي تفاقمت منذ قرار المقاطعة العربية والخليجية قبل ثلاث سنوات.
ديون تتفاقم
ومع تصاعد الالتزامات المالية لقطر، اضطرت الحكومة إلى اللجوء في السنوات الأخيرة إلى الاقتراض ما فاقم الأعباء المالية للدين الخارجي الذي ارتفع إلى مستويات قياسية عند 55 مليار دولار بنهاية العام 2019، مقارنة بـ43.4 مليار دولار في العام 2018 بنمو سنوي بنحو 25.34 بالمئة، أو ما يعادل نحو 11 مليار دولار.
وبحسب ما تشير إليه بيانات المركزي القطري، فإن ديون قطر الخارجية قفزت في السنوات العشر الأخيرة حتى نهاية 2019 بنحو 179 بالمئة، معظمها منذ قرار المقاطعة.
وتؤكد قراءات أن الارتفاع القياسي في نسبة الدين الخارجي للدوحة يأتي نتيجة أزمة السيولة في السوق القطرية في السنوات الأخيرة وأن هذا الوضع ناجم أساسا عن سياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها القيادة في مواجهة تبعات المقاطعة العربية والخليجية.
وتظهر بيانات رسمية أيضا تراجع فائض الميزان التجاري السلعي لقطر في أبريل الماضي بنسبة 66.9 بالمئة على أساس سنوي، في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد.
وبحسب بيان وزارة التخطيط والإحصاء القطرية فإن الميزان التجاري (الفرق بين إجمالي الصادرات والواردات) خلال أبريل الماضي، سجل فائضا بقيمة 1.18 مليار دولار انخفاضا من 3.57 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2019.
وانخفضت الصادرات القطرية خلال أبريل بنحو 48.2 بالمئة على أساس سنوي مقابل ارتفاع قيمة الواردات القطرية بنسبة 17 بالمئة.
وتراجع الفائض التجاري لقطر 16 بالمئة في 2019 إلى 44.4 مليار دولار مقارنة مع 53 مليار دولار في العام 2018.
ومع دخول المقاطعة العربية في عامها الرابع لا يبدو أنّ قطر بصدد الاستفادة من دروسها، ومن المواقف الحازمة للدول الأربع، والتي وضعت الدوحة أمام معادلة واضحة، إما الاستجابة للشروط الثلاثة عشر التي قدمت لها دون مناورة أو التفاف أو تجزئة، أو إغلاق الملف بشكل نهائي مثلما هو قائم حاليا، حيث بات الملف في حكم المنسي بالرغم من محاولات قطر لتحريكه عبر الوسطاء والتصريحات المتناقضة.