الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية لـ«صوت الأمة»: التنمر حرام شرعا.. وموتى كورونا فى مرتبة الشهداء
الأحد، 19 أبريل 2020 09:00 صأجرى الحوار: منال القاضى
أدعو المصريين للتبرع بأموال عمرة رمضان.. ويجوز التعجيل بإخراج الزكاة
الصيام يقوِّم المناعة.. وإفطار المصابين بكورونا أو المخالطين لهم قرار فى يد الأطباء
لا حرمانية فى غلق المساجد لأسباب تهدد حياة البشرية بالهلاك لأن القاعدة الأساسية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
ترويج الشائعات وإعادة نشر الأخبار دون تثبت إثم شرعى ومرض اجتماعى.. واستغلال كورونا بقصد الاحتكار ورفع الأسعار خيانة للأمانة
الكحول المعد للتعقيم أو العطور «طاهر» ولا ينقض الوضوء
الزعم أن الوباء عقاب من الله لا يصح لكونه أمرا غيبيا وعلينا الرجوع إلى الله بالتوبة الصادقة والاستغفار والأعمال الصالحة
الطعن فى الإمام البخارى خروج عن المسلك العلمى وشذوذ عن المنهج الإسلامى لثبوت إمامته وأهليته
ننتظر صدور قانون تنظيم الفتوى لردع غير المتخصصين
الصيام يقوِّم المناعة.. وإفطار المصابين بكورونا أو المخالطين لهم قرار فى يد الأطباء
لا حرمانية فى غلق المساجد لأسباب تهدد حياة البشرية بالهلاك لأن القاعدة الأساسية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
ترويج الشائعات وإعادة نشر الأخبار دون تثبت إثم شرعى ومرض اجتماعى.. واستغلال كورونا بقصد الاحتكار ورفع الأسعار خيانة للأمانة
الكحول المعد للتعقيم أو العطور «طاهر» ولا ينقض الوضوء
الزعم أن الوباء عقاب من الله لا يصح لكونه أمرا غيبيا وعلينا الرجوع إلى الله بالتوبة الصادقة والاستغفار والأعمال الصالحة
الطعن فى الإمام البخارى خروج عن المسلك العلمى وشذوذ عن المنهج الإسلامى لثبوت إمامته وأهليته
ننتظر صدور قانون تنظيم الفتوى لردع غير المتخصصين
ما بين التنمر على المصابين بفيروس كورونا، وهل المتوفى بالفيروس فى مرتبة الشهيد؟ أم لا؟ وماذا نفعل بأموال عمرة رمضان؟ وغيرها من الأسئلة التى تزاحمت على أذهان المصريين الأيام الماضية، خاصة مع توالى الأحداث وتتابعها، وقرب شهر رمضان الذى يحل علينا بعد بضعة أيام، حملتها «صوت الأمة» إلى فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، طارحة أمامه عددا من الأسئلة والقضايا مثار الحديث والجدل فى الوقت الراهن.
وكانت البداية بطبيعة الحال بقضية التنمر ضد المصابين بكورونا، وهنا أشار فضيلة المفتى إلى البيان الذى أصدره الأسبوع الماضى، بشأن تعدد وقائع رفض بعض المواطنين دفن شهداء فيروس كورونا، جاء فيه « قال الله تعالى فى كتابه الكريم «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا»، وهذا التكريم الإلهى وهبه الله للإنسان حتى بعد موته وانتقاله إلى لقاء الله تعالى، لا فارق فى ذلك بين مسلم أوغيره ولا بين غنى أو فقير ولا بين صحيح أو مريض، ومن أهم مظاهر تكريم الإنسان بعد خروج روحه التعجيلُ بالصلاة عليه وتشييع جنازته ثم دفنه، وهذا ما أجمعت عليه أمة الإسلام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، حتى شاع على ألسنتنا جميعا قول إمام السلف أيوب السختيانى رضى الله عنه: «إكرام الميت دفنه»، ويؤيده ما رواه البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عمر رضى الله عنهما قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ».
وانتهى البيان إلى أنه لا يجوز لأى إنسان أن يحرم أخاه الإنسان من هذا الحق الإلهى المتمثل فى الدفن الذى قال الله فيه «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى»، ولا يجوز بحال من الأحوال ارتكاب الأفعال المُشينة من التنمر ضد مرضى الكورونا (شفاهم الله)، أو التجمهر الذى يعانى منه أهل الميت (رحمه الله) عند دفنه، ولا يجوز اتباع الأساليب الغوغائية من الاعتراض على دفن شهداء فيروس كورنا، والتى لا تمت إلى ديننا ولا إلى قيمنا ولا إلى أخلاقنا بأدنى صلة، فإذا كان المتوفى قد لقى ربه متأثرا بفيروس الكورونا فهو فى حكم الشهيد عند الله تعالى لما وجد من ألم وتعب ومعاناة حتى لقى الله تعالى صابرا محتسبا، فإذا كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذى يواجهون الموت فى كل لحظة ويضحون براحتهم بل بأرواحهم من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير فى حقهم واجب والمسارعة بالتكريم لهم أوجب.
- هل المتوفى بفيروس كورونا يغسل ويصلى عليه؟ وهل هو شهيد؟
الأصل أن المسلم إذا مات يغسل ويكفن ويصلى عليه، لكن بفرض أن المسلم المتوفى كان مريضا بمرض معد، والجهات المعنية قالت إن تغسيله يساعد فى نشر الوباء أو المرض، وهذا حدث فى منذ عدة سنوات حينما انتشر مرض الإيبولا، قالت منظمة الصحة العالمية إن التغسيل يساعد فى انتشار الوباء، هنا يكون الحل عدم تغسيله ويمكن تيميمه، وإذا تيقنا أن تيميمه أيضا ينقل العدوى فلا نيممه ونكفنه ونصلى عليه، وقد ورد فى منزلة الشهادة فى الأحاديث الشريفة حول منزلة وأنواع الشهداء أن منها شهيد الدنيا والآخرة وهو الذى قاتل فى معركة شريفة.
- أطلقت دار الإفتاء الأسبوع الماضى مبادرة «كأنى اعتمرت.. الصدقة أولى» متضمنا دعوة تبرع للوطن ولأبنائه من الذين تقدموا لأداء العمرة الرمضانية، وحالت ظروف انتشار فيروس كورونا دون قدرتهم على تحقيق رغبتهم فى زيارة بيت الله الحرام ومدينة الرسول عليه السلام، ما الذى دفعكم إلى إطلاق هذا المبادرة؟
بالفعل أطلقنا مبادرة نتمنى من الله أن تعم وتنتشر، ويتم تفعيلها من خلال التبرع بهذا المبلغ أو بجزء منه إلى الدولة أو أعمال الخير لمواجهة فيروس كورونا، والثواب سيكون مثل العمرة، ويزيد، لأن العمرة نافلة أو سنة وإطعام الطعام وتفريج الكربات وهموم الناس ثوابه أعظم عند الله، خاصة بعدما قررت السلطات السعودية تأجيل العمرة، لأن التصدق فى وقت الأزمات وفك كربات المحتاجين أرجى للثواب عند الله سبحانه وتعالى.
وهذه المبادرة جاءت استجابة للواقع الذى نعيشه فى هذه الأيام، والذى يحتاج للتعاون والتكاتف وأن يأخذ كل منا بيد الآخر فى معركة وعى حقيقى، لأن من يتصدق بأموال العمرة ممن كانوا ينوون أداء العمرة هذا العام وحالت دون ذلك أزمة فيروس كورونا، كأنهم اعتمروا وزيادة.
وقد قرأنا الإحصاءات للمعتمرين المصريين الذين كان يتوقع أن يؤدوا مناسك العمرة هذا العام وحالت الظروف دون ذلك، ووجدنا أن عددهم يصل إلى 800 ألف شخص، ورأينا أنه إذا تم توجيه هذه الأموال التى كانوا سينفقونها لأداء العمرة إلى مصارف الخير ودعم المحتاجين والعمالة اليومية غير المنتظمة، فإننا نكون أمام ملايين الجنيهات ستكون سببا فى تفريج كربات آلاف المحتاجين والمتضررين، ومن تصدق بهذه الأموال فإن صاحبها يأخذ أكثر من ثواب العمرة، لأن الإنسان المعتمر يذهب بنفسه لأداء المناسك، وعبادته هذه ينتفع بها هو فقط، لكن الإنفاق فى سبيل الله هو بإجماع الأئمة الأربعة والفقهاء أولى من العمرة النافلة والحج النافلة، وثوابه أكثر، لأن عبادة الإنفاق فى سبيل الله منفعتها متعدية إلى غيره، فالقاعدة الفقهية تقول: «ما كانت منفعته متعدية، أولى ممن منفعته قاصرة»، والنصوص الشرعية فيها من السعة والمرونة بحيث يمكن أن تغطى مشكلات الناس وتتسع لها.
وانطلقت هذه المبادرة من مبدأ مهم وهو مبدأ الرحمة واسم الله الرحيم، فنحن نترجم معنى الرحمة إلى أفعال وعبادات عملية يصل نفعها إلى الناس، ونحقق الوعى الحقيقى للنص الشرعى الذى يتحرك على أرض الواقع فى صورة عبادة ذكية تؤدى دورا مجتمعيّا مهمّا، كما أن هذه المبادرة يمكن أن تمتد كذلك إلى حج النافلة، والفتوى مستقرة فى دار الإفتاء على ذلك من قديم الزمان وحتى يومنا هذا.
ونحن هدفنا أن نرسخ هذا الوعى فى العمل الخيرى، واليوم الإنفاق هو أولى من المنفعة القاصرة فى العمرة النافلة، وقد لاقت المبادرة استحسانا كبيرا فى مصر وخارجها، وتلقينا فى دار الإفتاء رسائل من بعض العلماء من دول عربية شقيقة تشيد بالمبادرة.
هناك من يرى ضرورة تعجيل إخراج الزكاة قبل وقتها نظرا للظروف الاستثنائية التى نمر بها فى الوقت الراهن، كيف ترون ذلك؟
استقبلت دار الإفتاء الكثير من الأسئلة حول هذا الأمر، والفتوى مستقرة منذ القدم على جواز التعجيل بإخراج الزكاة، وقد حدث فى عهد النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه أخذ من عمه العباس رضى الله عنه زكاة سنتين مقدما، لذلك يجوز إخراج زكاة الفطر منذ أول يوم من أيام رمضان، وهو ما عليه الفتوى فى دار الإفتاء المصرية منذ سنوات.
نحن أمام نازلة تحتاج إلى فقه آخر يتوافق مع الواقع والحاجة، وقد قمنا فى دار الإفتاء المصرية بمواكبة الحدث بفتاوانا لحظة بلحظة، وسخرنا أنفسنا لكى نقف مع الوطن وأبناء الوطن فى هذه المحنة، ونبين أن النصوص الشرعية تستطيع أن تواجه المتغيرات وتعالج الأزمات الحاضرة.
وفتاوى النوازل (الشدائد) تحتاج إلى عقل مدرك للواقع، يستطيع إنزال النص الشرعى على الواقع الذى يكاد يكون متغيرا، والنص الشرعى ليس بعيدا عن الواقع، مع ضرورة اتباع الأساليب العلمية والحكيمة فى الإنفاق، وأن نستعين كذلك بالمؤسسات القوية التى يمكن أن تستقبل هذه التبرعات والصدقات مثل صندوق «تحيا مصر» الذى يقوم بدور كبير خلال هذه الأزمة.
- ما حكم الدين فى المخالفين لقرارات ولى الأمر بغلق المساجد لعلة ويضرب بتعليمات الحجر المنزلى عرض الحائط أو ينزل الى الشارع دون ضرورة؟
يجب شرعا على المواطنين فى كل البلدان الالتزامُ بتعليمات الجهات الطبية المسئولة التى تقضى بإغلاق الأماكن العامة من مؤسسات تعليمية واجتماعية وخدمية، وتقضى بتعليق صلاة الجماعة والجمعة فى المساجد فى هذه الآونة؛ وذلك للحد من انتشار وباء فيروس كورونا الذى تم إعلانُه وباء عالميّا؛ لأنه مرض معدٍ قاتل، ينتقل بالمخالطة بين الناس وملامستهم، بسهولة وسرعة، وقد يكون الإنسان مصابا به أو حاضنا له، دون أن يعلم بذلك أو تظهر عليه أعراضه، ويحرم الإصرار على إقامة الجمعة والجماعات فى المساجد، تحت دعوى إقامة الشعائر والحفاظ على الفرائض، مع تحذير الجهات المختصة من ذلك، وإصدارها القرارات، فالمحافظة على النفس من أهم المقاصد الخمسة الكلية.
- وهل غلق المساجد به شبه حرمانية؟
أكدت قواعد الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ لذلك شرع الإسلام نُظُمَ الوقايةِ من الأمراض والأوبئة المعدية، وأرسى مبادئ الحجر الصحى، وحث على الإجراءات الوقائية، ونهى عن مخالطة المصابين، وحمَّل ولاةَ الأمر مسئوليةَ الرعية، وخوَّل لهم من أجل تحقيق واجبهم اتخاذَ ما فيه المصلحةُ الدينية والدنيوية، ونهى عن الافتئات عليهم ومخالفتهم، ومن ثم فلا وجود لحرمانية لغلق المساجد فى ظل أجواء تهدد حياة البشرية بالهلاك.
ولا شك أن خطر الفيروسات والأوبئة الفتاكة المنتشرة وخوف الإصابة بها أشد، خاصة مع عدم توافر دواء طبى ناجع لها، لذا فالقول بجواز الترخيص بترك صلاة الجماعات فى المساجد عند حصول الوباء ووقوعه بل توقعه أمر مقبول من جهة الشرع والعقل.
- هناك من أبدى انزعاجه لقرار عدم أداء صلاة التروايح فى المساجد، هل فضيلتكم مع هذا الرأى؟
لا تنزعجوا وصلوا التراويح فى بيوتكم فرادى أو مع أسركم، لأن الالتزام بالقرارات الاحترازية هو عبادة شرعية يثاب الإنسان عليها، والمعذور له أجر صلاة التراويح فى المسجد تماما، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ).
- وكيف ترد على من يطالبون برخصة الإفطار فى رمضان بسبب فيروس كورونا؟
اجتمعت فى الأسبوع الماضى مع لجنة طبية عالية المستوى فى دار الإفتاء المصرية فى كافة التخصصات التى تتعلق بفيروس كورونا، والمفاجأة أن هذه اللجنة أجمعت على أن هذا الفيروس يحتاج إلى مناعة، والصوم يؤدى إلى تقوية المناعة، كما أن الصوم فى حد ذاته مطلوب شرعا، وهو ركن من أركان الإسلام لا يسقط بحال من الأحوال إلا بعذر شرعى من مرض أو سفر أو حيض، وغيره من الأعذار الشرعية.
وفيما يخص المصابين بالفيروس فإننا فى هذه الحالة نسأل الأطباء، فإذا رأوا أن الصوم يضره، فإنه يجب عليه أن ينصاع لأمر الطبيب، وهو أمر واجب حتى يحافظ على نفسه لأن حفظ النفس فى هذه الحالة مقدم على الصيام، أما عن الأطقم الطبية التى تخالط المرضى بالفيروس فإذا كان الصيام مؤثرا عليهم وسيؤدى إلى مضار فإن لهم رخصة الإفطار، والفتوى تنبنى على رأى الأطباء فى هذه الحالة.
- ما هى رسالتكم للأطباء؟
نحن ننحنى أمامهم إجلالا، ونقول لهم أنتم أديتم واجبكم على أكمل وجه، لأن الطبيب الذى يتوفى نتيجة الإصابة بفيروس كورونا وكذلك المرضى هم جميعا يدخلون فى أبواب وأسباب الشهادة.
- وكيف ترى من استغلوا أزمة الفيروس لترديد الشائعات والأكاذيب؟
ترويج الشائعات وإعادة نشر الأخبار دون تثبت، إثم شرعى ومرض اجتماعى خاصة فى ظل الظروف الراهنة، حيث تترتب عليه مفاسد فردية واجتماعية ويسهم فى إشاعة الفتنة، فعلى الإنسان أن يبادر بالامتناع عنه؛ لأن الكلمة أمانة تَحمّلها الإنسان على عاتقه، والجماعات الإرهابية دأبت منذ بداية أزمة فيروس كورونا، على إطلاق دعوات تهدف إلى إثارة البلبلة وخرق الإجراءات الوقائية التى وضعتها الدولة للحد من انتشار الوباء، وهؤلاء سعوا بأكثر من طريقة إلى تحريض الناس على مخالفة قرارات حظر التجول ومنع التجمعات التى قد تتسبب فى نقل العدوى، فنادوا بالخروج فى مسيرات على خلاف الشرع، مثلما حدث فى الإسكندرية وبعض المدن بدعوى التكبير والابتهال إلى الله لرفع البلاء، ويجب علينا عدم الانسياق وراء المتاجرين باسم الدين، ومن الصدام مع المجتمع وتبنى الآراء المتشددة ومخالفة القواعد العامة التى تضعها السلطات المختصة، وشأن المسلم فى أوقات البلاء والمحن أن يكون دائم الذكر والدعاء.
- رأيتم فضيلتكم شكاوى البعض من استغلال أشخاص للفيروس للتلاعب فى أسعار بعض المنتجات لتحقيق أرباح مالية، أولا ما ما حكم الدين فى هؤلاء؟ وما هى رسالتكم لهم؟
بداية فإن استغلال الظروف الراهنة من انتشار جائحة كورونا بقصد الاحتكار ورفع الأسعار محرم بكل أشكاله وخيانة للأمانة، والشريعة الإسلامية حرمت الاحتكار بكل صوره وأشكاله، لتضييق على الناس، وحبس ما يحتاجون إليه فى حياتهم من الطعام وغيره، من أجل زيادة الأسعار وتحصيل مكاسب مادية، يعد غشّا واعتداء وإضرارا بالناس وأكلا لأموالهم بالباطل.
كما أن الشريعة الإسلامية قد منحت ولى الأمر ومؤسسات الدولة الحقَّ فى مكافحة الاحتكار والقضاء عليه بالوسائل اللازمة؛ لكونه من الجرائم الاقتصادية التى تهدد حياة الناس، وكل من كان سببا فى تضييق معيشة الخلق يدخل فى زمرة المفسدين فى الأرض، ويندرج تحت قول الله عز وجل: «وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا المِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ»، ووعيده صلى الله عليه وآله وسلم:»مَنْ دَخَلَ فِى شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقّا عَلَى اللهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِى مُعْظَمٍ مِنَ النَّارِ».
- الفترة الماضية شهدت شائعات بأن شرب الكحول يقى من كورونا فما حكم ذلك؟ وكذلك حكم الاغتسال بالكحول؟
الكحول المعد للاستخدامات المباحة مثل التعقيم أو العطور هو طاهر وليس بنجس، كما هو مذهب السادة الحنفية، والمقرر شرعا أن الأصل فى الأعيان الطهارة ولا يلزم من كون الشىء محرما أن يكون نجسا، لأن التنجيس حكم شرعى لابد له من دليل مستقل، وبناء على ذلك يكون الكحول طاهرا، ولا تأثير لاستعماله على نقض الوضوء، خاصة وهو معد للتنظيف والتطهير، ومن ثم يكون استعماله جائزا شرعا فى الأغراض المبينة إلا فى حالة الشرب وتناوله بدلا من الخمور فإنه يحرم شرب الكحول شرعا.
- لعلكم تابعتم بعض الأقوال التى ذهبت إلى أن ظهور فيروس كورونا من علامات الساعة، كيف ترون هذه الأقاويل؟
على المسلم أن يتحلى بحسن الظن بربه وخالقه سبحانه، ويعلم علم اليقين أن الله عز وجل سوف ينجينا من هذا البلاء، كما يجب أن ينتبه المسلم إلى بعض العبر والانتباه الى علامات الساعة حتى يزداد يقينه، فسيدنا النبى حدث أنه منذ ما يقرب من 15 قرنا أنه يحدث كذا وكذا وأن هذا يدل على قرب قيام الساعة، والغرض أن يزداد المؤمن إيمانا بالنبى صلى الله عليه وسلم وبدينه إذا ما رأينا شيئا هذه العلامات قلنا صدق الله ورسوله، وهو الأمر الذى يجب أن يزيد من إيماننا ويقيننا مثلما حدث مع سيدنا إبراهيم، (رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الموتى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى)، والرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلمنا أن مثل هذه الآيات ومثل هذه العلامات تكون سببا فى زيادة اليقين ورسوخ الإيمان فى قلب المؤمن، والرسول يعلمنا ويعلم من يأت من بعدنا.
وبشأن الزعم بأن الوباء عقاب من الله، فلا يصح هذا لكونه أمرا غيبيا، والذى على الإنسان أن يفعله فى مثل هذه الأزمات عموما أن يرجع إلى الله بالتوبة الصادقة والاستغفار ويكثر من الأعمال الصالحة، فهذا من أسباب رفع البلاء، والله تعالى يقول: «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ» وفى الوقت نفسه لا يهمل منطق الأسباب ويؤخذ بها فى الوقاية والعلاج.
- إذا انتقلنا إلى جزئية أخرى، وهو الحديث الدائم عن تجديد الخطاب الدينى، فهناك من يركز فى هذا الأمر على جزئية وحيدة وهى تنقيح صحيح البخارى، فما هو رأى فضيلتكم فى ذلك؟
يجب أن ننظر إلى كل فكر تم طرحه، فلا قداسة لأحد، ولا عصمة لأحد إلا لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، والأنبياء جميعا، وكل قول يؤخذ منه ويرد عليه إلا قول رسول الله.
والإمام محمد بن إسماعيل البخارى، إمامٌ مجتهد، من أكابر أئمة المسلمين المجتهدين فى الحديث والفقه، الذابِّين للكذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، علَمٌ من كبار علماء الحديث رواية ودراية، أميرُ أُمَراء صَنْعَة الحَدِيث، وسيدُ المحدثين، إمامُ زمانه، لم يُرَ فيه مثله فى علم الحديث والأهلية والفهم فيه، لا يبغضه إلا حاسد، وهذا ما صرَّح وشهد به علماء المسلمين وأئمتهم عبر القرون، حتى قالوا عنه: إنه فى زمانه كعمر بن الخطاب رضى الله عنه فى الصحابة.
وقد أثنى عليه شيوخُه وأقرانُه ومعاصروه وتلامذتُه، ثم من جاء بعده، واجتماع كل هذه الطبقات على الشهادة له بالإمامة، يجعل ذلك أمرا قطعيّا لا مرية فيه، بل إن بعض هؤلاء الأئمة الشاهدين له كانت لهم معه مواقفُ قطيعةٍ وخصومةٍ أدت إلى خروجه من بلده، فلم يمنعهم ذلك من قول الحق والشهادة له بالتفرد والأهلية، وهذا يقطع كل شبهة ويرد كل تشغيب.
وبذلك يكون الطعن فى الإمام البخارى خروجا عن المسلك العلمى، وشذوذا عن المنهج الإسلامى؛ فقد ثبتت إمامته وأهليته وإتقانه بشهادة أهل الحديث وجهابذة الرواية قاطبة، وإهدار شهادتهم مخالفٌ لِمَا اتفق عليه العقلاء مِن الرجوع فى كل علمٍ وفنٍّ إلى قول أهله، وفيه طعن فى أئمة الحديث وجهابذة الرواية الذين قدموا الإمام البخارى على أنفسهم فى العلم والفهم والرواية .
- هل نجحت دار الإفتاء فى الحد من فوضى الفتاوى فى مصر؟
اتخذت دار الإفتاء عدة تدابير للحد من فوضى الفتاوى ودشنّا محرك بحث خاصا بالفتاوى، بالدار، وهو الأول من نوعه، ويهدف إلى تكوين أكبر قاعدة بيانات للفتاوى عالميّا وفق معايير ومواصفات استراتيجية حديثة، الذى يدخل ضمن المرحلة الثانية لتطوير «المؤشر العالمى للفتوى» بهدف ضبط الخطاب الإفتائى على مستوى العالم، وتتبع ورصد فتاوى التنظيمات المتطرفة وتحليلها من الناحيتين الشرعية والإحصائية، كما بذلنا جهودا حثيثة على كافة المستويات لتصحيح مسار الإفتاء ومواجهة فوضى الفتاوى عن طريق توفير الخدمات الإفتائية بوسائل مختلفة متعددة، وبوسائل التكنولوجيا الحديثة لمواجهة الجماعات المتشددة، كما ننتظر صدور قانون تنظيم الفتوى، والذى سيسهم هذا القانون بشكل كبير فى تنظيم الفتوى فى مصر، وعندما يصدر، سيتم حل العديد من المشكلات التى تطرأ على الساحة، ومن ضمنها تنظيم الفتوى ومن يتصدر للفتوى لمصر، كما أن القانون سيكون رادعا لغير المتخصصين ومنظما لأمر الفتوى وحصره فى أهل الاختصاص، وهو أمر مهم فلا غنى عن القانون، ولكن مع القانون لا بد أن تكون هناك توعية مجتمعية وتثقيف للناس حول أهمية الفتوى وخطورتها، وخطوة أخذها من غير المتخصصين لما يمكن أن يحدث من بلبلة فى المجتمع أو نشر للأفكار المتطرفة والهدامة، ولا شك أن وسائل الاعلام عليها عبء كبير فى انتشار فوضى الفتاوى وظهور غير المخولين بأمر الفتوى.