حادث بئر العبد والإجابة عن أسئلة متجددة
السبت، 09 مايو 2020 01:18 م
ما أشبه الليلة بالبارحة!.. في أعقاب كل جريمة إرهابية تنفذها عناصر لا ينتمون لبني البشر، تزداد تحليلات وآراء من يطلق عليهم خبراء استراتيجيين «متخصصين» فعلًا، وهم- للأسف- قلة قليلة، وعملة نادرة في زمن الاستسهال، وملء ساعات الهواء.. وتحليلات الخبراء «الفضائيين» أو «الهبيدة الفيسبوكيين»، الذين يتوارون خلف الكيبورد، ويقدمون تفسيرات خزعبلية، وحلولا فيسبوكية للقضاء على الإرهاب، أو الحد من العمليات الإرهابية، وكأنهم يرون ما لا تراه الأجهزة الأمنية، ومؤسسات الدولة المعنية بهذا الأمر.
بالأمس القريب، وقبل أن ينتهي الثلث الأول من رمضان، هاجم إرهابيون كمين بئر العبد بشمال سيناء.. الهجوم- بحسب بيان المتحدث الرسمي باسم قواتنا المسلحة- أسفر عن استشهاد عشرة من قواتنا؛ ضابط، وصف ضابط، وثمانية جنود، إضافة إلى إصابة ثلاثة آخرين.
هذا الحادث- كسابقيه- أعاد اتهام الأجهزة الأمنية بالتقاعس، وعدم الجهوزية في التعامل مع الإرهابيين، والتقصير في حماية القوات المرابطة في شمال سيناء، والتشكيك في جدوى العمليات العسكرية الشاملة، التي أطلت منذ بضع سنوات لتطهير أرض الفيروز من الإرهابيين، والمتطرفين، والخونة، وأعداء الوطن.. بل إن بعض «الفسابكة والتواترة» تقمصوا شخصية «أبو العريف»، وراحوا يقدمون ما وصفوه بـ«روشتة الحل» لاقتلاع الإرهاب في سيناء من جذوره، ولم تخلُ الروشتة من «التلسين» على الأجهزة الأمنية، واتهامها بالتخاذل، وعدم امتلاك رؤية استراتيجية لتجفيف منابع الإرهاب.
ولأن «إللي إيده في الميه مش زي إللي إيده في النار»، و«إللي على الشط عوام»- كما يقول المأثور- فقد طالب بعض مدعي المعرفة والإفتاء في كل شيء، بإلغاء التمركزات والكمائن الأمنية الثابتة، واستبدالها بقوات متحركة، حتى يصعب استهدافها، كما طالبوا بإخلاء مناطق بسيناء وإبعاد السكان المعروفين «مؤقتًا» لعدة كيلومترات، ثم دك هذه المناطق بالصواريخ وتسويتها بالأرض على مَن تبقى فيها من الإرهابيين، والمتطرفين، والمتشددين والتكفيريين.. وكأن الإرهابي هو فقط مَنْ يحمل صفة من هذه الصفات.
في مناسبات سابقة، أكدنا ونؤكد أن الحرب ضد الإرهاب ومواجهة الإرهابيين ليست حربًا نظامية بالمعنى المتعارف عليه بين الجيوش، بل حرب شوارع وعصابات وأشباح، وهذه تعتمد على ثلاثة أشياء رئيسية: «دقة المعلومة. والتسليح الخفيف. والتحرك الخفيف الخاطف».. وهذه الميزة منحت الميليشيات الإرهابية الغلبة واليد العليا في بداية هجماتهم، وتحديدًا منذ حادث رفح الأولى في 2012.. ثم بدأت السيطرة الإرهابية تتقلص بعد أن استعادت القوات «الجيش والشرطة»، زمام الأمور، وتعاملت معهم بطريقتهم، وبأسلوبهم القتالي؛ ما أدى إلى خسائر فادحة في عتاد وصفوف هذه الميليشيا، وتقلص هجماتهم إلى حد كبير.
دعونا نعترف بأن أي دولة لم ولن تسلم من الإرهاب، كما أن أقوى وأعرق وأعتى الجيوش والأجهزة الأمنية في العالم لن يمكنها القضاء على الإرهاب تمامًا، ليس عن ضعفٍ أو تكاسلٍ وتخاذلٍ منها، بل لأن الإرهابيين يمتلكون أشياءٍ لا تتوافر لهذه الأجهزة، وهي «المفاجأة، والزمان، والمكان، والتسليح، والأسلوب..».
فأكثر من خمسين بالمئة من نجاح أي عملية إرهابية يعتمد على عنصر المباغتة والمفاجأة، كما أن الإرهابي هو الذي يفرض زمن الهجوم، ومكانه، ونوع السلاح المستخدم، وأسلوب القتال، ومهما كانت قدرة الأجهزة الأمنية على جمع المعلومات، يظل عامل الوقت غامضًا وغائبًا في معظم العمليات، وبالتالي تكون المباغتة التي تربك القوات، وتحرج الأجهزة.. أيضًا احتمالية تعرض القوات للخيانة من البعض، وكما يقول المصريون في فلسفتهم: «دود المش منه فيه»! لكن يبقى هذا مجرد احتمال تثبته التحقيقات أو تنفيه!
أيضًا، اعتماد الإرهابيين على «العبوات الناسفة» كحلٍ أمثل في التعامل مع المدرعات، واعتمادهم على بنادق قنص متطورة، والتي تستخدمها العناصر التي تعتمد في تحركاتها على الدرجات النارية، «الموتوسيكلات»، لمهاجمة الأهداف عن بعد، علاوة على تنوع مسارح عملياتهم من رفح والشيخ زويد، إلى منطقة بئر العبد، التي ظلت- لسنوات- خالية من الإرهاب.
وعلى الرغم من ارتقاء شهداء ووقوع مصابين بصفوف الجيش والشرطة، إلا أن الوضع في سيناء مطمئن جدًا، وقواتنا تبسط سيطرتها على مناطق نفوذ الإرهابيين، وتطهر الأرض منهم ومن وجودهم، باعتماد تكتيكات غير تقليدية، وتنفيذ عمليات لم يُعلن عنها لصالح أهداف أسمى، إضافة إلى أن تسريع وتيرة «تنمية سيناء» الحاصلة الآن، يعجل بنهاية الإرهاب، واستئصال شأفته من أرض الفيروز.
كما أن القيادة السياسية لا تدخر جهدًا في التعامل مع الإرهاب، وليس أدل على ذلك من إنشاء المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي يترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويضم مختصصين في الدين، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والاقتصاد، للتعامل مع المشكلة من مختلف زواياها.
لكن ينبغي أن نكون جميعًا على مستوى المسؤولية، وندرك إدراكًا حقيقيًا أن الإرهاب الذي يضرب مصر مدعوم من دول ومنظمات وأجهزة استخبارات لزعزعة استقرارنا الداخلي، وأن مواجهته تحتاج إلى تضافر دولي، ومعاقبة كل مَن يدعمه، ويوفر للإرهابيين ملاذات آمنة، كما قال الرئيس السيسي في كلمة سابقة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعلينا أن ندرك أن استهداف الإرهاب في مصر يختلف عن سوريا والعراق، بسبب عدم وجود مواقع محددة للتنظيمات الإرهابية في مصر، على عكس تواجدها المعلوم في هاتين الدولتين. بالإضافة إلى أن الإرهابي في مصر قد يكون شخصًا عاديًا، يعيش بيننا، ويتحدث إلينا، ولا نكتشف حقيقته، إلا بعد تنفيذه عملًا إرهابيًا، كما بالنسبة إلى الإرهابي الذي فجر نفسه في الدرب الأحمر.