هل يجوز إثبات الزنا من خلال الرسائل الإلكترونية؟
الإثنين، 18 مايو 2020 11:00 ص
باتت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في قضايا الطلاق والخلع، التي تعج بها أروقة المحاكم في مختلف المحافظات، ليس هذا وحسب، بل ومؤخرا القضايا الجنائية، بعد اكتشاف الزوج الخيانة عبر تطبيقات المحادثات، وكان أحد أهم الأسباب الرئيسية في إنهاء الحياة الزوجية لكثير من الأسر المصرية.
إلا أنه من المتعارف عليه من الناحية القانونية والعملية أن عملية إثبات الزنا تكون في منتهى الصعوبة حيث يشترط القانون عدة شروط منها – على سبيل المثال لا الحصر - أدلة الإثبات ضد شريك الزوجة الزانية منها «التلبس، والاعتراف، والأوراق المكتوبة، ووجوده في المحل المخصص للحريم، والتسجيلات الصوتية الصادرة عن الشريك»، والصور الفوتوغرافية، والشهادة كما هو متعارف عليه، إلا أنه نظراَ للتطور التكنولوجي المطرد لم يتطرق المشرع لمسألة إثبات الزنا من خلال الرسائل الاليكترونية.
التقرير التالي يلقي الضوء على إشكالية مدى جواز إثبات الزنا من خلال الرسائل الالكترونية في الوقت الذى يُعرف فيه الزنا بأنه حصول وطء في غير حل، ولهذا فإن الرأي مستقر في الفقه والقضاء على أن جريمة الزنا لا تقوم إلا بحصول وطء في غير حلال، فلا تقع بما دون ذلك من أعمال الفحش، كملامسة العورات والتقبيل، والأصل هو حرية القاضي الجنائي في إثبات وقوع الجريمة ونسبتها للمتهم من أي دليل يطمئن إليه، وهذا التعريف وفقا لمحكمة النقض في الطعن رقم 3610 لسنة 65 جلسة 26 فبراير 2001.
شروط حددها المشرع
بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض عبد الرحمن عبد البارى الشريف، خرج المشرع عن هذا الأصل الذى ذكرته في السابق محكمة النقض في جريمة الزنا وحدد في المادة 276 من قانون العقوبات الأدلة التي تقبل وتكون حجة علي المتهم بالزنا بحيث لا يملك القاضي الحكم بالإدانة إلا من خلال أحد هذه الأدلة المحددة حصريا وهذه الأدلة هي التلبس بالزنا والاعتراف ووجود أوراق صادرة من المتهم ووجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم إذ جري نص تلك المادة علي أن: «الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم».
ومن المتعارف عليه أن قضاء النقض مستقر منذ زمن وحتى الآن على أن نطاق تطبيق المادة 276 يقتصر على - شريك الزوجة الزانية - أما الزوجة نفسها، فيصح للقاضي أن يعتمد في إثبات زناها على أي دليل يطمئن إليه ولو لم يكن من بين الأدلة التي نصت عليه تلك المادة، وكذلك الشأن في إثبات زنا الزوج وشريكته إذ لا يتقيد القاضي في إثبات هذا الزنا بقيود خاصة، وذلك طبقا للطعن رقم 3610 لسنه 65 ق.
ويضيف الشريف: ولهذا قضت محكمة النقض في حكم سابق لها بأن ضبط عوازل طبية ملوثة بآثار مني بمنزل المتهم الشريك بناء على إذن مسبق غير كاف لإدانة الشريك بالزنا، لأن ذاك ليس من بين الأدلة الحصرية التي حددها القانون، طبقا للطعن رقم12862 لسنة 63 جلسة 14 مايو 2001 وهو أمر شاذ إذا ما اقتنع القاضي من شهادة الشهود والقرائن بنسبة الزنا إلى الزوجة، فيقض بإدانتها ويجد نفسه مضطرا في ذات الوقت إلى تبرئة شريكها لعدم توفر دليل من الأدلة التي تطلبها القانون لإثبات الزنا عليه.
شروط إثبات الزنا للزوجة فقط بالرسائل الالكترونية
ومن ثم فإنه يجوز للقاض أن يثبت زنا الزوجة والزوج وشريكته من خلال الرسائل الاليكترونية المتبادلة عبر شبكة الإنترنت كل ذلك بشرط أن تكون الرسائل جازمة في حصول الوطء، أما بالنسبة لشريك الزوجة الزانية، فإنه لا يجوز إثبات الزنا ضده إلا من خلال أحد الأدلة المحددة حصرا في المادة 276 عقوبات ومن ضمن تلك الأدلة المكاتيب والأوراق الصادرة من الشريك أو اعترافه بالزنا فهل يمكن اعتبار الرسائل الاليكترونية الصادرة من الشريك بمثابة مكاتيب وأوراق أو اعتراف بالزنا؟
لا خلاف على إمكانية الاعتداد بالرسالة الاليكترونية الصادرة من الشريك ان تضمنت اعتراف منه بالزنا إذ أن القانون لا يشترط في الاعتراف أن يكون قضائيا بل يمكن أن يحصل خارج مجلس القضاء بشرط أن يكون نصا على حصول الوطء، وهذا ما أخذت به محكمة النقض إذ قضت بأنه لما كانت جريمة زنا الزوجة لا تقوم إلا بحصول وطء في غير حلال بما مفاده أن الجريمة لا تقع بما دون ذلك من أعمال الفحش، وكان من المقرر أن تفسير العبارات ومعرفة مرماها، مما تستقل به محكمة الموضوع ما دام استخلاصها متفقا مع حكم العقل والمنطق.
وإنما يدق الآمر في اعتبار المكاتيب والأوراق رسائل اليكترونية ووجه الدقة أن المكاتيب والأوراق الصادرة من الشريك وتعتبر حجة في الزنا يقصد بها المحررات المكتوبة وهي في المعني التقليدي تتمتع الأداة المكتوبة بها بالإثبات النسبي، بحيث لا تتلاش أو تمحوا أو تزول دون ترك أثر ينم عنها وهو ما قد يظلمه واقع الحال بالنسبة للرسائل الاليكترونية، إذ يسهل محوها علي الفور، وآيا ما كان الأمر فإنه لما كانت تلك المكاتيب والأوراق يجب أن تكون صادرة من الشريك نفسه وجازمة علي حصول الوطء فإنها لابد وأن تتضمن بالضرورة اعتراف منه بالوطء، ولهذا فإننا نري أنه يجوز إثبات زنا الشريك من خلال الرسائل الاليكترونية بوصفها اعترافا بالزنا.
غير أن الاعتداد بالرسالة الاليكترونية الصادرة من الشريك مشروط بأن تكون دلالتها جازمة ونصا في إقرار الشريك بحصول الوطء وأن يكون الحصول علي الرسالة أو بالأحرى الولوج إلي البريد الإلكتروني للشريك قد تم بطريق مشروع اي بإذن قضائي مسبب ولمدة محددة طبقا للمادة 57 من دستور 2014، ولا يكفي في هذا الشأن رضا الزوجة الزانية، لأن الرسالة لا تخصها وحدها بل تخص شريكها، وأن جاز لها أن تطلع الغير علي أسرارها، فإنها لا تملك أن تطلع الغير سواء أكان زوجها أو السلطات العامة علي أسرار شريكها .
هل يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته؟
ومن باب أولى لا يجوز للزوج أن يخترق البريد الإلكتروني لزوجته لالتقاط الرسالة، لأن فعله يعد في هذا الشأن جريمة طبقا لقانون العقوبات والقانون رقم 75 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، ولا يستقيم أن يكون دليل الإدانة مشروعا حال كونه جريمة، فضلا عن بث الثقة والأمانة فيما بين الزوجين وما يجب أن يسود العلاقة بينهما من احترام لا ينسجم مع التجسس بحيث أن شك أحد الزوجين في سلوك الآخر لجأ إلي إتباع الإجراءات القانونية في الإثبات وإلا تحولت الأسرة إلي مسرح مخابرات وعس وهذا ما أخذ به القضاء الأمريكي والفرنسي وأيدهم فيه الفقه.
يشار إلى أن محكمة النقض في حكم قديم لها محل نظر أجازت للزوج تفتيش حقيبة زوجته الموجودة بالمنزل إذا ما اقتنع أن بها رسائل من عشيقها، وعللت لذلك بأن الزوج في علاقته بزوجته ليس من الغير في صدد المكاتبات لأن عشرتهما وسكون كل منهما إلي الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة في كيانها وسمعتها يخول لكل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة زميله في سلوكه وفي سيره وفي غير ذلك، مما يتصل بالحياة الزوجية لكي يكون علي بينه من عشيره، وهذا ما يسمح له عند الاقتضاء أن يتقص ما عساه أن يساوره من ظنون أو شكوك لينفيه فيهدأ باله أو ليتثبت منه فيقرر ما يرتئيه، وذلك طبقا للطعن رقم 259 جلسة 19 مايو 1941.