الإجابة عند رب العباد.. هل يدخل المسيحيون الجنة؟

السبت، 29 فبراير 2020 10:00 م
الإجابة عند رب العباد.. هل يدخل المسيحيون الجنة؟
كنيسة
أيمن عبدالتواب

ابتداء.. نحن البشر لا نقبل أن يتدخل فى حياتنا، وشئوننا، ويمارس علينا وصايته، ويطلب منا أن نفعل هذا ونترك ذاك.. طبيعتنا الإنسانية ترفض أى إملاءات تُملى علينا من خارج ذواتنا.. فما بالنا برب العالمين ونحن نرى بعض البشر يتدخلون فى «المشيئة الإلهية»، ويجزمون جزما قاطعا، أن هذه الفئة فى الجنة، وبقية الفئات فى النار؟
 
خلال الأيام الماضية، تجدد سؤال بغيض، يطل برأسه كل فترة على الساحة، ويصير السؤال الأكثر تداولا: هل الدكتور «مجدى يعقوب» سيدخل الجنة أم ستكون النار مصيره؟ بمعنى آخر: هل المسيحيون سيدخلون الجنة كالمسلمين، أم سيدخلون النار كالكفار؟
 
السؤال نفس نوعية الأسئلة «اللزجة» التى تتكرر فى مناسبات بعينها، وسبقت الإجابة عنه آلاف المرات.. تماما كأغلب الأسئلة المتعلقة بـ«الصوم» التى نعلم إجابتها، إلا أننا نسألها كل عام؛ لأننا نموت فى «اللت والعجن»، ونشغل أنفسنا بما لا يعنينا!
 
العقلاء استنكروا طرح السؤال من الأساس، واستقبحوه، واستقذروه.. لكنَّ بعض مَنْ يطلق عليهم «دعاة» -خاصة «الزياطين» منهم- لم يفوتوا الفرصة؛ فأدلوا بدلوهم، وتصدروا للإجابة عن مسألة «غيبية» بحتة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل ويعلمون أنهم لا يضمنون الجنة لأنفسهم! 
 
ولعلنا نتذكر أنه فى العام 2016 بلغت «الجرأة» بإحدى الجرائد أن قررت حسم الجدل، فـ«شطحت»، وكتبت «مانشيت» الصفحة الأولى: «لو لم يدخل مجدى يعقوب الجنة.. فمَنْ يدخلها إذا؟»!
 
فى نفس العام- 2016- استشعر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، خطورة «السؤال»، لكنه- كما يقول المأثور- «جه يكحلها عماها».. فبدلا من أن يوبخ السائل، ويتهمه بـ«التعصب»، و«التطرف»، و«الجهل» بأمور دينه.. قال-خلال برنامجه «الإمام الطيب»- إن الأوروبيين «لن يُعذبهم الله»؛ لأنه ينطبق عليهم حكم «أهل الفترة»، أى لم تصل إليهم دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- أو وصلتهم «بطريقة مغلوطة ومغشوشة ومنفرة»!
 
هذا هو الواقع الذى لم يُرِدْ شيخ الأزهر أن ينطق به.. والحقيقة التى لا فكاك منها، أن المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى عند المسيحيين «كفار»، لن يدخلوا الجنة؛ لأنهم لم يؤمنوا بدينهم أو يتبعوا مِلَّتِهم.. فكما جاء فى إنجيل يوحنا 3: 16: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ». 
 
كما أن أهل الأديان الأخرى «كُفارٌ» سيدخلون النار، حسبما يؤمن المسلمون، وفى ذلك يقول القرآن الكريم: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».
 
تلك مشيئة الله: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)).. ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)).. المهم أن تكون العلاقة بين البشر فى الدنيا قائمة على ما جاءت به الشرائع السماوية، وبما يخدم الإنسانية جمعاء.. لا يقتل أحدنا الآخر بغير حق، ولا يأخذ منه شيئا بغير طيب نفس. 
 
نعود إلى السؤال: هل يدخل المسيحيون الجنة؟
 
الحقيقة التى لا تقبل الشك أو التشكيك، أن الإجابة ليست عند أحد من البشر، بل هى عند رب العباد.. هو وحده -جل شأنه- الذى يقرر مَنْ يُدْخِل الجنة أو النار، يُعذب مَنْ ويرحم مَنْ.
 
إلا أن بعضنا استحل لنفسه التدخل فى «مشيئة الله»، و«التألى عليه»، وكأن رب العزة- تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- قاصرٌ، أو عاجزٌ، أو بحاجة إلى مَنْ يساعده؛ ليقرر مصير البشر الذين خلقهم!
 
إن «التألى على الله» من «فلتات اللسان» الخطيرة، التى قد تهوى بالمرء فى نار جهنم.. فقد روى «مُسلم» فى صحيحه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: مَنْ ذا الذى يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ فإنى قد غفرت لفلان وأحبطتُ عملك».. والحديث فيه دلالة على «غفران الذنوب بلا توبة، إذا شاء الله غفرانها».
 
ثم وهذا هو الأهم.. مَنْ منا يضمن لنفسه أن يموت على الإيمان؟ أو مَنْ يملك لنفسه دخول الجنة بعمله، حتى ولو كان نبيًا مرسلًا؟ ألم يرد فى الحديث الشريف الذى أورده البخارى فى صحيحه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لن يدخل أحدًا عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدنى الله بفضل ورحمة»؟
 
وإلى أن نقف جميعًا بين يدى الله- عز وجل- يوم الحساب، ((يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)).. فما علينا إلا أن نعيش معًا -معشر البشر- فى محبة، وسلام، واحترام متبادل.. نستظل بسماء واحدة، ونخضع لقانون واحد، لنا ما لغيرنا من حقوق، وعلى غيرنا ما علينا من واجبات دنيوية، والتأكيد على أن لكل منا عبادته الخاصة، وفقًا للدين الذى يؤمن به.. أما مَنْ سيدخل الجنة أو النار، فهذا أمر غيبي، لا يعلمه إلا رب البشر، ولا يمكن لأحد من خلقه القطع به. 
 
((لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)). الممتحنة، الآية (8).
 
((أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ. وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ)). متّى (5: 44-45).

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق