جيرة الندامة.. حكايات التنمر في زمن كورونا (تحليل نفسي)

الجمعة، 10 أبريل 2020 09:00 ص
جيرة الندامة.. حكايات التنمر في زمن كورونا (تحليل نفسي)
متوفية الاسكندرية

- حكاية طبيبة أهانها جيرانها لأنها تُعالج المصابين.. ونجل متوفية هرب منه جيرانه خوفاً من كورونا 
 
 
في الأزمات يظهر المعدن الحقيقي للأشخاص، وفي وقت يتكاتف فيه الجميع حكومة ومواطنين من أجل مواجهة وباء كورونا العالمي، كانت هناك فئة قليلة أثرت نفسها على حساب الآخرين، على عكس ما يحدث في زمن الأوبئة التي يتكاتف فيها الجميع لمواجهة الخطر.
 
فأديب نوبل العالمي غابريل ماركيز كتب عن الحب في زمن الكوليرا، لكنه لم يعش حتى يرى التنمر في زمن كورونا، حيث تعرض عدد لا بأس به من مصابي كورونا للتنمر من جيرانهم وأقاربهم.
  
أمس الأربعاء وقعت حالة من التنمر ضد طبيبة مصرية في محافظة الإسماعيلية بسبب عملها في فحص وعلاج مصابي كورونا، حيث كشفت الطبيبة، دينا مجدي عبد السلام، أخصائية أمراض جلدية بمستشفى القنطرة بالإسماعيلية، أنها تعرضت للتنمر وحاول جيرانها طردها لأنها تعمل بأحد مستشفيات الحميات بالمحافظة، خوفًا من مخالطتهم لها وتعرضهم للإصابة بفيروس كورونا.
 
طبيبة الإسماعيلية
الطبيبة روت في مقطع فيديو بثته عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي وقائع تعرضها للتنمر، موضحةً أنها كانت تعمل أخصائية أمراض جلدية في أحد المستشفيات بمدينة القنطرة، قبل أن يصدر قرار من وزارة الصحة بنقلها إلى مستشفى حميات الإسماعيلية، للمشاركة في فحص وترصد مصابي كورونا، وقتها قررت ترك منزل أسرتها بالقنطرة حرصا على سلامة أفرادها، وانتقلت إلى مسكن خاص بها، طيلة فترة عملها في مستشفى الحميات، مع اتخاذها كافة التدابير والإجراءات الوقائية.
 
لكنه فور عودتها لمسكنها الجديد وبعد مرور 5 أيام من إقامتها، فوجئت بجيرانها يقفون أمام شقتها ويطالبونها بالرحيل، زاعمين أنها مصابة بفيروس كورونا، وقالت الطبيبة الشابة إنها استعانت بالشرطة التي تدخلت، وقامت بتفريق الجيران، مطالبة الجميع بعدم التنمر ضد الأطباء الذين يقفون في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء.
 
51920249-5c95-4d55-b3c9-1c2edf476ef5
 
 

نجل متوفية الإسكندرية
 
حالة طبيبة الإسماعيلية لم تكن الأولى، فقبل أيام توفيت سيدة من محافظة الإسكندرية بعد إصابتها بكورونا، هذه السيدة كانت حديث الرأي العام لساعات بعدما أُشيع  أنها أبنائها رفضوا دفنها في مقابر العائلة، لكن الحقيقة التي كشفها نجل المتوفية صاحبة الـ 64 عاماً ويدعى أحمد صبحى في تصريحات سابقة لـ صوت الأمة أن المستشفى أبلغته بالحضور لإستلام جثمان والدته.
 
 
22556cb1-276a-40ef-bb77-d8ecd67db321
 
"أبديت رغبتي بدفنها بمقابر النجيلة بمطروح ، وعدم رغبتي في دفنها بمحل إقامتنا بالأسكندرية وكان السبب تجاهل أقاربنا وجيراننا لنا منذ علمهم بإصابة أمي وزوجتي بالفيروس وكأننا نعاني من  جرب ".. هكذا وصف ما تعرض له من تنمر.
 
وتابع: "كنت أخشي ألا يساعدني أحد في حمل النعش أو الدفن فرفضت أن أعرض والدتي لهذا الموقف ، ولكن  مأمور قسم شرطة مطروح ورئيس المباحث والأطباء بمستشفي العزل بالنجيلة ، وبعض أهل الخير هناك ساعدوني في نقل جثمان والدتي بسيار إسعاف من مطروح إلى الإسكندرية واستلمت الجثمان أنا ووالدي وشقيقتي وأحد أقاربي وأنهينا إجراءات دفنها بمقابر كرموز".

غياب الوعي
تلك الوقائع اعتبرتها أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر غير مقبولة، نتيجة لعدم وجود توعية كافية للمواطنين بهذا الوباء، قائلةً في تصريحات خاصة لـ"صوت الأمة": "محتاجين شوية توعية بحاجات كتيرة جداً زي ما كان الريس قال إن الناس كلها تلبس كمامة، للأسف ده مش بيحصل، أساليب الوقاية العادية مش موجودة، وجودها ضروري علشان يبقي في اطمئنان  اجتماعي".
 
وتابعت: نحن بحاجة إلى توعية كبيرة من الإعلام وعلاج لهذا الشرخ الاجتماعي، وللأسف تأثيرات التنمر اجتماعياً خطيرة جداً على المدى البعيد ومزعجة وستترك أثراً، وما يحدث غريب على المصريين، المجتمع تغير كثيراً زمان كنا بنشيل بعض في السراء والضراء".
 
وترى أستاذة علم الاجتماع أن المشكلة الحقيقية سببها الإعلام المرأي الذي دروه أن ينشط العقلية المصرية ويوضح خطورة الوباء دون أن يحدث خلل اجتماعي عند البعض نتيجة للخوف والذعر الذي يولد لديه الرغبة في التنمر، "وزير الإعلام لازم يكون نشيط ويقوم بحملات توعية، أنا مش شايفة ده خالص، القنوات للأسف بتهتم في غلبية محتواها على برامج الصحة والطبخ التي يُدفع فيها أموال وليس من أجل التوعية، للأسف احنا اتغيرنا في كام سنة بقي فيه جشع ونفاق زيادة وجري وراء المال حتى لو كنت هتخرب البيوت ولذلك زاد الطلاق مبقناش نتكلم عن القيم ولا العلاقات الاإنسانية السلمية لقي الموضوع مادة وده لاننا أهملنا الفن الراقي وجرينا ورا الفن البغيض".. تتابع. 

"خوف مبالغ فيه"
وترى الدكتورة هبة عيسوي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، في حديثها لـ صوت الأمة، أن السبب الرئيسي للتنمر بسبب الخوف المبالغ فيه والتهويل من كورونا، مضيفة: "كل ده بيخلي الناس تتعامل بشكل غير أدمي تاني حاجة عدم دقة المعلومات لغاية دلوقتي حتي الأطباء مش عارفين عدم، وهنا تأتي عدم دقة المعلومات اللي عملت نوع من اللغط عند الناس خلت أن الشخص بيحط من خياله بيبقي تفكيره مش منطقي أووي لكن هو مقتنع بكده بيديله الحق انه يتنمر علي غيره دون أن يشعر بوخذة من ضمير كانه ده حقه في الحياة". 
 
وتابعت: "الأثر الحالي النفسي بيبقي ضيق وحزن علي الشخص الذي تعرض وهو رد فعل طبيعي لأي واحد تعرض لأي موقف سخيف ليه لأن الإنسان بيزعل، الحزن علي واقع بيعيشه الشخص الذي تعرض للتنمر، التنمر كمان هيجعل فيه ناس بييبقوا عندهم ازدواجية في المشاعر بعضهم يقول مش كنت أتغيبت واخد حذري وابقي زي الناس يبدتي الواحد يحصله نوع من هذه الازدواجية، وفي ناس اللي بيتعرضوا للتنمر بيعزلوا نفسهم اختيارياً جوة البيت وعلى النقيض فيه ناس بتبقي عصبية وبتتعامل بعنف".
 
لكن الأثر السلبي من التنمر  يسمى علمياً حسب وصف أستاذة الطب النفسي هو صدمة ما بعد الكرب، "ده بيجي بعد كل المواقف الضاغطة وخصوصاً اللي تعرضوا للتنمر حتى اللي مش بيشعروا بالأثر الحالي 90 في المية منهم بيجيلهم  صدمة ما بعد الكرب بيدأ يشعر بصور عقلية فيلم سينمائي يفتكر كل الناس اللي اتنمراو عليه ويشعر بحزن وضيق شديد من خلال استرجعاهم كل المشاعر السلبية ويلوم نفسه انه مااتعاملش معاهم من الاول".. تتابع.
 

الوجه الأخر.. جيران الهنا
 
وعلى الجانب الأخر، كانت هناك وقائع لاستقبال الأهالي في أسوان لجارهم الطبيب بالزغاريد فور عودته من العمل في المستشفى العزل الصحى بأسوان، في ساعة متأخرة من الليل تقديرا له وزملائه من جيش مصر الأبيض خط الدفاع الأول ضد فيروس كورونا.
 
ما فعله أهالي أسوان في لفتة رائعة يمكن تسميته بـ"جيران الهنا"، بينما انتشرت الفيديوهات عبر السوشيال ميديا بكثافة ولاقت ترحاب شديد، الأهم من ذلك هو الأثر النفسي على الطبيب، الذى روى حكاية وتفاصيل استقبال أهالى منطقته له في تصريحات صحفية، مؤكداً أن من قام بتجهيز هذا الاستقبال له زوجته، "زوجتى قبل وصولى إلى المنزلى اتصلت بي وقالتلى لما تقرب تجي على البيت ابقى كلمنى، تواصلت معها بالفعل قبل الوصول بساعتين، حيث قضيت أكثر من 14 يوما بمستشفى العزل".
ca6225f8-7679-4677-b9b0-a0ebb80b8ecd
 
 
وأضاف أن استقبال أهالى المنطقة منحه دفعة معنوية كبيرة للغاية قائلا:" والله نسيت كل االآلم واللى شوفته مع مرضى كورونا، بعد الاستقبال ده"، قائلا:" كنت داخل المنطقة رافع رأسى، كنت حاسس أنى عامل شيء جميل للبلد دى، والحمد لله حسيت به في شعور الناس وأهالى منطقتي، اللى وقفوا كلهم يحيونني على ما أقدمه ".
 
طبيب أسوان
طبيب أسوان
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة